سياسة المباغتة والإزاحة والإحلال يحكمها المزاج الشخصي، وتخضع لشهوات أسرة الحاكم ورغباتها، ولا تلبي احتياجات الوطن المشروعة، ومن أهم وأشهر مؤسسيها الرئيس مبارك. القررات المفاجئة هواية أصبحت عادة يمارسها "مبارك" منذ أن حلت به الصدفة رئيسا لمصر، ومن جاءت به الصدفة لايؤمن بمشاركة الشعب، وينسي تكرارها وخطرها عليه مستقبلا. فجأة وفي الأسبوع الماضي، أصدر "مبارك" قرارا بتعديل وزاري محدود، أو بالدقة إزاحة وزير الري وإحلاله بآخر، وتجزئة وزارة الصحة والسكان مناصفة بين الوزير (الحالي) "د.الجبلي"، والوزيرة الجديدة "مشيرة خطاب"، وهي من المقربات لزوجته، وصار الولاء الشخصي والتفاني في خدمة "سوزان وجمال مبارك" من أهم المعايير والشروط اللازمة لاغتصاب بعض الثروة والسلطة في مصر. وغير خاف أن مهمة "مبارك" الحالية تنحصر في التوقيع علي قرارات لا علاقة لها بصالح الوطن، وترضي زوجته وأمريكا والعدو الصهيوني (التواطؤ والسماح بمجزرة غزة وإغلاق معبر رفح خير شاهدين)، وتساعد ابنه "جمال" علي اختطاف مصر واحتلالها. إصدار القرارات المفاجئة عادة يتلذذ بها "مبارك" ترضي غروره، وتشعره بقوته وجبروته الزائفين، وضعف الشعب في المواجهة والاعتراض ولو بالسؤال علي استحياء عن سبب التغيير. عادة لا يمارسها إلا الطغاة في أواخر أيام حكمهم. وبشيء من تغيب الوعي الشخصي، نفترض -بغير اقتناع- أن السيد "مبارك" كان له الحق في إصدار القرارات بغير علم الشعب ودون استشارته، عندما كان الشعب قاصرا، ولا يعرف مصلحته إبان توليه أمر مصر والوصاية عليها عام 1981. وبحساب السنين ولغة القانون بلغ الشعب رشده بعد 28 عاما من حكمه، ويحق له التصرف وإدارة ممتلكاته (مصر)، وعلي الوصي تسليم الحقوق في هدوء وسلام، وإلا كان البديل منازعة وصراعا "بتكلفة الدم"، ولو سلمنا -جدلا- بعرف كبير العائلة واحترامه -كرها- وجب عليه استشارة أصحاب الشأن قبل اتخاذ قرار يخصهم، ولو كانت عزبته الخاصة لاستشار عبيده العاملين فيها قبل اتخاذ قرار يمسهم، لكنه الهِرم والأنانية والاستبداد، وفقد القدرة علي مقاومة رغبات أسرية حولت الرئيس من صاحب وصانع قرار وطني إلي مجرد حامل أختام يوقع بها قرارات جمهورية ، ويدعم اللصوصية الفاجرة في سرقة الأوطان واغتصابها، والخنوع الكامل من الشعب، ولا عذر للخانعين والخائفين، فهم شركاء في تسهيل مهمة اللصوص والغاصبين. لاندافع عن وزير رحل، ولا نطلب من فاسد بتغيير وزارة فاسدة، فكلهم سواء، وإنما نبحث عن أسباب لأفعال. البعض يروج شائعات عن استغلال وزير الري -المُزاح- لمنصبه وتعيين ابنه في موقع هام في وزارته. حسنا.. فما الغريب في ذلك، الوزير لم يأت ببدعة ولم يخالف شرعا رئاسيا ولا سُنة حكومية، وصار علي درب رئيسه مقتديا ومقلدا. "مبارك" سمح لابنيه بالاستحواذ علي عموم مصر واغتصاب السلطة والثروة، والوزير (إن صحت الشائعة) سمح لابنه باغتصاب وظيفة. نظام مهما حاول التَطَهر من الفساد، وسمح بتسليم "هشام طلعت مصطفي" للعدالة، وإدانة "ممدوح اسماعيل" في حادث غرق العبارة، إلا أن قرارات مبارك المباغتة تؤكد الفساد وتحتقر الشعب، وتقوض الأمن العام وتهدم السلام الاجتماعي، وتضع غالبية الشعب في مواجهات دامية مع أبنائه المكلفين بحماية الجبهتين الداخلية والخارجية، المتفرغين حاليا للدفاع عن حاكم فقد صلاحيته. المطلوب ليس إزاحة وزير ولكن الإطاحة بنظام فاسد بقوة "ائتلاف المصريين من أجل التغيير".