المناضل المخضرم القطب اليساري أحمد حمروش مازال علي وفائه لأفكار وآراء عشقها اليسار المصري من أربعينات القرن الماضي ومازالت تحلق في فضاء خلا عبر عقود حتي الآن مما يؤكد واقعيتها الممكنة!، وقد دارت هذه الأفكار والآراء حول اثنتين من النقاط: أولهما أن العرب قد ارتكبوا خطأ جسيما عندما رفضوا قرار تقسيم فلسطين بين إسرائيل وأهلها الأصليين قبل إعلان قيام دولة إسرائيل! والنقطة الثانية أن إسرائيل كان فيها قوي سياسية إسرائيلية كان يمكن للعرب وخاصة مصر العمل معها كي يتحقق السلام الذي تؤمن به هذه القوي بين العرب وإسرائيل! وقد قرأت في مطلع يناير الحالي الأول منه والثاني الحوار المطول علي جزأين أجرته الزميلة «سهير حلمي» مع الأستاذ أحمد حمروش الذي أحيا في هذا الحوار النقطتين ليؤكد مدي الخسارة التي عادت علينا كعرب من إهمال الفكرتين!، وهو يذكر صراحة «رفض قرار التقسيم أكبر غلطة وقع فيها العرب، وقد كنت أدرس فرقة عسكرية في فلسطين ولمست مدي انسجام الشعب الفلسطيني من يهود ومسلمين ومسيحيين وكنا في غني عن هذه الحرب ولكن الإخوان المسملين بصفة خاصة هم الذين أشعلوا الوجدان المصري إزاء هذه الحرب ولكنهم لم يشتركوا في الكفاح المسلح ضد الانجليز في القناة عام 1951 مثلا!، وهذه الحرب ضد العصابات الصهيونية التي اشبعت عرب فلسطين مجازر وتهجيرا وعنفا في ترحيل أبناء الشعب الأصلي عن دياره!، بل نحن العرب الذين زينا لليهود فكرة إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين حتي تشتعل الحرب بين العرب ولصوص الوطن الفلسطيني! حتي إذا جاء قرار التقسيم الذي يعتبره الاستاذ حمروش فرصة ضيعها العرب وغلطتهم التي لاتغتفر حيث كان عليهم قبول اغتصاب أرض عربية لشعب عربي بدأ اليهود بسرقتها والاستحواذ علي معظمها ليأتي قرار تقسيمها بضغوط القوي الدولية التي تحمي إسرائيل حتي الآن ليقول لنا الأستاذ حمروش إننا العرب ما كان أغنانا عن الحروب التي خضناها ضد إسرائيل التي تكرمت وعرضت بعضا من أرضنا التي سرقتها بقوة السلاح والتنكيل بسكانها فكان علينا أن تغتنم الفرصة ونقبل الاستسلام في الوقت المقرر للاستسلام حيث كان هذا هو الفرصة الوحيدة أمامنا لننجوا من ويلات الحروب التي لم تهدأ حتي الآن! فكيف استقام هذا المنطق عند حمروش وأنصار فكرته التي تجعل الشعوب تقبل بالمعروض عليها من مغتصبي أراضيها وإلا فإن الفرصة كما نري قد ضاعت! وعندما نأتي للنقطة الثانية التي مازال يقتنع بها حمروش من أن القوي الداعمة للسلام في إسرائيل كان علينا العمل معها حتي يتحقق السلام العربي الإسرائيلي ويعني بها الحزب الشيوعي الإسرائيلي «راكاح» و«جبهة» أنصار السلام فإن شهادة التاريخ العربي الإسرائيلي من ساعة قيام إسرائيل في نهاية أربعينيات القرن الماضي وحتي الآن تقدم أدلة واضحة علي أن أنصار السلام في إسرائيل خاصة الحزب الشيوعي الإسرائيلي راكاح لم يستطع خلال هذا التاريخ الطويل لها في معترك الحياة السياسية الإسرائيلية أن يكون لها أدني تأثير علي مسارات السياسة الإسرائيلية! بل نري أن اليمين الإسرائيلي المتطرف ظل هو السائد والمسيطر بالفوز في كل انتخابات إسرائيلية! وليس من أحد في العالم يخطئ سيطرة هذا اليمين الذي لم يذعن لفكرة السلام إلا بعد أن خاضت مصر ضد جيشه حربها المنتصرة في أكتوبر عام 1973! بل كان الأمر قبل هذه الحرب أشبه ما يكون بقوم انتصروا في حرب خاطفة واحتلوا الأرض المصرية والعربية ثم استناموا لهذا الانتصار الخاطف يروجون لفكرة جيشهم الذي لايقهر وترويج البعض عندنا لفكرة استحالة أن يحارب العرب مرة أخري وفي مقدمتهم مصر حتي أفاق هولاء علي الهجوم المصري الذي قادته القوات المسلحة المصرية ليعبر جنودها القناة! وقبل ذلك لا أعرف أي انجاز للقوي الإسرائيلية الداعمة للسلام كما يحسبها حمروش في «جبهة انصار السلام» والحزب الشيوعي الإسرائيلي «راكاح»!