عندما تغيب الرؤية فداء للتكتيك، وعندما يضيع الأمن القومى فداء لما يظنه صاحب التكتيك إنقاذا له، وعندما يدمر الاستخدام المفرط للذكاء والقدرة على الإجادة فى الفعل أى هدف مرصود، هنا يتولد موقف معقد ليس باستطاعة من أنشأه أن يصرفه. يسوق أصحاب هذا الفكر واتساقاً مع فكر النظام الفرعونى أنهم يحمون القائد الإله فى موقعه، ولن نستفيض فى الحديث عن حماية مواقعهم أيضا، وأنهم بما يفعلون إنما يحمون الأمن القومى ذاته وهذا هدف يبرر عندهم استخدام كافة الوسائل، كان الأصل أن تكون الصورة أيام الاتحاد الاشتراكى واضحة وليس بها لبس، فلم يكن الشعب يستغرب أو يكلف نفسه عناء التعليق إلا من ضحكه على نسبة التسعة والتسعين بالمائة وتسعة من عشرة، بعد ذلك أتى زمن كان هناك بعض الحياء حين تزور إرادة الأمة والآن نحن فى زمن الفجور الذى يهز الأمن القومى فعليا. إن أمتنا تعانى من أمراض فتاكة نعلم عنها، ونعانى منها جميعا، فكل جوانب الحياة تنهار تدريجيا على المصريين. إن النتائج بين أيدينا تدفعنا للمطالبة بالتغيير، ومن يطلب دليلا أكثر حياة من نتائج كهذه بين أيدينا وتدمينا. نطلب التغيير إلى نظام ديمقراطى كامل حقيقى غير صورى يسمح بأن يختار الشعب حكامه، بدءا من أصغر قرية وحتى رئيس الجمهورية، وأن يراقبهم رقابة حرة من خلال ممثليه وأن يكون قادرا على على إسقاط كل من يخون أمانته أو يقصر فيها. نطلب التغيير من أجل دولة مدنية قوية يتساوى أمامها المواطنون فى عدالة حقيقية لا تحرم ولا تجامل ولا تعزل. إن حرمان الأقباط المصريين من حقوقهم إنما هو لضعف الدولة، وإن تصوير الإخوان المصريين المسلمين كفزاعة للأقباط والمجتمع الدولى وشرائح من المجتمع المصرى إنما هو لضعف الدولة أيضا. إن الأقباط هم أصحاب وطن والإخوان المصريون هم أصحاب وطن أيضا، ويكذب من يقول إن الإخوان هم غالبية الشعب المصرى، هم يشكلون فقط شريحة من هذا الشعب. تبقى الكتلة الوسطى الكبرى من الشعب المصرى مؤمنة بشعار الدين لله والوطن للجميع، وأن الدين لا ينبغى لسموه استخدامه فى سياسات قابلة للتغير والصواب والخطأ. المصريون جميعهم متدينون ويؤمنون بأسس صلاح حياة البشر ولا خلاف بين أحد منهم على ذلك. الكتلة الوسطى الأكثر ضخامة فى المجتمع المصرى تبقى هى رهان الدولة المدنية الديمقراطية القوية العادلة فى مصر. إن تأسيس هذه الدولة إنما يحتاج إلى ضغط شعبى باتجاه التغيير لفرض سيناريو مرحلة الحكم الانتقالى التى سترسى النظام الديمقراطى الكامل والذى سيكون من شأنه إتاحة الفرصة كاملة أمام تكون ونشاط الأحزاب لنصل إلى اكتمال حقيقى للبدائل المتاحة فى المجتمع المصرى، وليقف الجميع أمام صندوق انتخابات نزيهة ليحدد وحدة من يحكمنا ومن يمثلنا. ساعتها لن يضير المجتمع المصرى أن يمثل شريحة محدودة منة الحزب الديمقراطى الإسلامى وأن يمثل شريحة محدودة أخرى منه الحزب الديمقراطى المسيحى على غرار ما هو موجود بالدولة الألمانية. سيبقى رهان المجتمع المصرى ساعتها حيا وهو الغالب بالكتلة الوسطى الأضخم من المسلمين والمسيحيين أخوة تحت شعار الدين لله والوطن للجميع. إن دولة تنازعها ضغوط الشد والجذب والتطاحن لهى أمة فاقدة لفرص النهضة، والعكس صحيح فالعدالة والنظام القوى يجعل الخطوط محددة وليست كملعب منفلت يسوده العنف والشك وهذه هى حقيقة حياتنا اليوم. آن الأوان أن نرى طريقنا برؤية علمية وليس كما يريدوننا أن نراه. طريقنا لابد أن يكون طريق التغيير وصولا بالضغط الشعبى السلمى إلى مرحلة الحكم الانتقالى غير الحزبى والمحايد لكى تحيا مصر بالديمقراطية وتزدهر كل البدائل السياسية المستحقة على أرضها. فى ظل هذه الديمقراطية وبقائمة حزبية نسبية سوف لا يهمش أحدا وسوف تحفظ حقوق الأقباط والمرأة والنخب الفكرية أمام صندوق نزيهة للتصويت، وسوف يحيا المجتمع المصرى الحياة التى تمكنه من النهضة فى ظل الديمقراطية والمنهاج العلمى فى الإدارة وليس تبعا لتوجيهات الرجل الكبير. النهضة لمصر. جريدة اليوم السابع