· الوريث.. لا يملك مقومات شخصية لتولي منصب الرئيس · رجال جمال يغرقون في شبر ميه.. والرئيس يتدخل لإنقاذهم في اللحظات الحرجة المشهد العام في مصر الآن يبدو عبثيا لا تحكمه قواعد ولا يقره منطق فهو بلا ملامح واضحة أو محددة يمكن قراءتها أو وصفها بدقة فيذهب إلي تفسيره كل من يريد علي هواه ووفق رؤيته وتوقعاته وهواجسه فاختلفت الرؤي وتباينت التوقعات واختلطت التكهنات لتخلق لنا واقعا عشوائيا مخيفا وعصيا علي الفهم، بل ولم تعد هناك أشياء يقينية يمكن الجزم بها أو الميل إلي تصديقها علي أقل تقدير، بداية من استمرار الرئيس مبارك في الحكم ورغبته في البقاء لفترة رئاسية أخري وليس نهاية بالترتيبات الجادة حول توريث السلطة لجمال مبارك. وما يتبع ذلك من اتجاه الي التبكير بالانتخابات الرئاسية التي تمهد للابن اعتلاء حكم مصر بشكل يبدو في ظاهره ديمقراطيا، ومقبولا لكن ما بين هذا وذاك تسير الأوضاع العامة والواقع السياسي في اتجاه المهزلة لأن الحديث عن استمرار الأب ورغبتة الابن تذهب بنا إلي طرح التساؤلات التي نري أنها مشروعة وهي بالفعل لأن انحصار الأمر بينهما يبدو غير ديمقراطي وخاصة مع غياب الأحزاب عن المشاركة الفعلية وإن شاركت فهي مجرد كومبارس لاكتساب الديكور الديمقراطي وتلك كارثة أخري وتسمح للإبقاء علي الجدل المشتعل في الحديث عن وجود منافسة بين مبارك الأب ومبارك الابن، لكنها بالطبع ليست منافسة بالمعني التقليدي الذي جري التعارف عليه، أي أن كلا منهما سيرتب لمعركة ضد الآخر، أقصد معركة انتخابية إنما هي منافسة تبدو شكلية، الأب لا يريد أن يترك الحكم للاعبين جدد علي المسرح السياسي، يتم إفرازهم عن طريق الانتخابات العامة والخروج من رتابة الحياة السياسية لنحو ثلاثين عاما، والابن يدفعه طموحه السياسي من ناحية أخري للتطلع إلي رئاسة الدولة دون ترك مساحة موازية لممثلي الأحزاب في الحركة لممارسة نفس الدور الذي يلعبه. وذلك لأن جمال مبارك لا يخفي عليه أو علي المحيطين به أن المنصب سيكون بعيد المنال إلا إذا حدث في وجود الأب الذي يسيطر علي زمام الأمور ويتمسك بالبقاء علي الكرسي في الوقت الذي يتعجل فيه الابن وجميعها أمور معقدة دفعت لفتح باب الجدل والتسريبات عن تلك المنافسة التي يمكن أن تذهب في تصورات البعض إلي وجود صراع في بيت الرئاسة وهو الذي تبدو ملامحه حتي الآن غامضة وملتبسة ويكتسب هذا التفسير قوة منطقه من عدم الإعلان الرسمي عن ترشيح جمال مبارك للرئاسة لكن هناك بعض المشاهد المألوفة والملموسة تشير إلي محاولات دءوبة يبذلها نجل الرئيس لفرض سلطته الحزبية علي سلطة الدولة.. من خلال أمانة السياسات التي يترأسها، وهي التي تسيطر علي جميع الأمور داخل الحزب والحكومة علي حد سواء. فأعضاء تلك الأمانة أقصد بعضهم تم الدفع بهم إلي المواقع الوزارية فانتقلوا من عالم البيزنس والثروة إلي دهاليز السلطة والنفوذ والحصانة فوصلوا بالبلاد إلي ما نحن فيه الآن من تخبط إداري وفساد مالي، وفقر مدقع وأمراض نهشت أجساد معظم هذا الشعب المطحون حتي النخاع، في بلد محكوم بقوانين الطوارئ سيئة السمعة. وبشائر المقدمات يسعي من خلالها بعض أعضاء السياسات في حكومة أحمد نظيف إلي فرض ما هو أسوأ من قوانين الطوارئ التي ربما نترحم علي سنواتها الطويلة، باعتبارها الأفضل من الذي يتراءي كشبح في منطقة مظلمة، فالحديث المتكرر الذي لا ينقطع عن مخاوف من انتشار الأمراض الوبائية والفيروسية وتحضير المقابر الجماعية لدفن ضحايا أنفلونزا الطيور والخنازير كلها مقدمات تبدو منطقية للذهاب بنا أبعد من قانون الطوارئ باعتبار أن البلاد معرضة للأوبئة والكوارث وبالطبع معلومة هي تلك الإجراءات التي تلجأ إليها الأنظمة والحكومات في أي دولة في العالم وهي تعطيل كل شيء في مؤسسات الدولة لا قانون ولا غيره ووسط هذه الأجواء المرتبكة من كل اتجاه تقفز التساؤلات الأهم لتتصدر قمة المشهد العام، بكل تشابكاته وتعقيداته، ويأتي في مقدمتها النفي الدائم والمتكرر من الرئيس مبارك لتطلع ابنه للحكم، أو أنه لم يناقش معه هذا الأمر بالإضافة إلي أنه لم يعلن بشكل أو بآخر - أقصد الرئيس - أنه سيترك الحكم أو سيتقدم لدورة أخري كل ذلك يذهب بنا إلي أن مبارك مازال في الموقع الأقوي بافتراض وجود منافسة أو صراع حسبما يتردد في أحاديث المتصلين بدوائر صناعة القرار السياسي، والحديث عن القوة ليس عشوائيا بالطبع، خاصة أنه الوحيد القادر علي حسم التخبط الحكومي في الكثير من الأزمات والأمور المعقدة التي تثير غضب الرأي العام، الغاضب دائما والمحبط أبدا بفعل الواقع وليس التصريحات وهو ما يعني أنه يدير الدولة بخبرته ومع ذلك هذا كله ليس كافيا لأن يكون مقبولا لدي الرأي العام باستمراره في السلطة قرابة ال 30 سنة دون الدفع بدماء جديدة تحرك المياه الراكدة، وبالرغم من ذلك فإن وصف قدرته بهذه الصورة وحدها يصبح نوعاً من السذاجة في قراءة الواقع المرتبك، فهناك تصورات أخري تشير إلي أن هناك موافقة ضمنية من الأب علي الخطوات التي يخطوها نجله كنوع من التمهيد لتوليه السلطة في وقت ما.. ومن بين هذه التصورات عدم اقدام مبارك علي تعيين نائب للرئيس فهذا الأمر جري تفسيره علي أنه مقصود لأن من يقع عليه الاختيار لهذا المنصب سيحتل صدارة المسرح السياسي كرجل قادم لحكم مصر، ويمكن التجاوب معه شعبيا باعتباره ممارسا طبيعيا ومؤهلا لإدارة الشأن العام في البلد ويدفع أيضا إلي انحسار الأضواء عن جمال مبارك هذا التفسير ربما يختلف كثيرا عن تصورات أخري تري أن اختيار نائب للرئيس ليس مجديا.. خاصة أن مبارك يحيط نظام حكمه مجموعة من الأقوياء الذين امتلكوا بحكم مواقعهم مهارات وخبرات إدارة شئون الدولة وهؤلاء بالطبع لا يمكن إغفالهم أو القفز علي قدراتهم حال وجود صراع فالصراع يحسمه الحزب عن طريق اختيار مرشحه وكثير من الشواهد تشير إلي أن رجال الرئيس في مؤسسة الرئاسة يمسكون بخيوط اللعبة سواء في الحزب أو الحكومة أو البرلمان، بالإضافة إلي أنهم لعبوا أدوارا ملموسة علي المستوي الداخلي والاقليمي والدولي وهم الأقرب بوصفهم أركان حكمه ونظامه، وإذا كان ذلك أمرا واقعيا ومعلوما إلا أن محاولات الابن توسيع دائرة نفوذه وتحركاته تجعل من الصورة أكثر تعقيدا وتضعها في مصاف اللوحات السريالية التي تتاقطع وتتشابك خيوطها وتتناثر ألوانها ولا يستطيع تفسير مضمونها سوي من رسموها، وهذا لا يمنع الآخرين من قراءتها علي هواهم فجمال مبارك يمارس صلاحيات رئيس الحزب الذي هو رئيس الدولة من خلال موقعه الحزبي.. يصدر التعليمات للحكومة وهي تقوم بالتنفيذ، يطرح مع معاونيه مشروعات القوانين في كواليس الحزب والحكومة والنواب يوافقون.. لكن ومع ذلك تغرق الحكومة في بعض الأحيان في شبر ميه، ولا يستطيع إنقاذها من الورطات سوي مبارك أو أحد رجاله في مؤسسة الرئاسة وهو ما يشير إلي أن الأمور في يد الرئاسة وليس الحزب لكن في المقابل هناك بعض الشواهد التي تذهب إلي أن مبارك الابن يسعي لفرض سيطرة الحزب علي مؤسسات الدولة ومن بينها البرلمان والحكومة، فإذا كان الأمر يبدو وكأنه مثل الأغنية النشاز فيجدر بنا أن نسأل ماذا يريد جمال مبارك إذن؟ فهو حتي الآن لم يصدر منه تصريح رسمي حزبي أو شخصي عن رغبته في تولي منصب الرئاسة أما الواقع وبعيدا عن قصة النفي أو التأكيد فيوضح أن الدائرة المحيطة بنجل الرئيس تسعي إلي تقديمه للرأي العام بشكل إعلامي يبدو ركيكاً بأنه «واحد من الناس» يذهب إلي قراهم البعيدة ويخاطبهم بلغة بسيطة، ويناقش المشكلات بوصفه مسئولاً يمثل سلطة الدولة المعنية بالأساس برعاية شئون البلاد والعباد، وهذه جميعها مقدمات لطرحه وتسويقه، لكن في نفس الوقت يعلم جمال مبارك والمحيطون بدائرته في أمانة السياسات وآخرون من قيادات الحزب التي تحمل ما يطلق عليه الفكر الجديد، - يعلمون- أن الوصول إلي كرسي الرئاسة يتطلب مقومات شخصية «كاريزما»، تكونت بفعل الأدوار السياسية التي لعبها علي المسرح عن طريق الصعود التدريجي، وليس بالشو الإعلامي الذي أشرنا إلي أنه ركيك، فواقع الأمر لا يلقي قبولا لدي الرأي العام بالإضافة إلي أنه لا يمتلك المقومات التي يمكن أن يتجاوب معها الشارع والرأي العام فليست هناك أدوار لعبها جمال مبارك تجعل من إظهار صورته في الإطار الذي يمكن أن يوضع فيه المرشح لأرفع منصب في الدولة وهو الرئاسة: ناهيك عن وجود تناقضات كبيرة في شخصية جمال مبارك التي يتم الترويج لها والحقيقة وهذه التناقضات لا تساهم بأي حال من الأحوال في التجاوب معها، فهو رجل بيزنس واقتصاد وعمل في التجارة وفي أحد البنوك الأوروبية «أوف أمريكا» في لندن وأسس شركته «ميد أنفست» ومنذ عشر شنوات استطاع أن يركب قطار السياسة من بوابة الحزب الوطني وسواء البيزنس أو السياسة كلاهما يفتح الطريق واسعا للنفوذ والسلطة، لكن في النهاية هناك فرق بين الصفقات التجارية والأدوار السياسية وبالتالي الترويج من حيث بساطته ليس مقنعا فروح التاجر يغلب عليها عقد الصفقات وشئون الدولة ليست كذلك، اللهم إلا إذا كانت هناك رهانات سياسية أخري لدخول الانتخابات الرئاسة القادمة، منها الابقاء علي قوانين الطوارئ أو في ظل مستجدات يجري الترويج لها علي قدم وساق وهي الخاصة بالحديث العشوائي عن الأوبئة لكن في كل الأحوال ما يجري علي أرض الواقع يقول إن المنافسة الدائرة هي بين مبارك الأب ومبارك الابن دون وجود منافسين آخرين يجري حولهم الجدل لكن الغريب أن تلك المنافسة تجري بمشاركة ورضا من أحزاب المعارضة التي تحولت بفعل الواقع إلي أجنحة للحزب الوطني لكنها تعلق لافتات أخري. وتجري حوارات سرية وتعقد صفقات تساهم جميعها في الابقاء علي الوضع الحالي، أو التوريث في شكل انتخابات وهذا ليس عيبا في جمال مبارك، فربما كان الأمر يختلف لو كان ليس ابنا للرئيس، وأخيرا فإن اتضاح الرؤية لا يأتي إلا بالشفافية والإعلان عن كل ما يجري بشكل واضح وصريح لكننا أمام نفي رئاسي وطموح سياسي ساعي وضاغط وهذا أسوأ ما فينا لأن الضوء لا يقوي علي الظهور إلا عندما نريد جميعا أن نراه.