حلمنا جميعا بالثورة وحين تحققت ثورتنا وأصبح الحلم يقينا ووصلنا إلي النخلة إختلفنا علي البلح.. وكأننا شعب فقد هويته ربما من روعة الحدث أصابنا التخبط والانشقاق وفقدنا بوصلتنا لطريق الأمل.. يفاجئني أحيانا صباح حزين.. أري الأشياء حولي تتفتت، تفقد حقيقتها ومعناها وتصبح المتناقضات متجاورة ومتداخلة في بعضها البعض بقسوة وفجاجة.. صوراً أراها تطاردني وتصبح جزءاً من واقعي والخوف يصبح هو البطل السيد الذي يفرض نفسه علي الساحة.. أري شرخ الزجاجة الذي بدا دقيقا ثم اتسع أراه وهو يتكون في نفسي منذ أن عرفت أن نصر الثورة العملاقة الذي حققناه تطوله يد الشيطان لتبعده عنا وتعلمت كيف تتحول الثورة إلي نظام مشغول بحماية نفسه فتفقد الجوهر الحقيقي وتتشوه معالمها. فنحن كما قال نزار قباني شعب المصادفات التاريخية فبالمصادفة نحب وبالمصادفة نكره وبالمصادفة نتحد وبالمصادفة ننفصل وندخل حروبا بالمصادفة نخرج منها، وبالمصادفة نولد وبالمصادفة نموت.. نحن أصدقاء الريح تعلمنا منها التذبذب وعدم الثبات ونحن أصدقاء الموج تعلمنا منه التناقض والانفعال فغضبنا ليس له عمر ورضانا ليس له عمر وحالنا يتغير حسب الأحوال.. عشنا النظام السابق بكل أنواع القسوة والفساد والكفر فلما تحررنا منه، كنا علي أنفسنا أشد قوة وكفرا.. وتغزلنا بالحرية فلما رأيناها عارية أمامنا طار صوابنا فأكلناها.. وحاربنا الفكر البوليسي وثرنا عليه فلما أتيح لنا أن نحكم كنا أشد بوليسية من كل ديكتاتوريات العالم.. نحن قلقون من سيطرة التيار الإسلامي وليس هناك وقت للخلافات الدينية والانتهازية الرخيصة لأهداف شخصية بحتة.. فهم يغتالون مصر تحت ستار الدين وانتهاك الحريات.. مصر العظيمة العملاقة التي تقف صامدة رغم كل ما مر عليها من قسوة أبنائها وبشاعة حكمها فصارت وكرا للفساد والانحلال وغياب الضمائر ومن رحم عنيد ولدت أعظم ثورة في التاريخ، وما كادت تري النور حتي تصدي لها المنافقون المفسدون وذيول الحكم السابق والفلول. تقتلني أشباح الخوف فأمسيت بلا هدف، أتردد بي الحلم واليقظة.. بين النصر والهزيمة فيتلاشي النهار في رحم الليل.. مهزومة أنا ولكن ما حيلتي وزمن القهر يلتهم الرجاء بشراهة وقسوة.. انحدر إلي زقاق مظلم، تتزاحم في مخيلتي صور كثيرة في ميدان التحرير وتعلو هذه الصور صور الشهداء.. شباب في عمر الزهور.. القلم يئن تحت ضغط أصابعي.. الكلامات تبتلع فراغ الأسطر.. بلغ التوتر النفسي مداه فألقيت بالقلم جانبا لا عتصر رأسي وأبكي بحرقه شديدة ولا أدري أن كنت أبكي فرحا بما حققناه من ثورة عظيمة ضد الفاسدين أم أن بكائي هو خوف مما هو آتِ في ظل هذا الانشقاق والتفسخ والضياع الذي يملؤنا بالخوف علي الوطن.. وكيف سنخوض انتخابات في هذا الجو المشدود المشحون بالمصالح الشخصية والبلطجية وعدم الأمان. وكيف ستكون الانتخابات عادلة و60% من الشعب لا يعرف معني الدستور أو أصله أساسا؟ وكما حدث في مهزلة الاستفتاء سيحدث أيضا في هذه الانتخابات لصالح التيار الديني الذي هو بلغة العصر حافظ ومش فاهم وتعود الديكتاتورية بشكل آخر وألف حسرة عليك يا مصر وعزائي لشباب الثورة النقية الطاهرة ويا شماتة أبلة ظاظا فينا.. أبلة ظاظا مين.... أخرس؟ مقطع من مسرحية مشهورة المعذرة أيها القارئ العزيز فمقالي مشتت مثلي فهو يشبهني الآن فأكتب وأنا في أشد الحيرة والوف واليأس، وحتي أصبح ثوبا ممزقا ملطخا بدماء الشهداء فلماذا نكتب وكمن في زمن الغفلة العمياء.. كفرت بالأقلام والدفاتر.. كفرت بالعبارات التي تحبل وهي عاقر.. كفرت بكل ما كتبت من كلمات ذهبت سدي دون أن تنهي ظلما وتحرك عدلا وتفيق غافل وتوقظ الضمائر.. هكذا لن تشهق الأرض علي الثورة العظيمة ولن تهوي السماء وستصبح الأوراق أكفانا لها ويصبح الحبر دماء فاليأس أصبح صديقا والأمل أصبح رجاء.