· محكمة جزائرية حكمت عليه بالسجن 15 عاماً بعد يومين من مباراة مصر والجزائر .. وعلي السيدة الجزائرية بالسجن 10 سنوات · سائق الأتوبيس الذي قام بتوصيل الصور إلي السيدة الجزائرية حصل علي البراءة يبدو أن الشيطان وحده هو الذي يحكم العلاقات المصرية الجزائرية الآن.. الناس هنا وهناك لن يقتنعوا إلا بنظرية المؤامرة في كل أمر يتعلق بمصر والجزائر.. إذا تعثر مصري في الجزائر وهو يسير في الطريق وانكفأ علي وجهه، سيقال علي الفور: إن الشعب الجزائري تآمر عليه وحفر له حفرة ونصب كمينا. وإذا أصيب جزائري بأزمة قلبية في مصر، سيخرج علينا جزائريون غاضبون ويعلنون أن المصريين قتلوه ويطالبون بالانتقام لدم الشهيد.. الشيطان هو الحاكم والمتحكم، والمؤامرة هي العنوان الرئيسي لكل ما يجمع مصر والجزائر، أي مشكلة سيتم ربطها علي الفور بأزمة مباراة كرة القدم، وهذا ما حدث مع أسرة المواطن المصري محمد أحمد محمد إبراهيم الذي يعمل غواصا أو غطاسا في الجزائر، والذي ألقت السلطات الجزائرية القبض عليه في 21 أكتوبر عام 2008 أي قبل مباراة مصر والجزائر بحوالي عام، إلا أن الحكم القضائي ضده لم يصدر إلا بعد يومين فقط من مباراة الفريقين في القاهرة وتحديدا يوم 16 نوفمبر عام 2009، حيث حكمت محكمة جزائرية علي العامل المصري بالسجن لمدة «15» عاما بتهمة التجسس، وهو ما رسخ في أذهان الجميع أن الحكم المشدد جاء انتقاما وردا سريعا علي هزيمة الجزائربالقاهرة 2/صفر، وعلي ما روجه الجزائريون من حدوث اعتداءات علي الأتوبيس الذي نقل اللاعبين الجزائريين من مطار القاهرة إلي الفندق. والد محمد ووالدته علي يقين تام من أن ابنهما ذهب ضحية لمباراة كرة القدم، وأن الحكم القضائي ضده ليس عدلا، وإنما انتقاما، وتساءل الأب مندهشا: ابني عمره «24» عاما فكيف يتهم بالتجسس؟، ولحساب من؟ وتقول الأم غاضبة: ابني سافر إلي الجزائر في 1 يوليو عام 2008 وألقت السلطات الجزائرية القبض عليه في 21 أكتوبر عام 2008 أي أنه لم يكمل أربعة أشهر فكيف يقوم بمهام تجسس في هذه المدة القصيرة التي لا يتمكن أي شخص خلالها من معرفة أي شيء عن البلد الذي يعيش فيه، وتواصل الأم غضبها واندهاشها قائلة: هل يعقل أن يظل ابني سجينا لمدة عام دون أن يحكم عليه، ثم فجأة وبعد أحداث مصر والجزائر في القاهرة ب 48 ساعة فقط ينقلونه من السجن إلي المحكمة ويحكمون عليه بهذا الحكم القاسي والمشدد «15» عاما؟!.. في المقابل قال لي المحامي المصري المقيم في الجزائر نبيل صقر والذي تابع القضية واطلع علي ملفاتها: إن تاريخ جلسة النطق بالحكم محدد مسبقا وقبل مباراة مصر والجزائر بأشهر، وأن رئيس الدائرة الذي أصدر الحكم قاضية جزائرية شهيرة مشهود لها بالكفاءة والعدالة علي مستوي الجزائر كلها. أسرة المتهم المصري لا تعرف شيئا عن أسرار وملفات القضية التي اتهم فيها ابنها، الأمر الذي دفعني إلي جمع المعلومات المتعلقة بهذه القضية.. اتصلت بجهات سياسية ودبلوماسية مصرية وجزائرية وتوصلت إلي معظم خيوط وأسرار القضية.. فالأسئلة الأساسية المتعلقة بهذه القضية هي : كيف ولماذا تجسس العامل المصري علي الجزائر؟ ولحساب من يتجسس؟ وماهي الأدلة المقدمة ضده؟ وهل القضية حقيقية أم ملفقة؟ هل لها علاقة بأزمة مباراة مصر والجزائر؟ هل كانت إحدي الضربات الانتقامية الجزائرية الموجهة ضد المصريين؟. حصلنا علي بعض الوثائق والمعلومات التي قد تجيب عن هذه الاسئلة.. البداية خطاب موجه من الشركة المصرية التي يعمل بها العامل المصري، والتي أرسلته للجزائر ليعمل غواصا أو غطاسا علي سفنها.. والشركة اسمها «صب سي» للخدمات البترولية، والخطاب الذي بين يدي أرسلته الشركة إلي السفير المصري بالجزائر، جاء فيه بالحرف الواحد : سعادة سفير جمهورية مصر العربية بالجزائر.. بخصوص موضوع الغواص محمد أحمد محمد إبراهيم «السفينة الدولية -2».. برجاء التكرم بالعلم بأننا شركة مصرية تعمل بالجزائر في أعمال الصيانة الخاصة بمنصات تصدير البترول في موانيء شيكادا وبجاية وأرزيو.. والشركة لديها 3سفن خدمات بترولية وتعمل في الموانئ المذكورة.. والذي حدث أنه في يوم 21أكتوبر عام 2008 حضر إلينا بميناء أرزيو «ARZew» علي السفينة المملوكة لنا واسمها «الدولية2» عدد 2 ضابط من الأمن العسكري الجزائري، وطلبا اصطحاب الغواص محمد أحمد محمد إبراهيم الذي يعمل علي السفينة المذكورة، والذي دخل للعمل في الجزائر منذ يوم 1يوليو عام 2008 وفعلا تم اصطحابه بمعرفة الأمن العسكري الجزائري ولم نعد نعلم عنه شيئا.. الخطاب موقع من رئيس مجلس إدارة الشركة ربان رامي عبد العزيز. ووفقا للمعلومات التي حصلنا عليها فإن مدينة أرزيو - التي اتهم فيها العامل المصري بالتجسس - تلقب بمدينة البترول والغاز، حيث يوجد بها مصانع تكرير وتصدير الغاز ومصفاة النفط وهي مدينة قديمة جدا، ولها موقع استراتيجي مهم، وتتبع ولاية وهران ثاني أكبر الولاياتالجزائرية بعد العاصمة، وتشتد فيها الإجراءات الأمنية لأنها منطقة صناعية، ولوجود ميناء أرزيو بها والأهم والأخطر من ذلك أن المدينة بها مناطق وثكنات عسكرية تابعة للجيش الجزائري وهذا هو الذي أدي - حسب قول المصادر الجزائرية - إلي تشدد السلطات مع قضية العامل المصري. وتصل الإجراءات الأمنية إلي حد أن الشخص العادي لا يستطيع دخول المنطقة الصناعية إلا من خلال سيارات حكومية، وبعد التأكد من شخصيته بشكل دقيق.. والأهم من كل ذلك أن لافتات ممنوع التصوير منتشرة في كل مكان. وهذه الملاحظة الأخيرة هي لب الموضوع، وهي اللغم الذي انفجر في وجه الغواص المصري محمد أحمد إبراهيم، والأساس الذي استندت إليه اتهامات التجسس.. المعلومات التالية تزيح الستار عن هذا اللغز الغامض.. «فتش عن المرأة» هذه هي الجملة التي رددها الجميع في الدوائر السياسية والدبلوماسية ونحن نتقصي الحقائق منهم، فمن الواضح حتي الآن أن محمد يعمل غواصا أو غطاسا في شركة خدمات بترولية مصرية لها نشاط في الجزائر، وتحديدا في أرزيو مدينة البترول والغاز، ولذلك أرسلته الشركة إلي هناك.. تقول والدة محمد : إن مأساة ابنها بدأت حينما تعرف علي فتاة جزائرية اسمها فوزية وارتبطا معا بقصة حب واستعد للزواج منها، بدليل أنه عرفها علينا واتصلت بنا بالفعل وأرسلت لنا هدايا، وبعد ذلك علمنا أنه تم القبص عليه بتهمة التجسس، وأن الدليل ضده: صورة التقطها لنفسه في الميناء في منطقة عمله التي يغطس فيها وأنه أرسل هذه الصورة لحبيبته الجزائرية لتحتفظ بها كنوع من الذكري، ألا أن المحامي المصري المقيم في الجزائر نبيل صقر قال لي كلاما مختلفا من واقع أوراق القضية التي أطلع عليها.. قال إن المرأة التي أحبها العامل المصري سيدة متزوجة وليست فتاة، وهي علي مشاكل شخصية وعائلية مع زوجها الذي طلبت الطلاق منه لكي تتزوج من محمد.. وأضاف المحامي المصري: وفقا لأوراق القضية فإن العامل المصري صور نفسه 25صورة وليس صورة واحدة، وأن جميعها في مناطق حساسة تتعلق بتصدير وتكرير الغاز. وأشار إلي أن العامل المصري أرسل هذه الصور إلي السيدة الجزائرية بعد أن وضعها علي «سي دي» عبر أحد سائقي الباصات، ومن هنا وقعت في أيدي أجهزة الأمن الجزائرية التي شعرت بخطورة الصور وألقت القبض علي العامل المصري يوم 21أكتوبر عام2008 وفتشت منزله ووجدت فيه نسخة من الصور. محامي المتهم المصري في الاسكندرية الذي يتابع القضية من مصر أحمد السيد يأخذها في اتجاه آخر، ويري أن محمد مجرد شاب ساذج يقوم بتصرفات مراهقة عاطفية، إلا أنه ليس جاسوسا، فقد أرسل صورا له لحبيبته دون سوء نية، إلا أن مصدرا بالخارجية المصرية أكد لنا أن المشكلة الكبري في قضية محمد أن السلطات اتهمته بالحصول علي أموال حوالي ألف يورو من السيدة الجزائرية، وهو ما اعتبرته ثمنا لهذه الصور.. أسرة محمد تؤكد أنه لو كان قد اعترف بذلك في التحقيقات فإن الاحتمال الأقوي أنه فعل ذلك تحت ضغط التعذيب. ويبقي السؤال الأساسي : هل للحكم القضائي المشدد بالسجن 15عاما للعامل المصري محمد أحمد إبراهيم علاقة بمباراة مصر والجزائر وتداعياتها؟ هل كان عدلا أم انتقاما؟ أسرة العامل المصري كما ذكرت في المقدمة تؤكد أن محمد هو ضحية الأزمة بين البلدين، استنادا إلي أنه محبوس قبل مباراة مصر والجزائربالقاهرة بعام، إلا أن الحكم لم يصدر إلا بعد المباراة بيومين، في حين يعترض المحامي نبيل صقر قائلا : الدليل علي أن الحكم القضائي علي محمد ليس انتقاما منه بسبب غضب الجزائريين بعد مباراة مصر والجزائربالقاهرة، أن السيدة الجزائرية اتهمت معه في القضية وحكم عليها بالسجن لمدة عشرة أعوام ، وهي في السجن الآن تقضي العقوبة، كما أن سائق الأتوبيس الجزائري الذي سلم الصور إليها قدم إلي المحاكمة معهما وظل محبوسا لأكثر من ثمانية أشهر إلي أن برأته المحكمة.. وأضاف المحامي نبيل صقر: لقد حضرت جلسة المحاكمة الخاصة بمرافعة المتهمة الجزائرية وركزت محاميتها علي أن أركان جريمة التجسس غير موجودة لعدم وجود طرف ثان استفاد من هذه الصور. هذه هي كل المعلومات والأوراق المتاحة لنا والمتعلقة بهذه القضية والتي لا يبقي فيها إلا لغز واحد وهو : إذا كان هناك تجسس فلحساب من؟ أو بشكل آخر من هو الذي استفاد من الصور التي التقطها العامل المصري محمد في مناطق صناعية وعسكرية حساسة؟ وإذا كان الأمر يتعلق فقط بمراهقة عاطفية وتصرفات صييانية طائشة فلماذا هذا الحكم القضائي المشدد بالسجن 15عاما؟! مصادر وزارة الخارجية المصرية أكدت لنا أن ما سيخدم محمد في هذه القضية أن أوراقها تؤكد أنه لا ينتمي إلي شبكة وأنه لا يأتمر بأوامر أحد وأن الأمر في مجمله تصرفات فردية وليست تنظيمية. تبقي الرسالة الأخيرة التي أرسلها محمد من داخل سجنه إلي والدته وقال فيها بالحرف الواحد وبلهجته العامية : هذا قدر الله ، عليكم بالصبر وكل شيء يمر ويفوت وترجع الحياة مرة أخري ، لازم تفرحوا لأن ابنكم مظلوم وبطل صابر ومتحمل، الشركة تخلت عني والحكومة المصرية والسفارة المصرية نسوني .. بلغي الحكومة المصرية ياأمي إن أنا صابر ومظلوم وأنا ما زعلتش من الحكم لأنه مكتوب وبعدين أنا مش أول واحد يدخل السجن.. سيدنا يوسف دخل السجن ظلما، والرئيس السادات دخل السجن وخرج.. أنا في صحة جيدة وأحافظ علي صلاتي وأنا عملت طعنا في الحكم .. اعتبروني باشتغل في الجزائر ولست في السجن، أقول لأبي الحبيب ارفع رأسك ابنك مظلوم.. هذا هو ملخص الرسالة المؤثرة التي أرسلها العامل المصري من داخل السجن.. المهم أن تهتم الحكومة المصرية بقضية محمد والأهم أن تتعامل معها السلطات الجزائرية بمعزل عن حالة الاحتقان بين مصر والجزائر وتضعها في حجمها الطبيعي.. مراهقة طائشة وتصرفات صبيانية لشاب عمره «24» سنة استدرجته سيدة جزائرية لأهداف لا نعلمها حتي الآن. نريد أن نبتعد عن نظرية المؤامرة.. وأيضا عن منهج الانتقام. شارك في التحقيق