لم يأت التراجع الأخير في مبيعات مرسيدس- بنز في مصر من فراغ، فالشركة التي أطمأنت خلال الفترة الأخيرة إلي أن مبيعاتها لن تتأثر لكونها كما تدعي علامة الاجودة والفخامة فوجئت خلال الأشهر الأخير بمنافسين أقوياء غير تقليديين سحبوا البساط من تحت أرجل الشركة وهو أمر لم يدر بخلد أحد في مرسيدس-بنز مصر التي تعلم جيدا تراجع موديلاتها خاصة سيارات الفئة C أمام منافسين ألمان أخرين منهم ماركة بدأ نجمها يصعد في مصر خلال الفترة الأخيرة. ربما أثبتت الأرقام الأخيرة بشأن مبيعات سيارات الشركة أنها لم تعد في الصدارة كما لكانت خاصة وأن مفهوم المصريين عن السيارات الفارهة تغير كثيرا ولم يعد الإتجاه العام يميل إلي سيارات تلك الشركة التي يجدها البعض مستفزة وذات جودة دون المستوي. الغريب أنه خلال أكثر من مناسبة، قال المهندس/ سامي سعد رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية الألمانية التي تتولي تصنيع سيارات مرسيدس في مصر متحدثا عن منتجات شركته أن منتجات المصانع المصرية «تضاهي في بعض الأحيان المصانع الأوروبية وتفوقها، علماً أن لدينا لوائح ونظماً في ضبط الجودة تضاهي مثيلاتها في ألمانيا" والواضح أنه نسي أو تناسي ما حدث في تجربة التصدير الوحيدة لمرسيدس-بنز المجمعة في مصر حينما إتفقت إحدي الشركات الصينية علي إستيراد 1250 سيارة من موديل الفئة . حينها إحتفلت الشركة بشكل مبالغ فيه بتلك الصفقة التي كان من المفترض أن يتم تنفيذها علي دفعتين الأولي تمت منذ سنوات وتم بموجبها تصدير 250 سيارة كدفعة أولي يليها تصدير ألف سيارة أخري لإتمام بنود العقد. ولم ينفذ من هذا العقد سوي الشق الأول أي عدد 250 سيارة فقط، وهو أمر طرح علامات إستفهام عديدة خاصة وأن الشركة المصرية أكدت حينها أن منتجاتها لا تقل جودة عن السيارات الألمانية. وصدق الجميع تلك المقولة في حينها، ولكن الواقع كان مختلفا. فقد كان فشل مرسيدس-بنز مصر في إتمام بنود التعاقد وتراجع الشركة الصينية يرجع إلي ضعف مستويات الجودة في هذا منتج الشركة مقارنة بالمنتج الألماني. وبدلا من الوقوف علي أسباب هذا التراجع، خرج بعض مسئولي مرسيدس-بنز مصر بأعجب تبرير حيث أكدوا أن الشركة المصرية تتعرض "لمؤامرة" من الشركة الألمانية لمنع تصدير سياراتها إلي الصين. فهل كانت مرسيدس-بنز الأم تخشي أن تنافسها الشركة المصرية وتسرق منها الأضواء مثلا؟ بالطبع لا ولكنه كان مجرد تصريح للإستهلاك المحلي أما الحقيقة فهي أن تلك السيارات المجمعة محليا لا ترق من قريب أو بعيد إلي مستوي سيارات مرسيدس- بنز المنتجة في أي دولة أخري. في الواقع ينظر الجميع إلي زيادة مكونات المنتج المحلي في السيارات المجمعة بمصر علي أنه "خطوة إيجابية إلي الأمام" وهو أمر لا غبار عليه. ولكنه في حالة سيارات مرسيدس-بنز المجمعة محليا جاء نكبة عليها، خاصة وأن الشركة لم تهتم بأن يكون هذا المكون المحلي علي مستوي المكون الألماني. وبعيدا عن الحديث عن "التحكم في الجودة" و"المعايير التي تفوق مثيلاتها في المصانع الألمانية" فإن الواقع يبدو مختلفا.ولو صح هذا القول لأغلقت مصانع مرسيدس-بنز أبوابها في ألمانيا ووسعت عملياتها الإنتاجية في مصر ما دام المكون المحلي علي نفس القدر من الجودة بل يفوقه علي حد قول المهندس/ سامي سعد. بل سيستفيد الصانع الألماني من تلك الخطوة حيث اليد العاملة المدربة والاجر الذي لا يذكر مقارنة بما يتقاضاه نظيره الألماني. ويبدو أن الشركة المصرية إكتفت بإنتاج بضعة مثات من السيارات للإستهلاك المحلي إضافة إلي لعب دور "مورد لمكونات السيارات". ولا تفوت الشركة فرصة دون لفت إنتباه الحاضرين في مؤتمراتها الصحفية إلي أنها تقوم بتوريد "أقراص الفرامل". وتتناسي مرسيدس-بنز مصر أنها مجرد مورد للمكونات من بين عشرات الموردين. أما التجميع المحلي بهدف التصدير فتبدو الجودة عائقا أمامه وإلا فلماذا لم نسمع عن قيام الشركة بتصدير أي منتج "كامل" لها إلي الأسواق العربية أو حتي الأفريقية خلال السنوات الأربع الماضية بإستثناء صفقة الصين التي لم تكتمل؟ ركزت مرسيدس-بنز علي تصنيع السيارات محليا لتحقيق أرباح طائلة ولم تهتم كثيرا بجودة الصناعة وهو أمر جاء في صالح منافسين أقوياء ركزوا علي الجودة في منتجاتهم المحلية المنافسة أو علي فخامة السيارات المستوردة التي قاموا بطرحها في السوق المحلي. وكانت النتيجة في غير صالح مرسيدس-بنز مصر التي تراجعت مبيعات أصغر موديلاتها السيدان إلي المرتبة الثالثة في فئة السيارات الصالون الفارهة ذات الحجم الصغير. والمتوقع أن يشهد المستقبل القريب مفاجآت غير سارة لمرسيدس-بنز مصر مع تحرك البعض للمنافسة في تلك الفئة التي لم تعد حكرا علي الشركة، فقديما كانت كاديلاك هي السيارة الأولي في مصر لعقود، ثم أحتلت مرسيدس-بنز الصدارة لعقود أخري، أما السنوات القادمة، فستشهد إنحسار نجم مرسيدس-بنز في السوق المحلي.