عزيزي الإنسان الذي أجبرته الظروف أن يؤمن بثورة التحرير، واستهلكته شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، حتى ابتلع يقينًا مفاده أن "الصناديق جابت راجل"، يعرّفه أنصاره بأنه مدني على سنة الله ورسوله، يحفظ القرآن ويردد في اليوم والليلة آيات التسبيح والاستغفار، ويفتح "صدره" في الميدان معلنًا بداية عهد جديد، والمجد للإنسان في الميدان، وتعيشي يا ضحكة مصر. في الخلفية، طفل قصير القامة، يجر عربته ومعها أحلامه وطموحاته، ينادي بائع البطاطا "عمر" على بضاعته وكل أمله أن يعود إلى أهله ب"تعب اليوم"، فيطمئن إلى والديه وأخوته. "عسلية" ربما هو الوصف الذي لا تعرفه حياة الطفل، لكنه يضطر لاستخدامه من أجل جلب الزبائن نحو بضاعته، نحو مستقبله القريب الذي يجهل ملامحه. يستند على عربة وقدمين و"كوز بطاطا" لا يسمن ولا يغني من جوع لكنه ملاذ البسطاء الذي يعرفهم عمر ويعرفونه. في مقهى بأحد شوارع وسط البلد، يهلل أنصار المرشح الرئاسي، يهتفون من قلوبهم حتى كادت تخرج ألسنتهم من فرط الحماسة "عايزين واحد يعرف ربنا.. مش فلول ولا عميل". في مصر، يصبح من الصعب تقييم الأشخاص إلا إذا تعلق الأمر بعلاقتهم بالسماء، وفي السياسة السماء شرط الوصول إلى كرسي الرئاسة. الضعفاء لا يفهمون شيئًا عن نظم الحكم ولا يشغلون بالهم بأصول إدارة البلاد، "عايزين واحد يخلينا نعرف ننام في أمان.. ويجيب فلوسنا من برة". المرشح الرئاسي يعتذر عن وفاة طفل صدمته سيارة تابعة لمتطوعي حملته، إنه محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين، أو المرشح البديل عقب فشل ترشح خيرت الشاطر في الوصول إلى القصر الرئاسي، الاعتذار من شيم الكبار، و"مرسي" في حاجة إلى الكبار حتى يصل إلى بر الأمان، لا مانع من الاعتذار أيضًا لشهداء الثورة ومصابيها حتى لو كلفه الأمر أن يهتف في الميدان "يا نجيب حقهم يا نموت زيهم"، هو لا يكذب.. لا يتجمل.. لكنه يعد، والكائنات البشرية تحب بطبيعتها الوعود، أملاً في مستقبل أفضل، أو هربًا من واقع مرير. بحسب منظمة اليونسيف، يقدرعدد أطفال الشوارع فى المدن المصرية ما بين 600 ألف ومليون طفل ، وينظر إلى هؤلاء الأطفال على نطاق واسع كمصدر إزعاج أو كمجرمين محتملين ، ويعد التفكك الأسري، وإساءة المعاملة بالمدارس، والفقر أهم الأسباب الجذرية التى تدفع الأطفال إلى الشوارع، حيث يتعرضون للعنف، وإساءة المعاملة، واعتلال الصحة،كما أن فتيات الشوارع يتعرضن بشدة للانتهاك الجنسي والاغتصاب والحمل. عربة البطاطا توقفت، الدمّ صَبَغ الحياة وِوِقفْ يعلِّمنا، يحكي والد عمر بائع البطاطا "أحد المجندين المكلفين بحراسة السفارة الأمريكية طلب من عمر (بجنيه بطاطا) فرفض عمر، فروعه عسكري الأمن بالسلاح، فخرجت طلقة من العسكري أصابته في قلبه، وتسببت في وفاته". الوالد يسأل "مرسي": هو السلاح لعبة؟! .. إجابة مختلفة تأتينا من عمر نجل الرئيس المفدي "أنا مصري ومش عارف أتعين في البلد"، يضيف الوالد "ابني كان راجل وبيديني كل اللي بيكسبه علشان يساعدني". يوجه رسالته إلى كبير البلد: "ابنك اسمه عمر وابني اسمه "عمر".. عمر "بتاعي" مات يا مرسي وأنت المسئول، أنت كنت في بير واحنا فوق وشديناك.. دلوقتي إحنا تحت في الطين.. وماحدش بيشدنا". أطالع صحيفة "التحرير" فأجد شهادات مروعة ووقائع يقشعر لها الأبدان، أحمد محمد أحمد، أحد المفقودين فى مظاهرات الاثنين 28 يناير، والذى تم العثور عليه فى أحد معتقلات مرسى، يقول: الضرب عرايا، هو ما تعرض له 58 معتقلاً "اتفرموا ضرب" كما يقول أحمد، فور وصولهم إلى المعتقل، مضيفًا "أنا أقل إصابة فهناك إصابات بالوجه.. حتى إن البيادة تركت آثارًا كثيرة على وجوه المعتقلين". وعن طبيعة الحياة داخل المعتقل، يقول أحمد "قضيت داخل معسكر السلام ثلاث ليالى بغرفة ضيقة بها (بطانية) وحيدة يستخدمها 54 معتقلا، قبل أن يتم ترحيلنا إلى النيابة ثم إلى كابوس آخر وهو معتقل الجبل الأحمر". بدا على "أحمد" المعتقل مع أطفال آخرين عينيه علامات التأثر والألم لما تعرض له، تذكر الانتهاكات التى تعرض لها المتظاهرون فى أثناء فترة حكم المجلس العسكرى من تحرش وكشوف للعذرية، استجمع أحمد قواه وأكمل "تعرضنا للاغتصاب والتحرش من قبل جنود الأمن المركزى بأوامر من الضباط". شهادة أحمد الصادمة لا تتوقف عند هذا الحد، بل ما زالت تمتلئ بالجرائم والفظائع، حيث أكمل "كل مجند كان بيعدى يلاقى زميله بيغتصب معتقل.. فيقوم يجامله ويشاركه فى الاغتصاب الجماعى". مقهي وسط البلد لا يزال يمتلئ بالناس، أحاديثهم متفرقة فالبعض يرى أن "البرادعي" عميل أمريكاني، و"حمدين" كل همه الوصول إلى الكرسي، فيما يرى آخرون أن العيشة بقت "تغم" وأن الرئيس ليس هو الرئيس، في الخلفية شاب يقرأ باهتمام مخالفة لكل الأعراف، ارتكبت وزارة داخلية محمد مرسي جريمة جديدة في حق الطفل محمود عادل محمد حسن، الذي لم يتجاوز عمره ال14 سنة، احتجزته بقسم شرطة برج العرب علي خلفية تظاهرات الذكري الثورة الثانية، لمدة عشرة أيام ، فيما يؤكد التقرير الطبي الصادر عن قسم علاج الأورام والطب النووي التابع لمستشفيات جامعة الإسكندرية ، إصابة الطفل "بورم خبيث" بعظمة الحوض اليسري، ويطالب بعودة المريض للمتابعة الطبية بقسم الأورام بعد العرض علي قسم الجراحة. عزيزي الإنسان الذي أجبره عاصرو الليمون على معايشة زمن النهضة، وأضغاث أحلام جماعة لا تزال حتى اللحظة غير قانونية، لا تفكر في مخاطبة النائب العام، فالرجل "والله ما قصر"، أتى طواعية - وبعض الإتيان مذلة – لينفذ تعليمات من جاء به إلى منصب لم يحلم به، فضرب بالقانون عرض الحائط، وتجاهل مئات القضايا الخاصة بحريات المعتقلين، وتعذيب وخطف المواطنين، بل وقتلهم على غرار ما كان يفعله نظام مبارك. عزيزي الإنسان الذي أجبره الزمن على أن يتذكر الأيام الخوالي، ويتساءل "فينها أيام حسني ؟"، حتى الآن لم نجد ضابط شرطة واحد تمت محاكمته في قضية ارتكبها ضد انتهاك، وأسألك : من يحمي هؤلاء ؟ جرائم دولية يعاقب عليها القانون الدولي، تعيد إنتاج النظام السلطوي وتمارسه في أبشع صوره، تعذب الأطفال، وتسرق أحلامهم، تستنزف الحاضر والمستقبل، وتفضح كذب ادعاءات جماعة تأكل بالزيف وتعيش على قتات المصريين، غير أن المشهد المجيد، جدسته عربات عديدة يجرها صبية أشداء رغم التعب والأسى، يزفون عمر رفيق الدرب والميدان، مكملين .. جابت راجل !!