* العلاقات بين مصر وكل من إيرانوتركيا مرشحة لمزيد من التدهور بسبب موقف البلدين من الإطاحة بالإخوان * تنظر إسرائيل بقلق إلى التوتر القائم بين مصر وأمريكا بسبب إصرار إدارة أوباما على معاقبة القاهرة بعد إقصاء الإخوان لافتة إلى أن الملاحظ هو وجود شبه إجماع فى إسرائيل على عودة الجيش المصرى للإمساك بزمام السلطة ممثلاً فى السيسي، حال ترشحه للرئاسة، مثلما يحمل فوائد فى بعض الملفات، فإنه بالقدر نفسه يحمل مخاطر لا يمكن تجاهلها، ومن ثم فإن الحسابات المعتمدة كلية على وجود السيسى فى مقعد الرئاسة تتردد بين إعلان الارتياح لوجوده، وبين التعبير عن القلق من احتمالات أن يقود المسار المصرى فى اتجاه معاد للمصالح الإسرائيلية، ويزيد الأمر تعقيدا أن «عدم اليقين» المسيطر على المنطقة العربية عامة، ومصر خاصة، لا يساعد على الجزم وترجيح مسار على الآخر. ويأتى الوضع الأمنى فى سيناء، فى صدارة الاهتمامات الإسرائيلية، وترى الدراسة أن تل أبيب أبدت مرونة كبيرة حيال طلبات الجيش المصرى بإدخال قوات ومعدات لمناطق فى سيناء مصنفة وفقًا لمعاهدة السلام الموقعة كمناطق منزوعة السلاح، لمواجهة الإرهاب الذى تمارسه الجماعات الجهادية والتكفيرية بدعم من الإخوان المسلمين. غير أنها تشعر بالقلق من أن يتوجه السيسى نحو المطالبة بتعديل اتفاقية السلام، للسماح للقوات المصرية بالبقاء فى المواقع التى تقاتل فيها فى شمال سيناء، بحجة منع عودة الإرهاب مجددًا، ولا تريد إسرائيل أن تخسر ورقة تعديل الاتفاقية مقابل دور مصرى أكبر فى ضبط الحدود بين البلدين، بل تسعى لاستثمارها مقابل مزيد من تطبيع العلاقات، وتدرك إسرائيل أن السيسى سيراعى حال توليه الرئاسة تحفظات الرأى العام المصرى ومؤسسة الجيش على التطبيع مع إسرائيل، وأنه سيحاول أن يبرهن على أنه القائد الذى أجبر إسرائيل على تعديل اتفاق السلام دون أن يدخل حربًا معها، وأيضًا دون أن يمنحها مقابل لهذه الخطوة، بما يعزز شعبيته ليس فى مصر وحدها بل فى العالم العربى بأكمله، وقد سبق لرئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو أن حذر من عودة أجواء الخمسينيات الناصرية مرة ثانية. وفيما يتعلق بمعاهدة السلام يقول الباحث: «لم تتعرض اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل لمخاطر حقيقية حتى فى ظل حكم الإخوان لمصر، وبالتالى لم تكن إسرائيل لتشعر بالقلق الحقيقى من موقف مصر من المعاهدة، خاصة أن الإخوان وأى حكم مقبل فى مصر سيضطر على المدى المتوسط على الأقل للتركيز على معالجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية، كما أن المعاهدة تَضْمَنُها واشنطن، ورغبة أى حاكم فى مصر فى عدم الدخول فى مواجهات مع واشنطن ستحول دون وجود تهديد كبير لبقائها، وهو الرأى الذى عبر عنه «يورام ميطال» الخبير فى الشئون المصرية، ولكنه حذر فى الوقت نفسه من احتمالات ألا يتمكن المشير السيسى من تحقيق تطلعات المصريين، ومن ثم احتمالات عودة الإخوان للحكم كبديل جاهز، وفى هذه الحالة يتوقع الإسرائيليون نشوب الفوضى فى مصر، وتدهور الأوضاع الأمنية على الحدود المصرية الإسرائيلية، وهو ما عبر عنه وزير الدفاع الإسرائيلى موشيه يعلون إبان زيارته لألمانيا فى الأسبوع الماضي. ويبدو هنا بوضوح قصور رؤية بعض الباحثين والمسئولين الإسرائيليين الذين لم يدركوا أن جماعة الإخوان لم تعد بديلا للحكم بعد الضربات القاسية التى تلقتها، وبعد تقلص شعبيتها فى مصر، بل وظهور مشاعر عدائية واضحة تجاههم فى الشارع المصري، وفى كل الأحوال لا تعتبر الفوضى التى يخشاها الإسرائيليون حتى فى حالة عدم قدرة السيسى على تلبية تطلعات المصريين أمرا واردا، ولن تتعرض معاهدة السلام لتهديد حقيقى إلا فى حالة مقاومة إسرائيل لرغبة السيسى والجيش المصرى فى إجراء تعديلات على البروتوكول العسكرى فى الاتفاقية. وعن العلاقات مع واشنطن قالت الدراسة: «تنظر إسرائيل بقلق إلى التوتر القائم بين مصر وأمريكا بسبب إصرار إدارة أوباما على معاقبة القاهرة بعد إقصاء الإخوان عن الحكم، ومصدر القلق الإسرائيلى أن مصر يمكن أن تتوجه نحو دعم علاقاتها مع روسيا والصين بما يخلصها من ضغوطات واشنطن، خاصةً فيما يتعلق بالحفاظ على معاهدة السلام، والتعاون الأمنى بين مصر وإسرائيل. وتضيف إن استعادة مصر لعلاقاتها القوية مع قوى عظمى مثل بكينوموسكو حتى لو لم يسفر عن تغيرات كبيرة فى السياسة المصرية حيال إسرائيل وحيال معاهدة السلام، فإنه يضع تل أبيب فى مواجهة القاهرة بدون الوسيط والراعى الأمريكى بما يعضد من قدرة مصر على مساومتها فى العديد من الملفات، خاصةً الملف الأمنى والفلسطيني، وأيضًا فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادى فى المناطق الغنية بالغاز على الحدود المشتركة بين مصر وإسرائيل، وحفلت الصحف الإسرائيلية يوم 12 فبراير 2014 بتعليقات تعبر عن القلق من زيارة المشير السيسى إلى موسكو، وطالبوا واشنطن بالكف عن سياسة لى الذراع التى تتبعها مع مصر حالياً حتى لا تضطرب العلاقات الإقليمية بفعل التنافس الدولى بين موسكووواشنطن. وحول العلاقات الإقليمية ذكرت الدراسة: أسفر سقوط الإخوان فى مصر على يد الجيش وبدعم من الشارع المصرى عن إعادة ترتيب العلاقات الإقليمية بشكل تراه إسرائيل متساويًا فى فوائده ومخاطره، فالعلاقات بين مصر وكل من إيرانوتركيا مرشحة لمزيد من التدهور بسبب موقف البلدين من الإطاحة بالإخوان، وإضعاف فكرة قدرة تيارات الاسلام السياسى على إدارة الحكم. وأضافت: «ويتوقع المعلقون الإسرائيليون أن تتأثر الطموحات الإقليمية لأنقرة وطهران بما حدث فى مصر، خاصة إذا ما تولى المشير السيسى الحكم، وهو أمر يخدم إسرائيل من حيث إنه سيشكل ورقة ضغط على تركيا، ويجبرها على تحسين علاقاتها مع تل أبيب لتعويض خسارتها فى مصر، كما أن إيران التى تبدو متفائلة بفك العزلة من حولها بعد توقيعها اتفاق جنيف مع الغرب ستضطر للانكفاء على نفسها، وتقليل تدخلها فى جوارها الإقليمى فى الخليج العربى وفى الجبهة المتقدمة التى شكلتها فى الماضى قرب حدود إسرائيل (حزب الله، حركتا حماس والجهاد الفلسطينيتان) وذلك حتى لا تستفز الغرب مجددًا. وتورد الدراسة فى نهايتها ملاحظة مهمة، هى أن ما يتلقاه السيسى من مديح بعض المحللين والمسئولين الإسرائيليين، وما يحتويه من مزايدات أحيانًا يبدو وكأنه متعمد من أجل إيقاف شعبيته فى الشارع المصري، على قاعدة أنه وفقًا للثقافة العربية والمصرية فإن مدح أى مصرى من جانب الإسرائيليين سيصب بشكل تلقائى ضد مصلحته، ومع مصالح خصومه، خاصة الإخوان المسلمين، بما لا ينفى احتمال أن إسرائيل فى واقع الأمر ليست متحمسة لرؤية السيسى رئيسا لمصر، على عكس ما تظهره كتابات نخبتها البحثية والسياسية. نشر بعدد 689 بتاريخ 24/2/2014