كانت عقارب الساعة تشير إلى التاسعة من مساء الاثنين الماضى.. وكانت منطقة الطالبية من ناحية فيصل مزدحمة كعادتها بالسيارات والمواطنين!.. وكانت مقاهى المنطقة كعادتها أيضا شبه مشغولة بالكامل كنت ومجموعة من الاصدقاء نجلس داخل واحدة منها.. واحد من الذين يجلسون معنا استأذن لشراء كارت شحن من كشك فى الجهة الأخرى من الشارع.. قبل أن يعبر استوقفه أحد البلطجية «ثبته» وأشهر فى وجهه «مطواه قرن غزال» محاولا سرقته بالاكراه! استغاث صاحبنا فأسرع لنجدته بعض رواد المقهى.. فر اللص وعاد صديقنا إلينا سالما ونسى شراء كارت الشحن! حدث ذلك بينما كان المستشار حسن ياسمين مساعد النائب العام يتحدث فى مداخلة هاتفية مع الإعلامية لميس الحديدى عن قرار النائب العام بمنح الضبطية الشعبية! ما يعنى أن يتحول المواطن إلى رجل شرطة وتتخلى الدولة عن دورها فى حماية المجتمع! الحادثة التى ذكرتها والتى وقعت فى أكثر الاماكن ازدحاما وفى وقت «الناس كلها فى الشارع»، تلخص الحالة التى وصلنا إليها فى ظل حكم الرئيس وحكومته صاحبة الانجازات التاريخية والتى ستسجل فى صفحات التاريخ باسم الانجازات القنديلية واللواء «إبراهيم الثانى» وزير الداخلية! لم يعد أحد منا آمنا فى سربه أو يجد الكثيرون منا قوت يومهم.. الامن غائب.. أمن الشارع غير موجود.. بعد أن لخصت وزارة الداخلية المهام الموكلة إليها وسخرت كل أجهزتها للامن السياسى! غاب الأمن كما عهدنا كمواطنين عن الشارع فانتهز البلطجية والمجرمون الفرصة فانتشروا فى شوارع المحروسة يعيثون فسادا وتكون لهم الكلمة العليا فإما أن تدفع ما معك وتترك سيارتك أو تدفع حياتك! ومن المضحكات المبكيات أن يطلب منك القائمون على شئون البلاد أن تتصدى للمجرم أو البلطجى وتلقى القبض عليه وتسلمه لقسم الشرطة! وطبعا البلطجى يستقبلك من خديك ويسلمك يديه ويغنى معك رائعة أم كلثوم الاطلال بكلمات جديدة خذ يديا. اقبض عليا.. إن أنا سرقت شيئا!! والله الذى لا إله إلا هو نحن نعيش زمن اللامعقول! نحن نعيش زمن تتفكك فيه أوصال الدولة ويفتقد المواطن أهم حقوقه حق العيش فى أمن وأمان فلا هم لاجهزة الأمن إلا تأمين موكب الرئيس وهو ذاهب لصلاة الجمعة مع أولاده!.. تغليب الامن السياسى على الأمن الاجتماعى أحدث فجوة بين الشرطة والشعب.. وصور الشرطة وكأنها فى مواجهة مع الشعب! وأن الشرطة كل مهمتها حماية الحاكم والحكومة حتى لو كانت السياسات والممارسات كلها خاطئة! وعدم وجود استجابة لأية مطالب شعبية! وكلما مرت الايام تفاقمت الأزمة وزادت الفجوة مع زيادة اعداد القتلى والجرحى من الفريقين! وجاءت أحداث بورسعيد لتزيد الموقف تعقيدا وتضخم من المشهد المأسوى! خاصة بعد نزولا قوات الجيش وعدم دخولها فى صراع مع المواطنين وكان الاحترام المتبادل هو عنوان العلاقة بين الجيش والشعب! وبالتالى يدفعنا التناقض فى جوانب المشهد بين موقف الجيش والشرطة وعلاقتهما بالشعب الى التأمل والوقوف أمامه ومعرفة أسبابه.. جنود وضباط الشرطة ينفذون أوامر قادتهم وجنود وضباط الجيش ينفذون أوامر قادتهم.. والفرق بين المشهدين هو نوعية الأوامر والتكليفات الصادرة لكلا الفريقين! وبالتالى كان لابد من اسدال الستار على المشهدين.. الجيش يتولى زمام الأمور فى بورسعيد وسط ترحيب من الأهالى بينما تتزايد الضغوط على جنود وضباط الداخلية ولأن هؤلاء الجنود والضباط بشر ولهم قدرة على التحمل فكان لابد من وقفة! وجد جنود ضباط الشرطة أنهم داخل دائرة جهنمية لا ترحم! وأنهم ومعهم الشعب وهم جزء أصيل منه الذين يدفعون الثمن! وأنهم يدخلون فى مواجهات لا ناقة لهم فيها ولا جمل! وبالتالى جاءت وقفة جنود وضباط الشرطة كنوع من مراجعة النفس والسؤال وماذا بعد؟ وكانت الاجابة نحن جزء من هذا الشعب ولن نكون أداة فى يد السلطة لنعيد ممارسات قديمة كانت السبب الرئيسى فى غضبة الشعب على الشرطة فى يوم عيدها عام 2011! وكانت هذه الممارسات سببا فى حدوث فجوة بيننا وبين الشعب! وقد دفعنا ثمن هذه الممارسات فى الفترة التى اعقبت سقوط النظام! وكنا نتجاوب مع كل محاولات تبذل لعودة الثقة من جانب الشعب فى أبنائه من رجال الشرطة وكنا نفرح لمحاولات وزراء تولوا مسئولية الداخلية أمثال محمد إبراهيم «الأول» وأحمد جمال الدين لتكون الشرطة بحق أداة لتحقيق الأمان والانضباط فى الشارع المصرى ومحاربة الخارجين على القانون وكنا نفرح لتجاوب الشارع المصرى مع الحملات التى كانت تقوم بها وزارة الداخلية وبالذات فى أيام اللواء أحمد جمال الدين الذى قاد بنفسه حملات على البلطجية والخارجين على القانون فى بحيرة المنزلة بمحافظة الدقهلية.. وكم كانت فرحتنا عندما رفض الوزير الشجاع أن تستخدم الشرطة لقمع المتظاهرين أمام الاتحادية أو أن تكون مهمتها حماية فصيل معين وحماية مقاره وكانت هذه الوقفة الجريئة سببا فى إقالته من منصبه! هكذا يقول لسان حال جنود وضباط الشرطة الذين أعلنوا عن رفضهم لسياسة وزارتهم ووزيرها! ورغبتهم الاكيدة فى العودة إلى صفوف الشعب كجزء أصيل منه! وعندما يكون الشعب والجيش والشرطة «إيد واحدة» فلن تستطيع أى قوة على وجه الأرض هزيمة هذا الوطن نشر بتاريخ 18/3/2013 العدد 640