* يقول عبدالحليم قنديل فى مقال له بعنوان «هذه العروة الوثقى» لا ينبغى القول: الأيديولوجيا الناصرية ولا أيديولوجيا أى تيار آخر دينية أو إسلامية، إننا بذلك نسبغ عليها قداسة لم تكن لاجتهادات وأفعال بشر ولم يسأل الإخوان المتأسلمون انفسهم كيف حارب «عبدالناصر» الإسلام وهو الذى انشأ اذاعة القرآن الكريم 1964؟ يقول عبدالحليم قنديل فى مقال له بعنوان «هذه العروة الوثقى» لا ينبغى القول: الأيديولوجيا الناصرية ولا أيديولوجيا أى تيار آخر دينية أو إسلامية، إننا بذلك نسبغ عليها قداسة لم تكن لاجتهادات وأفعال بشر، لكن النظر العجول فى ثوابت الناصرية يعطينا فكرة معقولة عن توافقها مع روح وضوابط الشرع الإسلامى، فالأيديولوجيا الناصرية أولا أيديولوجيا توحيدية، والتوحيد القومى كما يقول د. محمد عمارة هو الوجه الآخر للتوحيد الدينى، كانت وثنية الجاهلية تجد رموزها فى تعدد آلهة القبائل، وجاء التوحيد الدينى ليوحد هوية القبائل والشعوب المستعربة ودمجها فى أمة ودولة، ومن هنا كانت «العروة الوثقى» بين التوحيد الدينى والتوحيد القومي، وبلغ من ارتباط التوحيد القومى بالدينى حدا اعتبرت معه وحدة الدولة حقا تقتضيه فريضة الزكاة الدينية، ومن ثم كان قتال خلافة أبى بكر الصديق لمن ارتدوا عن وحدة الدولة القومية رغم إيمانهم بأصول الدين . يؤكد «قنديل» ان الأيديولوجيا الناصرية ثانيا أيديولوجيا جماعية مساواتية، تؤمن مع الكفاية الإنتاجية بعدالة التوزيع وتكافؤ الفرص، وتؤمن بقيمة العمل كحق وواجب ومصدر للسلطة والثروة والمكانة الاجتماعية، والمساواة فى الإسلام حجر زاوية وقيمة مقدسة، والمساواة لا تعنى المثلية، بل تعنى أن تتساوى الفرص كأساس مقبول للثواب والعقاب فى الدنيا والآخرة كما كان عبد الناصر يقول دائما والإسلام لايعترف بأى ثروة أو جاه لا يكون مصدره العمل أو الميراث، ويحرم الاستغلال أو الربا تحريما قاطعا كما فى قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة (سورة آل عمران من الآية 130) والمساواة قيمة لعبت أبلغ الأدوار فى التاريخ الإسلامى، ويذهب الأمريكى «ليونارد بايندر» إلى أن مبدأ المساواة الإسلامى تجسد فى رغبة عبد الناصر بإنشاء مجتمع سياسى موحد، واستعاضته عن نظرية الحسم الدموى لصراع الطبقات فى الماركسية بمبدأ المساواة، وهو ما يفيد فى دعم وحدة الشعب ضد الإمبريالية ويوحد الطبقات الحضرية والريفية وصغار الملاك والناصرية ثالثا ليست أيديولوجيا فئة أو طبقة بذاتها، إنها أيديولوجيا أغلبية الشعب الحالمة بالمساواة والوحدة، وأيديولوجيا الشعب المهاجر إلى المثال المنشود، الناصرية تنحاز للكثرة الكادحة ضد القلة المسيطرة، والقرآن ليس لطبقة، إنه للناس والقرآن يطلق على الكعبة اسم «بيت الناس» وثمة خيط قوى يشد الناصرية إلى الإسلام، نعم يدور عمل الناصرية فى مجال ذى استقلال نسبى، وتظهر فعاليتها كايديولوجيا وضعية فى شئون التغيير والبناء السياسى والاقتصادى والاجتماعى بما يتوافق ولا يجب نصا قطعيا فى الشرع الإسلامي، لكن تصورات الناصرية المنهاجية الفلسفية تبدو مشتقة من النص القرآنى وقيم الحضارة العربية الإسلامية يذهب «قنديل» الى ان رسالة الدين لدى عبد الناصر ثورية، إنها تمثل على نحو ما يد الله الممدودة ليد الجماعة الساعية فى التاريخ، يقول عبد الناصر: «إن جوهر الرسالات الدينية لا يتصادم مع حقائق الحياة، وإنما ينتج التصادم فى بعض الظروف من محاولات الرجعية أن تستغل الدين ضد طبيعته وروحه لعرقلة التقدم، وذلك بافتعال تفسيرات له تتصادم مع حكمته الإلهية السامية»، ويقول: «إن جوهر الأديان يؤكد حق الإنسان فى الحياة والحرية، بل إن أساس الثواب والعقاب فى الدين هو فرصة متكافئة لكل إنسان، وإن كل بشر يبدأ حياته أمام خالقه الأعظم بصفحة بيضاء يخط فيها أعماله باختياره الحر، ولا يرضى الدين بطبقية تورث عقاب الجهل والمرض والفقر لغالبية الناس وتحتكر ثواب الخير لقلة، يقول الدكتور رفعت سيد أحمد فى دراسة مهمة له بعنوان «الناصرية .. والإسلام .. رؤى مستنيرة ومنهج صحيح» ونعرض هنا لبعض فقرات منها فقط نظرا لضيق المساحة: إن عبد الناصر لدى الإخوان وفى مجمل وثائقهم (حاكم يعادى الإسلام) لمجرد أنه يعاديهم، حيث هم الإسلام، ومن عاداهم يصبح بالتبعية خارجاً عن الملة، وعبد الناصر لديهم لا يمتلك رؤية إسلامية صحيحة، بل رؤية فاسدة وأحياناً (كافرة) فهل هذه الاتهامات صحيحة ؟ وهل كان عبد الناصر علمانياً، معادياً للإسلام بالفعل، هذا ما ستحاول هذه الدراسة الإجابة عنه من خلال بحث علمى موثق، نرفع فيه اللبس ونرد على الاتهام بالعلم . يواصل : سيظل عبد الناصر، حاضراً، بفكره وتجربته، مهما طال الزمن أو بعد، ربما يعود ذلك إلى أن تجربته كانت ثرية بإنجازاتها، ربما يعود ذلك إلى أنها جاءت فى لحظة تاريخية فاصلة من عمر الأمة، فخلقت واقعاً جديداً مفصلياً فى تاريخ مصر الحديث .. وربما لأسباب أخرى سياسية داخلية وخارجية كان لهذه التجربة الناصرية بريقها وديمومتها، رغم أخطائها بل وخطاباتها العديدة، واليوم نعيد فتح ملف هذه التجربة من زاوية جديدة، زاوية نحسبها لاتزال تطلق تأثيراتها، وتفرض معاركها علينا، وعلى العالم، زاوية (الإسلام) وموقعه فى مدركات وسلوكيات الأنظمة الحاكمة، اليوم نحاول أن نعيد قراءة رؤية عبد الناصر للإسلام وهى الرؤية التى نحتاجها اليوم، تعبيراً عن جدلية الصراع بين نظام وحركة الإخوان المسلمين لكثرة ما كتب فيه من زاوية، ولعدم جدوى تذكر المأساة من زاوية أخرى، نريد أن نفتح قوساً أوسع، من هذا القوس الإخوانى – الناصرى الضيق – رغم أهميته للباحثين وللحركيين الإسلاميين والناصريين، القوس الذى نريد أن نفتحه هو قوس الرؤية والمدركات والفلسفة التى حكمت المشروع الناصرى (1952 – 1970) تجاه الإسلام : حركات، وقيم، ومؤسسات وثقافة كيف كانت وإلى أى مآل انتهت، وكيف نستفيد منها اليوم أو غداً فى مجال التعامل مع قضايا مصر والمنطقة والعالم التى تتفجر من حولنا، ويحتل الفهم للإسلام (خطأ أو صواباً) جزءاً من عملية تفجيرها يتابع فى موضع آخر من الدراسة : «الرجعية التى أرادت احتكار خيرات الأرض لصالحها وحدها أقدمت على جريمة ستر مطامعها بالدين، وراحت تتلمس فيه ما يتعارض مع روحه ذاتها لكى توقف تيار التفكير، أما الإسلام فإنه يتجه إلى العالم الخارجى، وفى مواجهة الحلف الإسلامى ومن أجل تضامن الأمم الإسلامية على نحو مطلق، وبشأن دخول الإسلام كعامل مؤثر فى توحيد العالم الإسلامى يلاحظ استخدام عبد الناصر لكلمتى التضامن والتعاون وعدم استخدامه لكلمة الوحدة مع العالم الإسلامى، حيث لم يظهر أساساً مفهوم الوحدة الإسلامية، فى الخطاب الناصرى إلا مرة واحدة قبل 1956 فى السياق التالى إنما أرى فيكم – الجنود – وحدة قومية بل أرى أيضاً وحدة عربية، بل أرى أيضاً وحدة إسلامية، بل أرى أيضاً وحدة إسلامية أفريقية فى خطابه وسط مجموعة من الضباط المصريين فى عام 1955 يؤكد الدكتور رفعت سيد أحمد ان عبدالناصر طور من أداء الأزهر الشريف ورفع ميزانيته قائلا : يحدثنا التاريخ أن النظام السياسى الناصرى، قبل وفى أثناء وبعد صدامه الأول (1954) والثانى (1965) مع الإخوان المسلمين كانت له استراتيجية دينية (إن جازت العبارة) فى التعامل مع المؤسسات الدينية الكبرى كالأزهر والكنيسة والطرق الصوفية، استراتيجية تقوم على الاحتواء والتطوير، وتوازى مع هذه الاستراتيجية قيام النظام بإلغاء بعض القوانين والهيئات من قبيل إصداره للقانون رقم 462 لسنة 1955 الخاص بإلغاء المحاكم الشرعية والمجالس الملية القبطية. نشر بعدد 684 بتاريخ 20/1/2014