لم تخيل لحظة واحدة أن أقف موقفي هذا اليوم في قفص الاتهام وأمام محكمة عسكرية بالذات، بتهمة التسلل إلي الأراضي الفلسطينية بهدف التضامن مع أخوتنا في الله والوطن العربي وجيراننا وهم أولو أرحام مع المصريين بالذات ، وأداء واجبي الصحفي ، وفي وقت تنحر فيه أرواح النساء والأطفال والشيوخ في غزة علي يد آلة الحرب الصهيونية ، وفي حدود علمي فإن العقيدة القتالية لقواتنا المسلحة لا تزال وفقا لما يدرس في الكليات الحربية أن العدو الرئيسي لمصر هو الكيان الصهيوني ، وإذا أنا حوكمت بتهمة معارضة نظام مبارك الموالي للأمريكان والصهاينة فليس في ذلك أن يدهشني ، ولكن الدهشة لها عدة أوجه عندما تكون المحاكمة بسبب زيارتي البريئة لغزة المحررة ( ولا أقول المحتلة كما يشيع الموقف الرسمي المصري علي خلاف الواقع والحقيقة ) ذلك أنه لايوجد جندي اسرائيلي واحد علي أرض قطاع غزة منذ عام 2005 عندما انسحب شارون من هناك وفكك المستوطنات التي كانت تشغل 30 % من القطاع . وقوات الغزو الصهيوني التي دخلت القطاع في شهر ديسمبر الماضي انسحبت منه وعادت إلي خطوط 4 يونيو 1967 !! وهو الأمر الذي لم يحدث بهذه الدقة علي كافة الأراضي المحتلة في 5 يونيو 1967 ، حتي مع مصر انتظرنا طويلاً حتي انتهاء التحكيم الدولي حول طابا . ( 1 ) الوجه الأول للدهشة : أن البند الأول في الدستور المصري ينص علي أن مصر جزء لايتجزأ من الأمة العربية . وبالتالي فإن الانتقال من بلد عربي ( مصر ) إلي آخر ( فلسطين ) لايمكن أن يشكل جريمة ، ربما يمكن الحديث عن مخالفة إدارية وليس جنحة أو جناية !! إن دستورنا - وأنا أتفق معه في ذلك - لايعترف بحدود وضعها الاستعماريان سايكس - بيكو في بداية القرن 20 . كما أن غزة كانت تحت الاشراف المصري من 1948 حتي 1967 وكان من الواجب أدبيا أن تستعيدها مصر في اطار اتفاقياتها مع الكيان الصهيوني ، ( بالمناسبة لقد زرت غزة لأول مرة عام 1966 في اطار رحلة مدرسية ) . والعجيب انني أحاكم وفقا لقرار جمهوري صادر عام 1995 ، ولم يتحول إلي تشريع صادر من مجلس الشعب حتي هذه اللحظة ، وهي سابقة قانونية خطيرة ، تجعل هذه المحاكمة مُنعدمة . ان أبسط معاني المحاكمة أنها تجري وفقاً لتشريعات صادرة عن البرلمان !! ( المجلس التشريعي ) . ( 2 ) إن البند الثاني في الدستور ينص علي أن الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ، وفيما يتعلق بفلسطينالمحتلة ، فإن أعلي جهة اسلامية في مصر وهي مشيخة الأزهر ومجمع بحوث الأزهر قد صدرت عنهما سلسلة متصلة من الأحكام ( ولا نقول الفتاوي ) ، والأحكام أشد من الفتوي ، فهي مستمدة مباشرة من نصوص القرآن والسنة وتتسم بالديمومة ، علي خلاف الفتوي المتغيرة في هذا الموضوع المنعزل أو ذاك . وهذه الأحكام التي بدأت في الثلاثينيات مروراً بحرب 1948 ، وحتي حرب اكتوبر 1973 تنص علي أن نزول الأعداء اليهود بأرض فلسطين يجعل الجهاد فرض عين علي كل مسلم ومسلمة في فلسطين ، وإذا لم يتمكن أهل فلسطين من تحريرها يصبح الجهاد فرض عين علي كل مسلم ومسلمة في البلدان المجاورة ، وهكذا دواليك حتي نصل الي أندونيسيا شرقاً والمغرب غرباً . وكان الحكم الصادر عن الأزهر خلال حرب 1973 - يمكن الرجوع إلي نصه - يؤكد أن الجهاد فرض عين حتي تحرير كافة الأراضي المحتلة عام 1967 علي الأقل . ولأن هذا الحكم لايتعلق بفلسطين وحدها ، بل بأي أرض اسلامية تتعرض للاحتلال ، فقد أصدر مجمع بحوث الأزهر حكماً بذات المضمون فيما يتعرض باحتلال العراق عام 2003 ، ومع ذلك يجب ملاحظة أن فلسطين أرض اسلامية غير عادية ، هي أرض مقدسة بنص القرآن الكريم الذي وصفها بالأرض المباركة في أكثر من موضع ، وفيها دفن عدد كبير من الأنبياء علي رأسهم ابراهيم ويعقوب ، وبها المسجد الأقصي مسري رسول الله ، ومنطلق المعراج إلي سدرة المنتهي ، وهي أولي القبلتين وثالث الحرمين ، ونحن مأمورون أن نشد إليه الرحال بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي . واتفاقيات كامب ديفيد - وفقاً للعقيدة الاسلامية - لايمكن أن تتجاوز أن تكون مجرد هدنة . ان اندفاع النظام المصري في صداقة الكيان الصهيوني والتطبيع معه في كافة المجالات تقريباً لايمكن أن يكون حجة علي الله ورسوله ، خاصة أن الصهاينة لا يزالون مجمعين علي أن القدس عاصمة أبدية لاسرائيل ، ويرفضون الانسحاب من الضفة الغربية والجولان . ويمعنون في قتل وتشريد الفلسطينيين