مع قدوم عيد الأضحي، بدأموسم سينمائي جديد يمثل «ثاني» أهم المواسم بعد الموسم الصيفي، وذلك من حيث الأقبال الجماهيري وإيرادات شباك التذاكر لذلك فأن أهم عناصر الجذب فيه هي أسماء النجوم، والتي تركزت في: عادل أمام وأحمد حلمي وأحمد السقا، ومعهم الممثل محمد رجب الذي يحاول أن يستفيد من رواج أفلام النجوم الثلاثة ليحقق بعض النجاح!.. ولكن رغم ماتحظي به أفلام النجوم من شعبية، وقدرة علي التسويق داخل مصر وفي الأسواق العربية وعلي المحطات الفضائية بعد ذلك إلا أنها أفلام تخاصمها المهرجانات، ولاتعتبر المتحدث الرسمي باسم السينما المصرية في المهرجانات الدولية انما يلعب هذا الدور الأفلام المحدودة التكلفة والتي لاتعتمد علي النجوم كما حدث مؤخرا مع فيلمي «حاوي» لابراهيم البطوط و«ميكروفون» لاحمد عبدالله اللذين أقتنصا الجائزة الأولي لافضل فيلم في مهرجاني الدوحةوقرطاج منذ عدة أيام. وهذا يضعنا أمام قضية طالما روجت لها الصحف بأن هناك أفلاماً للجمهور وأخري للمهرجانات، وهو تصنيف غير دقيق تماما فمثلافيلم «عمارة يعقوبيان» بطولة عادل أمام نجح جماهيريا، وطاف بالعديد من المهرجانات وحصد الجوائر، وايضا فيلم «واحد صفر» بطولة الهام شاهين وهكذا.. من هنا فإن التصنيف الادق هو: هل نحن أمام فيلم تجاري استهلاكي أم عمل يحمل قدر من الابداع الفني رغم جماهيريته ووجود نجوم فيه؟!.. فاذا نظرنا إلي أفلام العيد الأربعة: «زهايمر» بطولة عادل أمام واخراج عمرو عرفة، و«بلبل حيران» بطولة أحمد حلمي واخراج خالد مرعي، و«ابن القنصل» اخراج عمرو عرفة وبطولة أحمد السقا، ثم «محترم إلاربع» بطولة محمد رجب واخراج محمد المحمدي. هل هذه الافلام لاتصلح للمشاركة في المهرجانات؟!.. ولأن الافلام لم تعرض بعد فإننا لانستطيع أن نقرر ذلك ولكن المؤكد أن صناع ومنتجي هذه الافلام لم يفكروا في ذلك اصلا، فهي من انتاج الشركات الكبري التي تتحكم وتحتكر السوق المصري، ولديها القدرة علي التسويق الخارجي وهي تبحث عن الربح السريع، وليس من بين اهتماماتها المشاركة في المهرجانات، بل أكثر من ذلك فإن هذه الشركات لاتكمل اعداد أفلامها للعرض إلا بعد تحديد مواعيد عرضها!. فقد يكون مثلا فيلم «زهايمر» صالح للتنافس والاستخدام المهرجاناتي، ولكن صناع الفيلم لم يفكروا في ذلك اصلا، والمعني الذي نصل إليه هو أن المنتجين الكبار لايضعون في حساباتهم المشاركة في المهرجانات، فمايعنيهم هو الربح السريع في السوق التجاري. وهذا يفسر لماذا ابتعدت الافلام المصرية عن المشاركة في المهرجانات الدولية رغم أنها تملك صناعة سينما، ويزيد رصيدها السنوي عن30 فيلماً؟!.. وفيما عدا حالات نادرة تتمثل في أفلام يوسف شاهين ويسري نصر الله فإن تواجد الفيلم المصري في العشرين سنة الاخيرة ظل هامشيا ونادرا. هذه السيطرة التجارية علي صناعة السينما المصرية ورفض المنتجين الكبار لأي مغامرة من المخرجين الشباب أوحتي الكبار أخذت الكثير من قدرة السينما المصرية علي الابداع والتجديد سواء علي المستوي الفني أو معالجة القضايا الفكرية والاجتماعية وهذا يفسرلماذا انتشرت أفلام الضحك أوالكوميديا لفترة ثم كانت افلام الاكشن والان تسود مرحلة الافلام التي تجمع بينهما. وسط هذا الحال أو المناخ السينمائي ولدت منذ خمس سنوات سينمامضادة استفادت من التطورات التكنولوجية المذهلة التي قامت بتطوير كاميرا الديجيتال بحيث اصبحت تقدم صورة وامكانات تقترب بنسبة تزيد علي 90% من كاميرا السينما سواء في جودة الصورة أو عمقها أوجمالياتها..وبسرعة مثيرة انتجت بشكل فردي أي من خلال افراد عدداً كبيراً من أفلام الديجيتال القصيرة سواء روائية أو تسجيلية أو تحريك وقد حرص من خاضوا هذه التجارب التي حملت مواهب جديدة واقتربت من قضايا وموضوعات اجتماعية وفكرية تخاصمها الافلام التجارية أن تكون أفلامهم القصيرة هي نواة لتحقيق الافلام الطويلة بنفس الطريقة ومن خلال انتاج محدود للغاية ثم البحث عن من يتحمس لتحويل الفيلم من ديجيتال إلي شريط سينمائي.. وبدأ التجربة المخرج ابراهيم البطوط حيث قدم فيلم «ايتاكي» ولكن لم يفكر في تحويله إلي شريط سينمائي ثم فيلم «عين شمس» الذي تحول بالفعل إلي سينما وشارك في المهرجانات وربح الجوائز، ثم عرض تجاريا في مصر وحقق ايرادات فاقت تكاليف انتاجه، وخاض نفس التجربة المخرج أحمد عبدالله في فيلم «هليوبوليس» وإن اتجه إلي مشاركة بعض الممثلين المعروفين الذين تحمسوا للتجربة مثل خالد ابوالنجا ويسرا اللوزي.. وهذا النجاح جعلهما يستمران فكان فيلم «حاوي» لابراهيم البطوط الذي حصل علي أحسن فيلم في مهرجان الدوحة ترايبكا الاسبوع الماضي، وفيلم «ميكروفون» لاحمد عبدالله الذي فاز بجائزة التانيت الذهبي في مهرجان قرطاج الاسبوع الماضي ايضا. هنا أصبح في مصر واقع جديد اسمه السينما المستقلة في مواجهة السينما التجارية أو سينما النجوم، بل وأصبحت افلام الديجيتال التي يتم تحويلها إلي شريط سينمائي هي المتحدث الرسمي باسم السينما المصرية وهو تطور مذهل بكل المقاييس وسوف يعيد ترتيب الاوراق في السوق السينمائي ولن يصبح للنجوم سطوتهم القديمة ولنضرب مثالا: تكلف فيلم ابراهيم البطوط انتاجيا حوالي 40 ألف جنيه ثم كان تحويل «الحاوي» إلي شريط سينمائي بحاولي 120 ألف جنيه جنيه بينما فيلم عادل إمام «زهايمر» تكلف 20 مليون جنيه وهذه الارقام سوف تثير انتباه المنتجين المحترفين بحسبة بسيطة: ما المانع في انتاج فيلم مستقل- حسب هوي اصحابه وصناعه- بمبلغ أقل من مليون جنيه وسوف تكون أكبر دعاية له نجاحه في المهرجانات الدولية بجانب انتاج افلام النجوم التي تتكلف الملاين.. ويبقي السؤال: هل تنتقل السينما المستقلة بنفس السرعة التي ولدت بها وأصبحت تمثل واقعا حقيقيا إلي سينما لها جذب جماهيري وتجاري، ويتم تحقيق معادلة الابداع والفن المتميز يربح تجاريا أم أن الأمر مازال يحتاج بعض الوقت؟! علي أي الاحوال أصبحت في مصر نوعية جديدة من السينما فرضت وجودها وصنعت حالة جديدة في مواجهة السينما التقليدية.. وهو أمر لم يكن يتوقعه أي أحد في الفترة الأخيرة.. أن السينما المصرية تتجه لواقع جديدة سوف يفرض نفسه في السنوات القادمة وتخرجنا من عنق الزجاجة الذي كاد أن يخنق صناعة السينما المصرية العريقة!.