انتفض المصريون علي الظلم والاستبداد، خلال 18 يوما أزاحوا رءوسا كانت تظن أنها حاكمة أبد الدهر، وفي ساعات المخاض لم يكن المتواجدون في ميادين التحرير يسكبون فقط دماءهم وعرقهم ومستقبلهم لري شجرة الحرية، بل تحدث صمتهم وأينعت حضارتهم في لوحات فنية وإبداعات مسرحية وأدبية، وقبيل ذلك كله تعلم العالم كيف يثور شعب وينظف مكان ثورته بالماء والصابون.. في كشف حساب الثورة تطل أسماء أمسكت بأبواق الإعلام الرسمي لسنوات، كانت علي الدوام جزءا من منظومة أمنية ساعدتها علي الترقي والإمساك بتلابيب كراسيها، وتقديم قرابين حجب الحقيقة، وترويع الثائرين بل والتحريض علي قتلهم، والتكسب من مناصب لم يضعهم الشعب علي كراسيها وأرغم علي دفع الملايين لهم من ضرائبه.. لو بدأنا بالمشاهد الأخيرة قبيل الإزاحة، سنجد أن هؤلاء كانوا من بين الأسباب المباشرة للثورة، تهكم مثلا محمد علي إبراهيم علي الشهيد خالد سعيد بتسميته شهيد البانجو، فكان عامل احتقان لما يقرب من 300 ألف متظاهر هم أعضاء جروب كلنا خالد سعيد، وبالمثل تهكم آخر، وقال: "هي الثورة بكرة الساعة كام!"، وقبيل اشتعال الثورة بساعات كان يجري حوارا مع المجرم حبيب العادلي يهدد فيه ويتوعد من يتظاهر بالرد بكل قسوة.. عقب انقلاب المشهد أصيب هؤلاء بالارتباك، بعضهم تحول سريعا إلي نفاق الثورة والقفز في قطارها المتأخر، فتحدثوا عن الشرعية الثورية، وثورة الشباب، وقال علي إبراهيم مثلا إن مبارك كان وهما كبيرا، في حين واصل أحدهم دوره القديم وحرض الجيش علي من يكتب ما يسمي بقوائم العار، كان يبحث عن سيد جديد يقدم إليه خدماته، بينما اعترف بعضهم بأنهم تعرضوا لضغوط، أكبر منهم طوال الفترات السابقة. قصص صعود هؤلاء إلي مواقعهم تحفل بتفاصيل مذهلة، تتداخل فيها خيوط عديدة، فأحدهم مثلا كشف الدكتور عمار علي حسن عن تكوينه لما يشبه التنظيم السري مهمته الخوض في أعراض نساء المؤسسة، قبيل توليه المهمة، والتعريض بهن لإظهار توتر الأوضاع، وانكشف الأمر بعد أن نقلت زوجة أحد أعضاء التنظيم تسجيلا صوتيا بينه وبين الرئيس الحالي يحوي تفاصيل مكالماتهما المشينة، وبعد كشف رئيس التحرير وقتها الأمر تكتم خوفا من ازدياد القلاقل، لكن قائد التنظيم السري أصبح هو الرئيس الحالي، بعد توصية من مكتب مسئول أمني كبير كان أحد أقربائه يعمل مديرا له. بعد اقتناص المنصب يظن قائد ميليشيا الصحيفة الحكومية أنه وقع علي كنز علي بابا، يعزز صلاته الأمنية ويبدأ في مكافأة نفسه، تقول مستندات بحوزتي مثلا إن عبد الله حسن رئيس مجلس إدارة و تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط، ضاعف مرتبه أربع مرات خلال عامين فقط بقرارات شخصية منه خلال أقل من عامين من توليه المنصب عام 2005، فعندما تولي عبد الله حسن رئاسة الوكالة- في 4 يوليو 2005- كان مرتبه 2032 جنيها. وفي 10 يوليو، أي بعد ستة أيام فقط من قرار توليه رئاسة الوكالة، وقع مذكرة العلاوة الدورية للعاملين بحكم منصبه الجديد، طبقا لقواعد وقرارات مجلس الإدارة في هذا الشأن، والتي تم بمقتضاها منحه هو شخصيا العلاوة الدورية المقررة وتبلغ 150 جنيها، ليصدر قرار العلاوات في 24 يوليو 2005 علي هذا الأساس له ولجميع العاملين تحت رقم 131 لسنة 2005، ليرتفع مرتبه الأساسي من 2032 إلي 2212 جنيها.. ولكنه - وبعد ثلاثة أيام فقط من صدور قرار العلاوة- أي في 27 يوليو 2005- إذ به يكتب بنفسه مذكرةً موجهةً إلي رئيس قطاع الشئون المالية في الوكالة، قال فيها إن صفوت الشريف- رئيس مجلس الشوري ورئيس المجلس الأعلي للصحافة- قد وافق علي رفع أساسي مرتبه شفهيا من 2032 إلي 4000 جنيه، أي بنسبة 100 بالمائة تقريبًا دفعة واحدة. وفي اليوم التالي مباشرةً، أعد رئيس قطاع الشئون المالية والإدارية مذكرة مؤرخة في 28 يوليو 2005 بمفردات المرتب الجديد، بعد رفع مضاعفة "الأساسي"، وإضافة جميع البدلات والعلاوات الرسمية، ليصل المرتب الشامل "الإجمالي" إلي 6090 جنيها اعتبارا من 4 يوليو 2005، أي بأثر رجعي، منذ صدور قرار تعيينه رئيسًا للوكالة.. ولكن رئيس القطاع المالي يقرر مجاملة رئيسه فيحول "المرتب الشامل" الإجمالي- في نفس المذكرة- إلي "المرتب الأساسي"، ليصبح مبررًا لإضافة البدلات والعلاوات الرسمية المقررة مرةً أخري إلي راتب رئيسه! أي أن الراتب ارتفع- بضربة واحدة- من 2212 كأساسي، إلي 4 آلاف إلي 6090 جنيهًا، أي أنه تضاعف ثلاث مرات بنسبة 300 % بمذكرة واحدة وقع عليها عبد الله حسن بكلمة (أوافق) عاد الرجل مرة أخري بحسب مصادر بالوكالة إلي رفع مرتبه الأساسي من جديد، للمرة الثانية من 6090 جنيها إلي أكثر من 8000 جنيه، فضلاً علي رفع بدل السفر الخاص به من نحو 400 دولار في الليلة إلي حوالي 950 دولارًا، أي بما يزيد علي نسبة 100% خلال عامين فقط كان الرجل تحصل علي مليونين من الجنيهات بطريقة غير قانونية، بعد أن رفع مرتبه الأساسي بالمخالفة للقانون.. هذه صورة واحدة من صور الفساد المالي قد يكون منطقها أقرب لمنطق "سرقة الغسيل" لكنها دالة، أما الصور الأبرز فكانت مع عهدي فضلي الذي تحقق معه الأموال العامة حاليا بعد تورطه في فضيحة "بالم هيلز"، ولا تزال جهات التحقيق ترصد مليارات الأهرام الضائعة علي مدي عقود.. وفي الجمهورية تقدم مثلا جمال عبد الرحيم عضو مجلس النقابة ببلاغ إلي النائب العام حمل رقم حمل البلاغ رقم 1587 عرائض بتاريخ 19 - 2 -2011- ضد صفوت الشريف رئيس المجلس الأعلي للصحافة السابق، ورؤساء تحرير الصحف القومية السابقين والحاليين، وطلب منعهم من السفر، متهما صفوت الشريف بالتغاضي عن جرائم عديدة لإهدار المال العام والاستيلاء عليه كشفها الجهاز المركزي للمحاسبات، واتهم عبدالرحيم الشريف بالحصول علي هدايا من الصحف القومية تقدر بمئات الملايين.. وهناك بلاغات أخري تتهم علي هاشم رئيس مجلس إدارة ، ويسري الصاوي مدير عام المؤسسة بتهريب مئات المستندات من مبني المؤسسة الكائن، بشارع رمسيس إلي مبني المؤسسة المهجور في شارع زكريا أحمد، وتمكن الصحفيون من إحباط محاولة التهريب كما تمكنوا من إحباط محاولة أخري بالأهرام. إزاء الوضع الجديد لا يزال الأباطرة القدامي يتشبثون بميليشياتهم، لم يحتمل الصحفيون رؤية رموز العصر القديم تمارس دعارتها الفكرية فشكلوا إئتلافا لتطهير المؤسسات القومية منهم، كانت الجولة الأولي رابحة حيث أعلن محمد علي إبراهيم استقالته وهم علي أعتاب جريدة الجمهورية ينددون بسقوطه، يضم الائتلاف زملاء من أجيال مختلفة منهم عنتر عبد اللطيف ومحمد سليمان وعصام الهادي وجمال أبوعليو وسامح داع الإنصاف وعمرو عبد الغني إضافة إلي أعضاء مجلس النقابة عبير السعدي وجمال عبد الرحيم ومحمد عبد القدوس. في جولتهم الثانية الخميس الماضي أمام وكالة أنباء الشرق الأوسط استبق عبد الله حسن المظاهرة بعشرات من البلطجية، اعتدوا علي الصحفيين بالآلات الحادة والأسلحة البيضاء، وعبر لوحة التحكم المركزي حبس مئات الصحفيين داخل المقر لعدم انضمامهم للائتلاف.. التفاصيل حملها البلاغ 2208 للنائب العام، حيث تبرأ صحفيو الوكالة من تصرفات رئيسها، التي تسببت في إصابة زملائهم بإصابات متفرقة. يقول الزميل عصام الهادي الصحفي بالأحرار وأحد الضحايا، تعرضت لضرب مبرح من قبل بلطجية عبد الله حسن فأصبت إصابة بالغة في كتفي الأيسر نتيجة الضرب بشومة، وكدمات في الوجه، وشرخ في الأنف، ولذلك حررت محضرا حمل رقم رقم 11091 جنح عابدين، واتهمت فيه حسن بتحريض البلطجية للاعتداء علينا. وأضاف: "أعمل بالصحافة منذ أكثر من 20 عاما، ولم يحدث أن استأجر زميل بلطجية وحرض العمال علي الاشتباك مع صحفيين مثلما فعل عبد الله حسن، وقال: "نحن أبناء مهنة واحدة.. كل سلاحنا القلم وقد ذهبنا للتضامن مع زملاء لنا في الوكالة معترضين علي وجود عبدالله حسن لكن فوجئنا بالسحل والضرب والتنكيل.. وقال يوسف عبد الكريم الصحفي بدار الهلال وأحد مؤسسي حركة الصحفيين الأحرار: "ما حدث أمام وكالة أنباء الشرق الأوسط، دليل علي أن فكر رؤساء تحرير الصحف القومية لا يختلف كثيرا عن فكر حاشية مبارك الذين استخدموا البلطجية في ترويع المعارضين". الجولات قادمة والثوار مصرون علي إسقاط أذيال النظام.