نحن أمام ردة ديمقراطية حقيقية، تراجعت حرية الإعلام سنوات للوراء، خرج للوجود واحد من أسوأ برلمانات مصر منذ مجلس شوري النواب عام 1866، خرجت المعارضة الرسمية من اللعبة غاضبة ومنسحبة، وسدت المسام السياسية، أمام قوي المعارضة الحقيقية في الشارع هذه هي الصورة السوداء الآن، ساهم النظام في رسم خطوطها، لكن علينا الاعتراف بأن من أكمل ألوانها المعارضون أنفسهم. بقراءة تجارب الدول التي تحولت إلي الديمقراطية، في شرق وجنوب أوربا وأمريكا اللاتينية، سنكتشف مجموعة العوامل المشتركة فيما بينها، لا تزال غائبة عنا، ومنها: طبيعة الظرف الدولي المشجع، كانت الإغراءات الاقتصادية في شرق أوروبا متمثلة في الانضمام للسوق الأوروبية المشتركة عامل هاما في التخلص من الديكتاتورية في دول الكتلة الشرقية، وكانت دافعا أيضا في تفتت حكم فرانكو بأسبانيا، أما في مصر حاليا فالعامل الدولي أكثر مساندة للنظام، تراجعت أمريكا عن دعم الديمقراطية، وقدم النظام المصري نفسه كبديل لقوي متطرفة في نظر الغرب لو طبقت الديمقراطية ستسود، يدرك النظام ذلك جيدا بينما انتهي البرادعي مثلا بعد تخبط سياسي إلي المناداة بالضغط الدولي علي النظام في توقيت غير ملائم. الفهم الصحيح لدور القائد والزعيم أدرك الديمقراطيون الجدد في نضالهم نحو الإصلاح أن المفهوم الثوري للتغيير لم يعد ملائما للوقت الحالي، فالثورات بعد نجاحها لابد أن تسقط ضحايا وتقع في خطايا، كما أنها تأكل أبناءها بمرور الوقت وتنقلب علي مبادئها، ولنا في التجربة الإيرانية خير دليل، ومن هنا أجبر قادة الديمقراطية الجدد السلطة القائمة علي الإصلاح، عبر وسائل النضال السلمي كالتظاهر والعصيان والإضراب، والتعبير السلمي، اندمج مثلا ليخ فاونسا وهو نقابي بولندي بارز في العمل النقابي ووصل إلي رئاسة بلاده بعد سلسلة من الصدامات السلمية من النظام هناك، ثم ترك الجمل بما حمل بعد خمس سنوات من توليه السلطة، وبالمثل كان سواريز في أسبانيا فرغم أنه ابن قديم للحزب الحاكم هناك في بداية الثمانينات فإنه أجبر النظام علي إجراء إصلاحات سياسية وانتخاب برلمان حر. في مصر ما زلنا متعلقين بالزعامات كمبعوثي العناية الإلهية، نعلق علي البرادعي مهمة الإنقاذ ، وعندما نكتشف أن العملية أعقد من شخص، نلقي بلعناتنا عليه. هناك أيضا زعماء دفعوا أثمانا باهظة، لم يتركوا فرصة للضغط إلا ومارسوها، إذا كان البرادعي تعرض لحملات تلويث للسمعة، فإن ما لاقاه لا يعد نقطة في بحر ما لاقاه نيلسون مانديلا مثلا، الذي ظل ما يقرب من ثلاثة عقود في السجن بل رفض عرضا بالإفراج عنه عام 1985 بشرط توقف النضال المسلح، كانت الانتخابات البرلمانية فرصة لممارسة ضغوط سياسية كبيرة، كانت لدي البرادعي فرصة للتجول علي الدوائر مستفيدا من ثقله الدولي وسمعته المرموقة في كشف جرائم التزوير، كان بإمكانه وضع قائمة بمرشحين للتغيير ونقل المعركة من تويتر والفيس بوك، إلي مختلف الدوائر.. لكنه فضل السفر للبرازيل. القدرة علي إنتاج الحلول وتجنب الإقصاء بالنظر إلي تجربة أسبانيا مثلا اقتنع الملك بالتنازل عن كثير من صلاحياته الدستورية من أجل الديمقراطية، وانشق عن الحزب الحاكم حزب جديد رأسه رئيس الوزراء، ونجح في الانتخابات، فعل الملك ذلك وساند المصلحين الجدد لأنه رأي بدائل وحلولا أمامه أفضل من الوضع القائم، وفي مصر هناك تيار في الحزب الحاكم يري المستقبل في انبثاق حزب جديد عن الحزب الوطني، ويتنافس الاثنان، بينما لا توجد إجابات واضحة لدي المعارضة عن أسئلة شائكة حول مستقبل أعضاء النظام الحالي بعد التغيير،- فحتي فكرة الخروج الآمن خرجت من شخص محسوب علي النظام وكيف سيتوافق التيار الديني مع النظام الحزبي والتخلص من طبيعته السرية بتحليل خطاب المعارضة تجاه النظام القائم الآن سنجده ذا طابع إقصائي يخيفها من الإقدام علي الإصلاح، ومع افتقاده القدرة علي الضغط يصبح ما ينادي به ضربا من المستحيل، وبالطبع سيواصل النظام الحالي استبداده وقمعه. نريد معارضة تملك مشروعا للإصلاح، تتخلص من تراث هوجة عرابي وأحداث يناير تسعي نحو ضغط منظم لمطالب محددة، وبرامج مرنة، لا تشهر رماحها في وجه المستبدين، وهي لا تملك سوي رسائل sms ، نريدها براجمايتة لا تفكر بمنطق الإقصاء السياسي أو بمنطق الفرق الناجية، تعرف متي تضغط ومتي تستفيد من الخارج، وكيف تصبح بديلا.