· كل ورقة ضغط أمريكية لها ثمن قد يكون تفريطاً في حقوق أو تعذيباً بالوكالة · ليس كل من يتعرض للضغوط الأمريكية يقدم تنازلات.. فهناك من يحميه اقتصاده أو مهاراته الدبلوماسية خلال الشهر الحالي تكرر التقريع الأمريكي للنظام المصري أكثر من مرة.. فعقب اعتداءات الأمن علي المتظاهرين من شباب 6أبريل أعلن التحدث باسم الخارجية الأمريكية فيليب كراولي بان بلاده تشعر بالقلق لاعتداء النظام المصري - في ظل قانون الطواريء- علي المتظاهرين، ومن يعبرون عن آرائهم بطريقة سلمية، وكرر الرجل قلقه معلنا خيبة أمل بلاده بعد تمديد قانون الطواريء الإثنين الماضي، في حين قال أظهر المرارة الأمريكية نفسها المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت جيبز في بيان اعتبر فيه أن مصر أضاعت فرصة لاعتناق القيم العالمية ، وحث الحكومة المصرية علي سرعة الوفاء بوعودها الإصلاحية. وخلال نوبات التقريع الرسمي الأمريكي تكررت مطالبات حقوقية من قبل منظمات مرموقة مثل هيومان رايتس ووتس أو معهد كارنيجي للسلام لإدارة أوباما بالضغط علي النظام المصري، بينما كان رد الفعل المصري هادئا ومؤدبا أكثر من اللازم، حيث قال وزير الخارجية أحمد أبو الغيط أن الانتقاد الامريكي لمد قانون الطواريء " مسيس أكثر من اللازم"، لافتا علي أن أصحابه لم يقدروا ما أجري عليه(قانون الطواريء) من تخفيض للتدابير الأمنية. علي السطح تبدو ملامح أزمة .. فسر البعض الغضب الأميركي بأنه مقدمة لضغط سيعقبه إصلاح سياسي وديمقراطي لا محالة .. ضغط يقارب ما فعلته إدارة بوش قالوا إن هناك تغير في خطاب الإدارة الأمريكية التي أعلنت من الهدنة مع أنظمة الشرق الأوسط الاستبدادية.. التغير له ملامح عديدة فبعد إعلان أوباما من جامعة القاهرة احترامه للأنظمة وعدم التدخل في شئونها الداخلية هاهو يلمح بأمكانية التدخل، ثم تخفيض معونات الجمعيات الحقوقية والمنظمات الداعمة للديمقراطية في مصر من 45 مليون دولار إلي 20 مليون فقط.. وتبنيها خطابات تصالحية غير صدامية. قال البعض إن أوباما علي وشك الإعلان عن عين حمراء للأنظمة العربية.. وأن موسم الضغوط قد بدأ وعلي الجمع انتظار الشراسة الأمريكية في وجه الطغاة حتي انتهاء ولايته أوباما الأولي علي الأقل. تقوم استرتيجية أمريكا في الشرق الأوسط حتي في ظل أنظمة متباينة علي ممارسة الضغوط باتجاه الأنظمة من أجل الحصول علي مكاسب، وفي ظل تبني الإدارة الجديدة لقاعدة "المصالح مقابل القيم" فإن النظام المصري قادر علي التعامل مع تلك الضغوط وتصريفها.. بنود حقوق الإنسان والإصلاح السياسي والديمقراطية عتيقة في أجندة الضغوط الأمريكية تجاه الآخر .. لكنه تتناساها مع أثمان تقدم لها، من هذا المنطلق دعمت بينوشيه في شيلي مثلا والبعث في العراق للقضاء علي الشيوعيين، وحكم طالبان، وغيرها تعامل الحكومة المصرية مع ضغوط إدارة بوش من أجل الإصلاح كان تم عبر هذا المنطق.. فهمت المصريون أن المطلوب ثمن ومصالح.. وضغوط الإصلاح كان لها علاقة بموقف مصري رافض للوجود في العراق أو بموقف في عمليات السلام العربي الإسرائيلي، قدمت المتاح.. فقدت دورها المحايد في فلسطين.. قدمت تسهيلات في قضايا الإرهاب وعذبت بالوكالة مطلوبين للمخابرات الأمريكية .. وفي المقابل لم تتورط في العراق وأجرت إصلاحات شكلية ..وتسامحت الإدارة الأمريكية مع قمع المعارضين، بمن فيهم واحد بقامة سعد الدين إبراهيم أو أيمن نور وهما من أعلنت عن قلقها بشأنهما كثيرا. تواصل إدارة أوباما اللعبة نفسها..في مناطق كثيرة من العالم.. أعلنت كثيرا عن قلقها وشجبها للانتخابات السودانية وهي أفدح تزويرا، وفاز بها مطلوب للمحاكمة الدولية، لكن في النهاية اعترفت بها أميركا .. والمقابل مصالح قد يكون لها علاقة بانفصال الجنوب، كما اختفت وبهتت الضغوط بشأن دارفور. فهمت الأنظمة الاستبدادية اللعبة الأمريكية.. قدم مثلا من قبل صدام حسين نفسه لأمريكا باعتباره شرطي الخليج في مواجهة الثورة الإسلامية .. تسامحت مع قمعه وزاره رامسفيلد في بداية الثمانينات ليشد علي يده في حربه، كما تعلن أمريكا نفسها استعدادها للتراجع مع أول استجابة وتنازل .. اشتملت مثلا قائمة الحوافز لإيران مقابل تخليها عن الطموح النووي إطلاق يدها في الخليج ولعب دور إقليمي .. إضافة بالطبع عن الكف عن الضغط بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان. في مصر تشمل قائمة الضغوط بنود كثيرة ، منها الديمقراطية حقوق الإنسان .. حقوق .. حقوق الأقباط.. الأنفاق ..تزوير انتخابات .. حقوق المرأة.. توريث للحكم.. بل أحيانا قضايا الفساد التي يتورط فيها أعضاء للنظام وآخرها فضيحة المرسيدس التي تكتمت عليها أميركا ولم تعلن اسم المتورط فيها إلي الآن ..لكن بنود الخدمات أيضا عامرة تنازلات إقليمية .. قبول عرض أمريكي في عملية السلام علي حساب العرب..جدار عازل فولازي .. تعذيب بالوكالة. لكن ليس كل من يتعرض للضغوط الأمريكية يقدم تنازلات.. فهناك من يحميه اقتصاده مثل الصين.. ومن تحميه براعته الدبلوماسية ومهارة اللعب بالأوراق الخارجية في العراق ولبنان مثل سوريا، أو ديمقراطيته المتنامية وامتداداته الإقليمية مثل تركيا.. فقط الفاشلون من يقدمون تنازلات للبقاء .. وليكن السؤال الآن أي ثمن سيدفع النظام الحالي تجاه ضغط أوباما الأخير.