هناك مسلمات جدير بنا كعرب ووطنيين أن نؤكدها ، أهمها علي الإطلاق هي أننا جميعاً بلا استثناء أياً كانت توجهاتنا الأيدلوجية مع المصالحة العربية ، بل ضد التفسخ العربي الحاصل من شرقه إلي غربه ، ناهيك عن رفضنا لكل حريق أشعلناه بأيدينا أو أشعله الآخرون أيضاً بأيدينا وقد التهم أجزاء هامة في جسدنا المنهك والمتعب ، بعضه احترق ولن يعود وبعضه مازال يئن من ألم الجراح. وعلي هذا المستوي نطرح قضية العلاقات العربية العربية التي أمست تعاني أزمة حقيقية ، وهي ليست يقيناً الأزمة الأولي وقد لا تكون الأخيرة ، . والغريب في الأمر أن الخلافات العربية تتزامن دوماً مع وقوع الأزمات أو الحروب ، وكأننا قد تعودنا الزحف إلي ساحات التنافر والتناحر في الوقت الخاطئ ، وقد فقدنا الإحساس بقيمة الزمن وأهمية الوقت وحيوية وجود بوصلة تعمل في الاتجاهات الصحيحة ، فأنظمة الضبط الداخلي قد توقفت في عمق الكيان العربي وتلك مسألة خطيرة يجب أن نتوقف عندها إن كانت هناك نية لبحث القضية برؤية عميقة وبعيدة عن العواطف التي أهلكتنا وشتتت خطانا وأضاعت ما تبقي في الصورة الذهنية عنا لدي الآخر. خلافاتنا أمست تقليدية سواء كانت في أسبابها أو نتائجها أو حتي طريقة إصلاحها ، وهو أمر يتعارض تماماً مع طبيعة الأشياء ، فالعالم من حولنا يختلف وهي ظاهرة حتمية وقد يصل به الأمر إلي حد الصراع وهو أيضاً أمر وارد ولكن حتمية الخلاف أو الصراع تنبع من قاعدة تحكمه وهي المصلحة الذاتية ، من هنا يكون الصراع له ما يبرره ويجعله مقبولاً ، وإن وقع الصراع فهناك طرق ووسائل وآليات متحضرة وفرتها الخبرة التراكمية وعلوم الإدارة واستراتيجيات التفاوض التي أعطتها مراكز الأبحاث والجامعات العريقة بعداً يقربها دائماً من القبول ويرشدها لحلول إيجابية مقبولة من الأطراف المتصارعة ، أما والحال كذلك في عالمنا العربي فتلك هي المأساة ، لم نتغير ولم تتغير فينا ملامح الحوار المفقود والهابط إن وجد ، حتي لغة الخطاب ومفرداته الزاعقة والذات القابعة خلف هذه الملامح وهذه المفردات مازالت متضخمة حتي قاربت بأصحابها من التحليق في عوالم أخري غير عالم العقلاء الذي يجب أن نعيشه ونتفاعل معه . وإن كانت تلك هي صورتنا ونحن نختلف فالأسوأ منها يأتي عندما نقرر الإصلاح أو الصلح ، فكما بنينا خلافاتنا علي قواعد الذات المتضخمة والعواطف فإننا بنفس المنطق ننهي خلافاتنا ، فنعود إلي نقطة الصفر ، ملفات المصالحة التي خبرناها علي مر التاريخ وفي غير منطقتنا هي ملفات تعالج اختلاف علي مصالح حيوية فرضتها ظروف معينة أو ترتيبات استراتيجية ومؤثرة ولذا فالتعامل عليها يكون بموضوعية ويتحسب لأمور كثيرة واقعية وتستحق الصراع ومعالجته مهما كانت تكلفة ذلك ، ولكن أين نحن من هذا المنطق ؟ ... باختصار نحن أمة لا تعرف كيف تختلف أو تأتلف وليس لديها منهج علمي للحوار . وإذا جاز لنا أن نبني رأينا ونقيمه علي أساس ما سبق ونلبسه علي واقعنا العربي التائهة دروبه بأيدي زعمائنا ، فإننا نتساءل عن قضايانا الزائفة التي اختلفنا عليها وعن قضايانا الحقيقية التي نصر علي طمس جوهرها والتي تستحق بالفعل أن نتوقف عندها ولنا مبرراتنا التي تجعلنا نقف بعقولنا وصدورنا أمام العالم كله إن تمكنا من ذلك ، وإن تخطينا حد الرغبة وفلسفة الرغبة إلي حد القدرة وإمكانية الفعل . إننا في حاجة ماسة لإعادة التمسك بأولويات أجندتنا العربية ، فقد تقزمت قضايانا التقليدية وتبعثرت بل وتم تحويل مساراتها وتفريغ محتواها وتسطيحه ، ضاعت فلسطين والصومال والعراق بثمن بخس ، والسودان في الطريق ولبنان علي المحك ، وإيران تعبث من حولنا في جنوب لبنان وغزة وشرق الجزيرة العربية وموريتانيا والمغرب والجزائر والسودان ونيجيريا ، وتركيا التي ظلت لعقود طويلة بوجهها تجاه أوروبا وإسرائيل ، الآن تشيح بوجهها الخليط ناحية المنطقة العربية بعد أن فقدت الأمل هناك ولديها طموحاتها السياسية وقد غاب عنا أنها الدولة الأقدم في علاقاتها الإستراتيجية بإسرائيل منذ عام 1949 م وهو تاريخ اعترافها بالكيان الأزمة . العالم في مرحلة تحولات استراتيجية سياسية واقتصادية خطيرة ومنطقتنا بالذات في حالة مخاض استلزم صراعا لبعض القوي الإقليمية التي تريد أن تكون لها الهيمنة وتحديداً أربع قوي وهي في تقديري إيران وتركيا وإسرائيل ومصر، ونحن نضع هذه القوي أمام أعين وعقول زعمائنا العرب ليكون لكل منهم حرية الاختيار ولكنه الاختيار المبني علي إدراك ووعي وأسس واقعية ومصلحية وأخلاقية ، والاختيار باسم شعوبنا العربية الطامحة للخلاص من إرث الماضي الثقيل وبعيداً عن النهج الخطابي الذي جربناه مع زعمائنا لخمسة عقود فما ألقينا بأعدائنا في البحر ولا حققنا هدفاً وحيداً للآن ولكنه أضاع الأوطان وشرد الشعوب وأوصل أحدهم إلي حبل المشنقة والآخر إلي المصير المجهول، ومع كل ذلك فعندي يقين بأن هناك من الزعماء من قد يحتار في اختياره ما بين إيران وتركيا أم إسرائيل ويسقط مصر من بؤرة الاختيار ، نعم إنها الحقيقة المخجلة في الزمن المستحيل ، والقراءة البائسة لصفحات الوطن الذي سمح فيه البلهاء لأن تبقي القيادة للأسد المتضائل الذي ملأ الدنيا صياحاً ونباحاً بعد أن فقد القدرة علي الزئير !!.