ثقة الشعوب بحكامها تتوقف على مصداقية الحكام مع شعوبهم. تأسيساً على هذه القاعدة مطلوب من الدكتور محمد مرسى إعلان قائمة ال150 شخصية التى قال انه استشارها قبل إقرار قانون الانتخابات المعيب،من دون موافقة المحكمة الدستورية. فمن حق الشعب على الرئيس معرفة اسماء هذا العدد المهول من مستشارى السوء الذين يستعين بهم الرئيس لكى يورطونه فى قوانين غير دستورية،ومواقف معادية لإرادة الأمة،وتمثل عدواناً جديداً على السلطة القضائية. كيف يستعين الرئيس بهذا الجيش العرمرم من المستشارين،وليس بينهم فقهاء قانونيون ودستوريون أمثال المفكر الإسلامى الدكتور كمال أبوالمجد، والخبير الدستورى الدكتور ابراهيم درويش، والدكتور حسام عيسى،وعشرات غيرهم؟ وهل كان وقت الرئيس المحدود يسمح باستشارة كل هذا العدد المهول من الشخصيات خلال فترة زمنية محدودة جداً،أم أن المغالاة فى الرقم كانت مقصودة للإيحاء بأن الرئيس ديمقراطى حتى النخاع الشوكى؟ السؤال هو لماذا لم يرسل القانون بعد التعديل للمحكمة الدستورية لاقرار صحة التعديلات،بدلاً من المراوغة،واتباع سياسة جديدة فى اصدار التشريعات تأسيساً على مبدأ «ودنك منين يا جحا»؟ ولماذا لم تتضمن المادة»77»من الدستور نصاً يعالج مشكلة عدم التزام السلطة التشريعية بملاحظات المحكمة الدستورية على القوانين الواردة اليها،وبحيث تمكن المحكمة الدستورية من رقابة استثنائية لاحقة حال مخالفة التعديلات،أو سوء تأويلها؟ أما عدد الشخصيات المهول التى استشاره الرئيس، والبالغ 150شخصية فى «عين العدو» فهو بكل أسف يعنى أن الرئيس لا يستشير أحداً، فالشىء اذا زاد عن حده انقلب لضده،والمسئول الذى يحتاج لسؤال 150 شخصاً ليتخذ قراراً،يحتاج لسؤال150 شخصاً للعدول عن قراره.ولعل ذلك ما يفسر لنا الحالة المتردية التى أدخلت البلاد النفق المظلم،وأدت إلى فوضى عارمة،وصلت لانهيار وزارة الداخلية،انها النتيجة الطبيعية لغياب السياسة،وافتقاد الناس الاحساس بالعدل. لقد كان الاعلان الدستورى مقدمة واشية بالفوضى التى عمت البلاد،جراء العدوان على السلطة القضائية،وإرهاب المحكمة الدستورية،واحتقار الاحكام القضائية،والعدوان على معتصمى الاتحادية،وسحلهم على ايدى ميليشيات جماعة الاخوان،وتسليم الضحايا للنيابة العامة،وإفلات المعتدين من العقاب ،ثم تجاهل وقائع مذبحة بورسعيد الثانية،يوم قُتل مواطنون ابرياء على ايدى القناصة،خلال جنازة أحد الشهداء،والتعامل مع المدينة الباسلة باعتبارها زائدة دودية،فلا مسئول زارها،ولا خطاب رئاسى احتوى آلامها وغضبة شعبها،ولا سلطة حاكمة تعهدت بالقصاص لشهدائها. إن الشعب يحصد الآن نتائج الفشل السياسى،وثمار العناد الذى يورث الكفر،ويشهد مؤامرة على ثورة سلمية،هزت الكون كله، وقامت ضد الفساد والقمع والاستبداد،فإذا بنا نعيد انتاج النظام الذى قامت الثورة لهدمه.من حيث القمع والاستبداد،ومن حيث قمع المتظاهرين،وقتل المعارضين،وتعذيب النشطاء السياسيين.وإذا «بحكومة الثورة» تعيد انتاج دولة الاستبداد،بذات الادوات:بالدستور والقانون! إن السلام الاجتماعى لن يتحقق فى غياب «العدل» بالمعنى الاصطلاحى الواسع للكلمة،لا بالمعنى القانونى الضيق،بالشعور الجمعى،لا بالنصوص الدستورية حمالة الأوجه والقابلة للتأويل بحسب الحاجة. ودولة العدل لن تتحقق،إلا بالفصل بين السلطات،وإلا بالتوازن بينها،وبألا تجور سلطة على سلطة أخرى،وألا تتغول السلطة التنفيذية،أو التشريعية على السلطة القضائية،وتلك مبادئ معلومة بالضرورة ومستقرة منذ مئات السنين، والدساتير كما قال «مونتسكيو»،يجب أن تكون تعبيراً عن ارادة المجتمع،وتلك الجماعية لا تحددها فئة واحدة،ولا شخص بعينه،ولو كان الملك»الحاكم»لأن الانسان مستبد بطبعه، وعنده جشع للسلطة ولا يشبع منها! دولة العدل هى الضمانة الرئيسية لاستقرار المجتمع،والدستور التوافقى هو العمود الفقرى لقيام الدولة،والبديل لذلك هو الفوضى التى وصلت تجلياتها إلى حد انهيار وزارة الداخلية،وبما يعنى انهيار الأمن،وانهيار أحد أهم مقومات الدو نشر بتاريخ 11/3/2013 العدد 639