· العالم كله أشاد بثورتنا ووضعها في مرتبة أعلي من «الفرنسية» · شعرت بقلق من التخبط في إستشراف معالم المسار للحكم المدني الثورة المصرية التي قامت يوم 25 يناير و نفضت عنا غلائل الذل و القهر و الفقر و خلصتنا من حكم ديكتاتوري كئيب دمر كل مرافقنا التعليمية و الصحية والاجتماعية والثقافية وأسقط مصر العريقة بحضارتها وثقافتها و خلقها و سماحتها في أتون البلطجة والتدني الاخلاقي وتحالف مع اللصوص في نهب اللمليارات من ثروة هذا الشعب وسلبه حقه في الحياة الحرة الكريمة ، وكانت قمة انجازها هو فرض الشرعية الشعبية علي سلطة الدولة ، و لم يشهد العالم كله علي مر العصور حاكما يذهب إلي الناس في الشارع و يعلن أنه يأخذ منه شرعيته وانه سيعود للشعب إذا صادف معوقات أو صعوبات . هذه الثورة الفريدة التي انحاز فيها الجيش للشعب و للشرعية و الحرية والديمقراطية والدولة المدنية في سابقة فريدة ودرس عميق لدول العالم الثالث الذي تستند فيه سلطة الحاكم إلي قوات الجيش بدلا من إرادة الشعب. هذه الثورة التي أشاد بها العالم كله والتي وضعها المحللون و المؤرخون في رتبة تعلو علي عظمة الثورة الفرنسية أم الثورات ، بل إن الثورة المصرية بعد أن تلقت الشرارة من تونس أشعلت الرارات شعوب المنطقة العربية كلها ، بل امتد أثرها علي مستوي العالم الثالث حتي وصل إلي الصين التي حظرت أي تواصل مع ثورات المنطقة كلها من خلال الشبكة العنكبوتية اثر نشوب بعض المظاهرات في بكين ذاتها ، والتي قام بها الشعب قبل الرموز و القادة و التي ذابت في ساحتها كل مظاهر الطائفية والحزبية و تهاوت الخلافات والضغائن ، والتي دفعنا فيها ثمنا غاليا من دماء شهداء أبرار في عمر الزهور ضحوا بحياتهم ومستقبلهم من اجل الوطن ، تفرض علينا جميعا أن نعض عليها بالنواجذ و أن ندافع عنها بأرواحنا و قلوبنا و فكرنا وعزيمتنا . من اجل ذلك شعرت بقلق شديد لما ساد من تيه و تخبط بين النخب و الرموز في استشراف معالم المسار نحو ارساء حكم مدني ديمقراطي نعبر به من التخلف و الفقر إلي الحرية والرفاهية، وأرجو ألا نضيع زخم الثورة بالتسويف و التمديد والجدل التنظيري و الأكاديمي وألا تضع النخب قيودا من شأنها فرض وصايتها علي الناخب واستئصال بعض فصائل دون أخري في اتجاه معاكس تماما لمبادئ الحرية ، لأن إطالة المهلة التي حددتها القوات المسلحة ليست في صالح الديمقراطية بل تهدد بوأدها و الالتفاف حولها. ففي مشروع الثورة لارساء الديمقراطية عبر المجلس الأعلي للقوات المسلحة عن سعيه لاقامة دولة مدنية ديمقراطية تستلهم ارادة الشعب و تقوم علي الحرية و الشفافية ، وقد عبر العبد الضعيف عن تصوره لخطوات المسار الديمقراطي في خطاب مغلق الي المجلس الأعلي للقوات المسلحة بتاريخ 20 فبراير 2011 ، ثم في مقال بجريدة يومية كبري . غير أن جوا من الالتباس والتخبط اعترض طريق الثورة نشأ من طاقم المستشارين من النخب و الرموز و الخبراء الذين استعان بهم المجلس العسكري لرسم معالم مشروعها الديمقراطي ، وبحكم الاستعلاء الفكري و من واقع ما جبلوا عليه من وصاية فوقية نخبوية في محبسها المنعزل عن الجماهير ، أوقعوا المشروع في متاهات دستورية و سياسية لا تعبر عن روح الثورة و تستلهم روح التسيد و الفوقية و الوصاية ، مما عرض الثورة لتناقضات والتباسات تعوق مسار الثورة وتمس مصداقيتها التي آمنت بها الجماهير. وترتب علي ذلك مشروع دستوري ملتبس يتعذر عليه مواكبة تطلعات الشعب لن نعاود التحدث عن مثالبه ، ثم حوار ينتظم بعد القرار و يفتقد الموضوعية و تسوده الهلامية لا ضابط له و لا رابط . ثم دعوة الي ما سمي حوار مجتمعي في كل شيء و لا شيء وهو حق يراد له تعويق مسار الديمقراطية وتمديد الحكم العسكري الاستثنائي من أجل حماية مصالح شخصية و حزبية ضيقة ، و كان الأولي أن يعهد بهذا الحوار المجتمعي بعد انتخاب البرلمان ليصبح ساحة وغطاء للحوار بعيدا عن الوصاية النخبوية و ليس في مرحلة البناء الديمقراطي . وما زالت الثورة تواجه تحديات خطيرة في الداخل والخارج تقوم كل القوي الوطنية النبيلة بالنضال لمواجهتها غير أننا نود تسليط الأضواء بايجاز شديد علي المحاور التالية : استعادة المليارات المهربة للخارج و المنهوبة في الداخل ووقف نزيف الثروة الذي لعق فيه المفسدون حقوق الشعب ، و لا استطيع أن أتجاهل الإهدار الجسيم لثروتنا و رصيدنا من الغاز الطبيعي الذي قدمناه هدية للمفسدين علي رأس السلطة و حوارييهم و أصدقائهم و الذي تمنح فيه مصر الفقيرة عشرة مليارات دولار كمعونة لاسرائيل الحبيبة و الصديقة في شكل جزية للسلطان نتانياهو بعد ان توقفنا عن دفعها للسلطان العثماني، و ننبه الي أن هذه المعونة السخية تعادل عدة أضعاف المعونة الأمريكية التي يمنون بها علينا ويهددوننا بانقاصها أو قطعها . التحدي الحيوي الهام الذي يتصدر كل التحديات هو الوقوف في وجه سرقة مياه النيل من مصر بعد ان تدفق فيها مئات الآلاف من السنين و أصبح هو و مصر صنوان لا يفترقان ، و لا بد ان يتم تناول المشكلة بأسلوب مركب يتضمن هجوما دبلوماسيا و شراكة في التنمية و لكن يجب ألا ننسي أن العلاقات الدولية لا تقوم علي الوثائق والمعاهدات والنوايا الحسنة فقط بل يجب ان يساندها و يصاحبها مصدر قوة يساند حق مصر في الحياة و يتناسب مع خطورة الموقف ، و لا بأس بالزيارات الرسمية و الشعبية و لكن العلاقات الدولية تقوم أساسا علي نوع من توازن القوي و الردع المتبادل ، وهو الأمر الذي لجأت إليه مصر في عهد عبدالناصر و اقتنع به السادات , أما ان تتفاوض مصر الضعيفة فأبشركم بمصر الصحراوية التي فقدت الحرث والنسل واصبحت واحة مهجورة فقدت تاريخها وانطفأ وهج حضارتها الذي الهم البشرية منذ آلاف السنين . التزامنا بالوفاء بالتزاماتنا العربية و الدولية ، و أن تعود مصر لممارسة دورها الفاعل خارج حدودها ، و المشكلة الآنية التي تلح علينا بشدة هو التزام بموقف يتناسب مع مسئوليات مصر كراعية للمصالح العربية ، و أولي خطواتنا في هذا التوجه هي اتخاذ مواقف تليق بقوة مصر و مسئوليتها في مواجهة المذبحة التي يتعرض لها شعبنا في ليبيا ، و لا أريد أن اصرف النظر عن ظروفنا الخاصة و انشغالنا بأوضاعنا المحلية وباجلاء وسلامة رعايانا ، ولكن جهدنا يفتقد نوعا من الديناميكية التي تتمشي مع التزامنا بالمادة السادسة من ميثاق جامعة الدول العربية التي تعطينا الحق في التدخل بكل الوسائل لنصرة الكيان الليبي الشقيق ليس فقط بناء علي النخوة العربية و لكن ايضا لاعتبارات المصلحة المصرية و لا أريد أن اقارن هنا بين مصر وبين قطر أو تركيا ، و انبه الي خط تهريب الأسلحة الإسرائيلية الي القذافي . و أخيرا لنا لقاء شعبي ديمقراطي سلمي كل جمعة في برلمان ميدان التحرير لحماية الثورة و دفع ديننا لدماء الشهداء و تعقب القتلة و المفسدين و اعلاء ارادة الشعب و منع المتسلقين و المهرولين . فالثورة انتصرت و لابد أن تحافظ علي انتصاراتها.