وليس سرا أن الإدارة الأمريكية بذلت ما فى وسعها من ضغوط للحيلولة دون ترشح السيسى، ولا هو سر أن توابع إقليمية تجاوبت على طريقتها مع ضغط واشنطن، وحاولت الدفع ببدلاء من نوع أحمد شفيق أو سامى عنان، وفى ثياب نصح للنظام المصرى الحالى باستبقاء المشير السيسى وزيرا للدفاع، بل ولم يكن الرجل نفسه راغبا فى الترشح، ولا ساعيا إلى سلطة فوق ما أتاه الله بمحبة الناس، واستخار الله تعالى، واستشار رفاقه فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لا لكى يفوضوه كما تنطع البعض فى فهم بيان الجيش، بل لكى يتركوا له اختياره وقراره، يتخذه بالضمير الصافى، وفى علاقة مباشرة مع نبض المصريين، والذين يريدونه بغالبيتهم العظمى رئيسا منتخبا، ولا يتصورون لأنفسهم رئيسا غيره فى لحظة الخطر. وربما لايكون السيسى فى حاجة انتخابية إلى دعم قوى سياسية، ولا شخصيات عامة، ولا نخب، فقد نمت وتطورت علاقة تجاوب مباشرة بينه وبين القواعد الواسعة للشعب المصرى، وبوسعه الفوز الساحق فى انتخابات تجرى طبقا لأرقى المعايير الدولية، وبضمانات تكفل حق المنافسين فى حملاتهم ودعاياتهم، ودون تضييق على حريات التحرك أو فرص الإعلام، بل إن توفير الضمانات كلها ينتهى لصالح السيسى بالذات، فلسنا بصدد استفتاء على رجل، بل بصدد انتخابات تعددية تصوغ فيها مصر اختيارها، ومن حق الناس أن تعرض عليهم الاختيارات كلها، ودون ترهيب أو تخويف لم تعد له من قيمة، فلم يعد المصريون يخشون أحدا غير الله، والخوف نفسه هو الذى يخاف من المصريين الآن، بل إن بطولة السيسى نفسها جاءت فى سياق من تحدى الخوف، وفى امتزاج مع إرادة شعب عظيم يحترف صناعة الثورات، فالشعب الذى أطاح برئيسين فى مدى ثلاثين شهرا لاخوف عليه، فهو لا يريد فرعونا يعبد من دون الله، بل يريد قائدا يختاره ويحبه، ويعمل معه فى طريق الخروج من حالة الانحطاط التاريخى المتصلة لأربعين سنة مضت، وقد وضع ثقته الغالبة فى اسم السيسى، وضع ثقته كوديعة فى صناديق انتخابات حرة يتأهب للذهاب إليها، وبوسع صاحب الوديعة أن يستردها حين يشاء، فالشعب هو السيد قبل وبعد وفوق سيادة الرئيس. وما من خطر فى أى انتقاد يوجه للسيسى حين يصير رئيسا، وما من خطر حتى فى النقد المغالى فيه، فقد صارت الدنيا غير الدنيا، ولم يعد بوسع أحد أن يمنع رأيا أو يحجب صوتا، حتى لو أراد، وما من أحد فوق النقد فى مجتمع ديمقراطى، أو فى بلد يتطلع لإقامة نظام ديمقراطى بعد ثورتين، ولم يكن السيسى أبدا فوق النقد ولا حتى النقض، بل كان عرضة لشتائم واتهامات وسخافات من كل نوع، وفى إعلام دولى وإقليمى ممتد مصريا، وفى الشارع وعلى الجدران، أو على مواقع التواصل الاجتماعى، لكن الملاحظة التى تلفت النظر، هى أن السخائم ضد السيسى زادت من رسوخ شعبيته، ربما لأن أغلبها جاء من جماعة الإخوان التى تعانى من عزلة شعبية غير مسبوقة، أو من جماعات «المارينز» المرتبطة بأهواء واشنطن، وربما لأن الشعب المصرى له حاسته التى لا تخطئ، فوجدان المصريين الجامع يرى فى الرجل ضالته المنشودة، والتفسير يبدو مقروءا، فالدين والجيش والعدل ثلاث عقائد تحكم المزاج المصرى، وفى شخصية الرجل مزيج من هذه العقائد كلها، فوق موهبته الفطرية القيادية دون تكلف ولا تعجرف، وبما جعل سواد المصريين الأعظم يأمل الخير فيه، ويحس فيه بإيحاء جمال عبد الناصر، وهو ما يفزع الأمريكان والإخوان، ويشد وجدان المصريين بغالبيتهم إلى شخص السيسى. ولا خطر على السيسى من أعدائه أو خصومه الظاهرين، فعناية الله تحفظ وتحرس، وإرادة الشعب المصرى لا يغلبها غلاب، لا خطر من كلاب تنهش أو ذئاب تعوى، لكن الخطر كله فيما نظن من أفاعى تلتف، ترتدى ثياب الأصدقاء فى حفلة أقنعة تنكرية، وتتظاهر بتأييد السيسى، وتزايد فى مواكب النفاق، وإطلاق البخور، وتملأ الجدران والشوارع والكبارى بلافتات تزور صورة الرجل، وتسعى إلى حصاره بمحبة زائفة، وتريد المصادرة المبكرة على فرصة السيسى، وعلى إيحاء عبد الناصر بالذات فى شخصية السيسى، وهؤلاء معروفون بالاسم والرسم والرائحة النتنة، وجاءوا جميعا من مستنقعات عفن ظاهر، بعضهم من مواليد الحارات المظلمة بين السياسة والأجهزة الفاسدة، وأغلبهم من المنافقين المحترفين للمخلوع مبارك وولده جمال، ومن وراء ستار تديرهم مصالح المليارديرات الكبار، والذين كسبوا ثرواتهم الحرام زمن النهب العام، وأنشأوا الفضائيات، وسيطروا على أغلب وسائل الإعلام، ومولوا حملات مسمومة تتظاهر بدعم السيسى، وعلى أمل الحفاظ على مصالحهم وامتيازاتهم فى ظل حكمه المنتظر، وتقديم أنفسهم كظهير سياسى واقتصادى وإعلامى لرجل لا يريدهم ولا يحتاجهم، ولم يأخذ لنفسه شبر أرض فى عصر الفساد المعمم، بينما شفطوا هم ثروة البلد واستباحوا أرضه، وعملوا خدما لمبارك وعائلته، وانتقلوا بسلاسة من نفاق مبارك إلى نفاق الإخوان، وبهدف الحيلولة دون مصادرة الأموال المنهوبة، أو إقامة محاكمات جادة عاجلة تسترد أملاك الشعب، أو حتى الاقتصاص لبعض حق المجتمع بفرض نظام الضرائب التصاعدية، وهؤلاء هم الخطر الأعظم على اسم السيسى، فهم يزيفون اسمه ورسمه، ويريدون تحويل الرجل إلى «مبارك معدل»، يريدون «تفليل» السيسى لو صح التعبير، فهم فى حالة ثأرية مع الشعب المصرى ومع ثورته، ويلتفون كالأفاعى على رقبة الثورة، ويلبسون لبوسها، ويهتفون باسمها أحيانا، وعلى أمل العودة بالبلد إلى خطوط 24 يناير 2011، وهو ما دفع السيسى إلى التصريح بأنه لاعودة إلى ما كان، وربما لا تكفى هذه الإشارة المنسوبة للرجل فى أحد اجتماعات مجلس الوزراء، بل لابد فيما نظن من بيان قاطع للسيسى فى برنامج الرئاسة المنتظر، وفى طريقه اختياره لفريقه الرئاسى، وفى طريقة عمل حملته الانتخابية، لابد فيما نرجو من بيان قاطع، يؤكد القطيعة التامة مع نظامى المخلوع والمعزول، ويؤكد الانحياز المطلق لثورة 25 يناير وموجتها الأعظم فى 30 يونيو، لابد من طرد الوجوه الكريهة كلها، والتى تشوه صورة السيسى عن سبق الإصرار والترصد، وتدعى تعاطفا كذوبا مع الرجل، بينما هى تغتاله معنويا، وتغلق الطرق الواصلة بينه وبين جمهور الثورة، وتسعى لإعدام أمل الشعب المصرى فى الانتصار لثورته العظمى. نشر بعدد 687 بتاريخ 10/2/2014 *