فجأة تحول حسن نصر الله من زعيم ومناضل وبطل، إلي عميل وخائن وإرهابي. هكذا، دون انتظار النتيجة النهائية لتحقيقات نيابة أمن الدولة العليا التي تجري حاليا في القضية التي عرفت باسم تنظيم حزب الله، وليس غريبا أن تصدر الأحكام المتسرعة بالإدانة أو التبرئة من الذين لا علاقة لهم بالأمر، فقد اعتدنا علي ذلك منذ فترة طويلة، تُطرح القضية أمام النيابة أو القضاء فنبدأ في إصدار الأحكام فورا كلٌّ حسب هواه وغرضه، ولا ننتظر الحكم القائم علي التحقيقات والأدلة والبراهين، ولا نعترف بهذا الحكم حين صدوره إذا لم يكن يوافق هوانا. والذي يريد أن يكوِّن رأيا من خلال وسائل الإعلام المختلفة سواء المرئية أو المسموعة أو المقروءة سيشعر بدوار بمجرد أن يضع عددا من الصحف أمامه ويقرأ عناوينها أويتجول بين القنوات الفضائية، فقد أصبح الحياد كائنا أسطوريا لا وجود له، وغابت من الذاكرة كلمة الموضوعية، وأصبحت كل صحيفة أو قناة فضائية علي دين صاحبها، ومن أجل هذا فهي مستعدة لقلب الحقائق ونصب المشانق وحشد الشتامين لمجرد تأكيد وجهة نظرها أو موقفها من هذا أو ذاك، وأصبح "التوجيه" من جهات عليا - سواء كانت رسمية أو غير رسمية - هو السائد، فالرئيس يوجه من يتبعونه بشكل مباشر أو غير مباشر، ولا أتحدث هنا عن رئيس الجمهورية، ولكن عن أي رئيس في أي مكان، فإذا "شتم" الرئيس،يتحول التابعون كلهم إلي "شتامين"، وإذا مدح الرئيس،يتحول التابعون كلهم إلي مداحين! وفي مثل هذه الأجواء تضيع الحقائق، ويصبح المتهم بريئا والبرئ متهما، وتختفي المعايير وتختلط المفاهيم، ويتحول العدو إلي صديق والصديق إلي عدو. ولسنا في حاجة لتأكيد عدائنا لأي شخص أو دولة أو كيان يثبت بشكل قاطع أنه يسعي إلي إيذائنا وزعزعة استقرارنا وجرنا إلي الخلف، ولكن في الوقت نفسه، لاينبغي أن نتسرع ونصدر أحكاما بلا أدلة في حق شخص أو دولة أو حتي حزب، خاصة إذا كان الأمر ما زال في إطار التحقيق، وكان المفترض أن نلتزم بالموضوعية في متابعة القضية حتي تنتهي التحقيقات وتصدر المحكمة حكمها سواء بالإدانة أو البراءة. لكن تحويل القضية إلي تصفية حسابات وانتقام "نظامي" - نسبة إلي النظام - ليس مقبولا، لا مهنيا ولا أخلاقيا، فليس من المنطقي تحويل القضية إلي محاولة ل "تصفية" حسن نصر الله في الشارع المصري الذي يتعامل معه كبطل منذ حرب لبنان الأخيرة، خاصة أن هذا التوجه قابله علي الطرف الآخر توجه مضاد للدفاع عن حسن نصر الله، ليس حبا فيه وإنما كرها في النظام! وأنا شخصيا لم أكن أحب حسن نصر الله قبل حرب لبنان، فقد كان عصبيا طول الوقت، عالي الصوت بشكل مؤذٍ، ولم أكن أقوي علي متابعة أي خطاب له أكثر من بضع دقائق، ولكن في حرب لبنان ظهر بشكل مختلف تماما، كان هادئا، واثقا، صادقا، متوازنا، وهذه الصفات الجديدة التي ظهرت عليه في الأزمة، أكسبته تعاطفا كبيرا في الشارع العربي كله، وجاء صمود مقاتلي حزب الله ليكسبه ويكسبهم مجدا وبطولة، فتحول تعاطف الناس إلي إعجاب وتأييد؛ فقد حطموا أسطورة الجيش الذي لايقهر، وكان هذا أمام العالم كله وعلي الهواء مباشرة! والآن تحول نصر الله إلي عدو وخائن لأن النظام يريد ذلك، أو هذا علي الأقل هو الانطباع الذي وصل إلي الكثيرين بعد الحملة "المنظمة" التي شنتها، ومازالت، الصحف الحكومية أو التي تتمسح في الحكومة، وأتصور أن تأتي هذه الحملة بنتيجة عكسية، خاصة في ظل تدني شعبية الحكومة والنظام لدي الناس، وأخشي أن يؤدي هذا إلي ضياع الحقيقة في قضية خطيرة تتعلق بأمن الناس والوطن. [email protected]