طالعنا الزميل الفاضل اسلام إحسان نائب رئيس هيئة النيابة الادارية في مقاله المنشور في الاهرام اليومي عدد الجمعة 8 نوفمبر 2013 في مقاله المعنون قرارات النيابة الإدارية. ملزمة أم توصيات؟ ناقش فيه مسألين هل قرارات النيابة الادارية ملزمة ؟؟؟ وهل قرارات النيابة الادارية قضائية؟؟؟ وضرب سيادته أمثلة عديدة، يراها من وجهة نظره، تؤكد الطبيعة الملزمة والقضائية لقرارات هيئة النيابة الادارية . ونفحص في هذا المقال هذه الامثلة، ونعرض فيها وجهة نظر القانون كما نراها، حيث ان القرّاء من غير القانونيين قد يلتبس عليهم الامر، وكم يتمنى اعضاء مجلس الدولة على زملائهم من هيئة النيابة الادارية التحدث بلغة القانون، فهي لغة مشتركة، يسهل دائما تبادلها، وتظهر فيها الحجة القوية، ويُعلم منها من صاحب الحق ممن يدعيه. ويذكر سيادته ان القائل بان ما تصدره النيابة الإدارية مجرد توصيات غير ملزمة، وأنها لا تصدر قرارات قضائية ملزمة لديه فهم خاطئ نجم عن عدم دراية صحيحة بأحكام القانون، وعدم إلمام بأحكام المحكمة الإدارية العليا. ونؤكد بداية على بعض البديهيات التي لا يجب ان تغيب عن النقاش: 1. ان المسافة يجب ان تبقى واضحة بين التوصية ، والقرار، والقرار القضائي، والحكم القضائي. 2. ان الزامية القرار لا تفيد الاستدلال على شيئ، فالقرارات الادارية ملزمة ونافذة وواجبة الطاعة والاتباع ومعاقب جنائيا على مخالفتها. 3. ان النيابة العامة تنوب عن المجتمع في مباشرة الدعوى الجنائية المقيدة للحرية الشخصية وتملك سلطات الحبس الاحتياطي والاوامر الجنائية، في حين ان النيابة الادارية تنوب عن الجهة الادارية في التحقيق، والتوصية بتوقيع الجزاء الذي تستقل بتقديره الجهة الادارية او المحكمة المختصة.فقضت المحكمة الادارية العليا ان (المصلحة المباشرة والشخصية في توقيع الجزاء لا تتحقق إلا بالنسبة للجهة الإدارية التي يتبعها العامل ، و التي تنوب عنها قانوناً النيابة الإدارية ، و بالتالي تتخلف هذه المصلحة الشخصية في طلب التدخل بجانب الجهة الادارية.(الطعن رقم 3997 لسنة 44 ق. جلسة 2 يونيه 2001 4. انه يوجد قطاع هام من قطاعات موظفي الدولة لا تملك النيابة الادارية حيالهم اي سلطات؛ لا تحقيقا ولا إحالة ولا محاكمة ولا طعنا، مثل الجامعات والشرطة والدبلوماسيين والخبراء وغيرهم، فتستقل بشئونهم الوظيفية التأديبية مجالس تأديب خاصة ذات تشكيل شبه قضائي، تصدر قرارات اعتبرتها المحكمة الادارية العليا قرارات قضائية يطعن فيها امام المحكمة الادارية العليا مباشرة.الطعن رقم 3347 لسنة 43ق. جلسة 27 مايو 2001 5. ان التحقيق في المخالفات المالية والادارية كما ان انه من اختصاص للنيابة الادارية، وهو حصري مقصور عليها في بعض الحالات ضمانة لبعض كبار موظفي الدولة، فانه ايضا مقرر لجهة الادارية التي يتبعها العامل واختصاصها في ذلك اصل عام لا يمكن انكاره. واذا عدنا للمقال، فان سيادته يذكر،أن عدداً من تصرفات النيابة الإدارية تعد قرارات قضائية ملزمة، فالنيابة الادارية تصدر نوعين من القرارات القضائية، الاول، قرارات تصدرها بوصفها سلطة التحقيق التأديبي، أما الثاني ، فهو القرارات القضائية التي تصدرها النيابة الادارية بوصفها سلطة الاتهام والإدعاء التأديبي وعن الأمثلة التي وردت للتدليل على الفرضية التي تم الانطلاق منها ، ذُكر للنوع الاول: 1. قرار احالة الموظف الي التحقيق أمامها من تلقاء نفسها دون ضرورة الحصول علي موافقة جهة الادارة ، وهذا مفهوم في حال اذا ما قدمت شكوى او بلاغ . ومن المعلوم ان هذه السلطة مقررة ايضا لضابط الشرطة في احوال ارتكاب جريمة او تقديم بلاغ، وهي ملزمة، ولم يقل احد ابدا ان قرارات الشرطة في هذا الخصوص قرارات قضائية. 2. قرار وقف المتهم عن العمل احتياطيا علي ذمة التحقيق لمدة ثلاثة شهور استناداً للمادة 83 من القانون رقم 47 لسنة 1978. في حين ان المادة التي يستشهد بها سيادته تنص على ان : (لكل من السلطة المختصة ومدير النيابة الإدارية حسب الأحوال أن يوقف العامل عن عمله احتياطيا إذا اقتضت مصلحة التحقيق معه ذلك لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر...) والسلطة المختصة ليست جهة قضائية مع انها تتمتع بسلطة وقف العامل عن عمله بقرار ملزم. 3. اما قرارات ضبط وإحضار الشهود للتحقيق أمام النيابة الادارية وقرارات تفتيش أماكن العمل، وتفتيش أشخاص ومنازل الموظفين المتهمين، التي تملك النيابة الادارية اصدارها فهي تمكين لها من اداء وظيفتها في مكافحة الفساد، ولا تكفي بذاتها لاسباغ الصفة القضائية على اعمال النيابة الادارية. بل هي محض سلطة استثنائية منحت لها لمباشرتها لمهامها، ولا نعلم متى مارست هيئة النيابة الادارية هذه الصلاحيات في ضوء ترتيب مصر المتقدم بين الدول الاكثر فسادا في مجال الوظائف الادارية. فضلا عن ذلك، نجد ان المادة 6 من قانون هيئة الرقابة الادارية رقم 54 لسنة 1964 تعطي للهيئة الحق فى سبيل مباشرة إختصاصاتها طلب أو الاطلاع أو التحفظ على أية ملفات أو بيانات او أوراق أو الحصول على صورة منها،و ذلك من الجهة الموجودة فيها هذه الملفات أو البيانات او الأوراق بما فى ذلك الجهات التى تعتبر البيانات التى تتداولها سرية ، وكذلك إستدعاء من ترى سماع أقوالهم. كما أجازت لها أن تطلب وقف العامل عن أعمال وظيفته أو إبعاده مؤقتا عنها إذا إقتضت المصلحة العامة ذلك ويصدر قرار الايقاف أو الابعاد المؤقت من رئيس مجلس الوزراء. وكذلك نجد ان المادة 9 من قانون هيئة الرقابة الادارية خولت ايضا لهيئة الرقابة الادارية سلطة أن تجرى تفتيش أشخاص و منازل الموظفين المنسوبة إليهم المخالفات بعد الحصول على إذن كتابى من رئيس الرقابة الادارية أو من النيابة العامة إذا كانت هناك مبررات قوية تدعو لاتخاذ هذا الاجراء . ولم يقل احد ابدا ان هيئة الرقابة الادارية تمارس عملا قضائيا. وأخيرا، نجد ان الاعضاء الفنيين بالجهاز المركزى للمحاسبات بموجب قرار وزير العدل رقم 8937 لسنة 2012 المكلفون بفحص المستندات أو جرد الموجودات يتمتعون بصفه مأمورى الضبط القضائى بالنسبه للمستندات التى يقومون بفحصها أو الموجودات التى يتولون جردها، وكذلك القبض على المتهم فى احوال التلبس بأى من الجرائم التى تمثل مقاومه للأحكام وعدم الامتثال لاوامرهم متى وقعت هذه الجرائم فى دائره اختصاصهم وأثناء قيامهم باعمال وظائفهم وبسببها . اما النوع الثاني التي ذكره سيادته، فهي القرارات القضائية التي تصدرها النيابة الادارية بوصفها سلطة الاتهام والإدعاء التأديبي،فذكر انها : 1. قرار الإحالة إلي المحكمة التأديبية، إذ إن النيابة الإدارية بعد انتهائها من التحقيق الذي تجريه تترخص وحدها بمطلق سلطتها التقديرية في تحديد جسامة الجريمة التأديبية ومدي الخطورة الإجرامية لمرتكبها ومدي صلاحيته للبقاء في الوظيفة العامة، وعلي ضوء ما تستقر عليه عقيدتها في هذا الشأن تصدر قراراً باحالة القضية إلي المحكمة التأديبية دون الرجوع الي جهة الادارة أو الحصول علي موافقتها قبل اقامة الدعوي التأديبية ، ولا اعلم ما هو وجه قضائية هذا القرار، في ضوء ان المادة 12 من قانون اعادة تنظيم الهيئة اجازت للجهة الإدارية تقديم العامل إلى المحاكمة التأديبية على خلاف ما تراه النيابة الادارية، اذ تعيد الجهة الادارية الأوراق إلى النيابة الإدارية لمباشرة الدعوى أمام المحكمة التأديبية المختصة . فضلا عن ذلك، يجب ذكران المادة 13 من قانون اعادة تنظيم هيئة النيابة الادارية توجب اخطار رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات بالقرارات الصادرة من الجهة الإدارية فى شأن المخالفات المالية والمشار إليها فى المادة السابقة .ولرئيس الجهاز خلال خمسة عشر يوما أن يطلب تقديم الموظف إلى المحاكمة التأديبية .وعلى النيابة الإدارية فى هذه الحالة مباشرة الدعوى التأديبية خلال الخمسة عشر يوما التالية. أي ان النيابة الادارية في هذه الحالة ملزمة بمباشرة الدعوى التاديبية امام المحكمة دون اختيار، والجهاز المركزي للمحاسبات ليس هيئة قضائية. 2. قرار تحريك الدعوي الجنائية عن الجرائم الجنائية التي تتكشف لها أثناء التحقيق وذلك بإحالتها مباشرة إلي النيابة العامة لاعمال شئونها حيالها: وهذا قول مستغرب، فالشرطة تستطيع احالة البلاغات الى النيابة العامة، وكل من راي جريمة وجب عليه ابلاغ النيابة العامة، والنيابة العامة ليست ملزمة بمباشرة الدعوى بناء على ما انتهت اليه النيابة الادارية. 3. قرار الطعن علي الأحكام التأديبية أمام المحكمة الإدارية العليا اذ تفحص النيابة الادارية أحكام المحاكم التأديبية الصادرة في الدعاوي التأديبية للتحقق من صحتها. ولنا ان نتساءل ، هل الطعن على الاحكام اصبح عملا قضائيا ؟؟ فهذا الحق مقرر للعامل ايضا الصادر ضده الحكم، فليس مجرد الطعن بسبغ الطبيعة القضائية على القرار، واي خصم في دعوى يملك ذلك. بل ان المادة 22 من قانون مجلس الدولة تعتبر من ذوى الشأن فى الطعن على احكام المحاكم التاديبية كل من الوزير المختص ورئيس الجهاز المركزى للمحاسبات ومدير النيابة الإدارية . والحمد لله رب العالمين