الاحتقان السياسى هو الجزء الظاهر من جبل النار فى مصر، بينما قواعد الجبل الغاطسة تبدو أخطر، وفيها احتقان اجتماعى، نتوقع أن تتدافع مظاهره عاصفة فى عام 2013، وهو العام الذى قد يستحق صفة «عام النار» فى التاريخ المصرى. وبالطبع، لا توجد خطوط فاصلة بين الاحتقان السياسى وانذارات الغضب الاجتماعى، والصلة وثيقة بين عجز السياسة واحتمالات الانزلاق لانفجار اجتماعى، ومعارك السياسة ظاهرة، ولا فرصة كبيرة للوصول إلى مشهد ختام لنظام قابل للاستقرار، وحتى لو جرت الانتخابات البرلمانية بصورة مرضية، فالخلل أعمق بمراحل، ودواعى القلق أكبر من دواعى الاطمئنان، وأصل القصة معروف، فقد ولدت الثورة المصرية الأخيرة بلا قيادة مطابقة، ولا تزال الثورة بأحلامها وأهدافها إلى الآن على رصيف الشارع، وفى خانة المقاومة، تقوم كالعنقاء دائما من رماد، وتتوالى موجاتها العفية ضد صور مستنسخة من حكم المخلوع مبارك، فقد بدا مجلس طنطاوى وعنان امتداداً بالمبنى والمعنى لإدارة المخلوع، وبدا الحكم الهجين «التكنوخوانى» بإخوانه وفلوله امتداداً لإدارة المخلوع بالمعنى دون المبنى، وهو ما يفسر استمرار الاختيارات ذاتها فى الاقتصاد والسياسة، وإن بدت الكفاءة أقل كثيراً، فقد كان ترزية مبارك ممن أكملوا تعليمهم، بينما يبدو ترزية الإخوان كأنهم خرجوا من المرحلة الابتدائية، أو أنهم حصلوا على شهاداتهم المضروبة بالغش وتداعى القيم العلمية، وبدا الرئيس الإخوانى تائها فى سروال الرئاسة، لا تسعفه بلاغة خدام المساجد، ولا الصلوات الأمنية فى كل يوم جمعة، وفى وسط رأى عام أكثر تنبها ويقظة، لا ينخدع بالمسوح الكاذبة، وتفزعه ركاكة حكم الإخوان، وشهواتهم الغلابة فى جمع الغنائم، وإدارتهم للبلد على طريقة الذين يتعلمون الحلاقة فى رءوس اليتامى، وانتهاء حكم الإخوان بسرعة إلى صورة عائلية طبق الأصل من حكم عائلة مبارك، فمرسى «رئيس افتراضى»، وعائلة خيرت الشاطر التجارية تدير قصر الرئاسة وتصدر الأوامر نهاراً، ثم يقوم مرسى بتوقيعها واصدارها فى منتصف الليل، وبطريقة لصوصية للغاية، وبنصوص تطيح بأبسط الاعتبارات القانونية والدستورية، وتشكل جريمة اغتصاب كاملة للسلطة، فقد أخذ مرسى لنفسه سلطة تشريع لم تكن له وقت انتخابه، ثم أعطاها لمجلس الشورى الذى يترأسه صهره أحمد فهمى، وهكذا أعطى من لا يملك لمن لا يستحق، وعلى ذات طريقة وعد بلفور الذى أعطى فلسطين لكيان الاغتصاب اليهودى، وما من مبالغة فى المقارنة، فوجود مجلس الشورى فى ذاته جريمة إهدار للمال العام فوق إهدار القانون، فقد جرى انتخابه بفضيحة، ولم يشارك فى انتخاب ثلثيه سوى سبعة بالمائة من جملة الناخبين، ثم إن المجلس المنكود فى حكم المنحل قانونا بسبب عوار دستورى فى قانون انتخابه، وهو ذات العوار الذى انحل بسببه مجلس الشعب السابق، ثم يجىء مرسى فى نوبة «قراقوشية»، ويعطى المجلس الباطل سلطة التشريع كلها، ويعين تسعين عضوا من عشيرته وأخواتها من جماعة أمن الدولة، وبدعوى أنه يستدرك حقا له سكت عنه لستة شهور عن رئاسته، واستناداً للإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011، والذى جرى انتخاب مرسى على أساسه، ثم تعامل معه كمنديل كلينكس رماه فى أقرب سلة مهملات، ثم تذكره بعد أن جرى الاستفتاء على الدستور الجديد، والذى أقره مرسى بالمخالفة الصريحة لنص المادة ستين من الإعلان الدستورى نفسه، والتى تقول فى عجزها بالنص.. «ويعمل بالدستور من تاريخ إعلام موافقة الشعب عليه فى الاستفتاء»، وهو ما يعنى موافقة هيئة الناخبين التى يقترب عددها الراهن من 52 مليونا، أى موافقة 26 مليونا على الأقل، بينما لم يوافق سوى عشرة ملايين ناخب على الدستور فى الاستفتاء الأخير، وهكذا اجتمع «المتعوس» مع «خايب الرجا» على البطلان الكامل، فالدستور «المتعوس» لا يمثل سوى أقل من عشرين بالمائة من الشعب، ومجلس الشورى المنكود لم يحصل ثلثاه على ثقة أحد سوى سبعة بالمائة من الناخبين، ثم لم يحصل الثلث الثالث سوى على موافقة ناخب واحد هو مرسى نفسه، وهو رجل فقد بالكامل شرعية وجوده فى قصر الرئاسة، وإن كان لم يفقد بعد ثقة مكتب الإرشاد وخيرت الشاطر، وهؤلاء يتخوفون من انتخابات مجلس النواب المقبلة، واحتمالات فقدانهم لأكثرية فى المجلس الجديد، وأرادوا افتعال سلطة تشريع لمجلس الشورى الباطل، وحتى يعرقل عمل مجلس النواب لدى انتخابه، ويتيح الفرصة لمرسى لطرح استفتاء على حل مجلس النواب إن جاء بأغلبية من القوى الوطنية والديمقراطية، وهكذا تتضح الصورة، وتتكشف تداعيات القلق السياسى المرشح للتزايد كلما تقدمت شهور 2013، فوق ما يعرفه القارئ العزيز، وتعرفه القارئة العزيزة من تداعيات ساخنة فى الشارع السياسى، يتوقع لها أن تبدأ فى الذكرى الثانية لثورة 25 يناير 2011، ترفع راية العصيان السياسى، وترفض بالجملة دستور الإخوان وحكم الإخوان. وبالتداخل مع نار القلق السياسى ومليونيات الشارع، تبدو حالة الاقتصاد غاية فى التردى، وتبدو مصر كبلد على شفا إفلاس، وبسبب اتصال نفس السياسات الموروثة عن المخلوع، والتى تزيد الأغنياء غنى، وتزيد الفقراء فقراً، وتشعل الأسعار، وتحطم سعر الجنيه المصرى، وتتجه إلى الخصخصة الكاملة لما تبقى من أصول الدولة وشركاتها، وعلى طريقة «الصكوك الإسلامية» التى هى تكرار حرفى لصكوك محمود محيى الدين رجل جمال مبارك، وهو ما يعنى أن عملية بيع البلد متصلة، فوق رهن الأصول لمصلحة قروض أمير قطر المخول أمريكيا برعاية حكم مرسى، ودعك من التغييرات المحتملة فى حكومات مرسى، وسواء أتى بوزراء من الإخوان أو من المريخ، فسوف تلاقى المصير ذاته، وسوف تحقق ذات الفشل المذهل الذى تحقق لمرسى، فقد انكشف كل شىء وبان، وسوف يخرج رجال مبارك من السجون تباعا، وربما يخرج المخلوع نفسه، وتنتهى المحاكمات الهزلية إلى «الفاشوش»، تماما كما لم يعد مليم واحد من الأموال المنهوبة، كما لن يحاكم طبعا أحد من مجلس طنطاوى وعنان، وكلها عناصر تكمل الصورة البائسة لحكم الإخوان، والتى تبدو مستنسخة بالحرف من دفاتر حكم المخلوع، فقد كانت سياسة مبارك معلقة، ويديرها حكم عائلى معلق، وبلا قاعدة اجتماعية تسند أو تدافع فى لحظة الخطر، وهى ذات الصورة التى يبدو عليها حكم الإخوان بفارق وحيد، فسياسة حكم الإخوان معلقة أيضا، أى أنها تتبع وتخدم مصالح القلة الثرية على حساب الأغلبية الفقيرة، وتستند إلى شبكة ولاء خارجى تنتهى خيوطه إلى واشنطن، لكن حكم الإخوان يختلف فى شىء واحد، وهو استناده لقاعدة اجتماعية تكونت فى عقود من حول تنظيم الإخوان، وهو ما قد يبطىء من حكم الأقدار، لكنه لا يمنع، وقد جرى استنزاف جزء كبير من قاعدة الإخوان الاجتماعية فى شهور القلق السياسى، وبدت امارات الضعف المتزايد ظاهرة على هيئة الإخوان، وبدا كيان الإخوان مترنحا فى انتظار الضربة القاضية، والتى تتداعى المواقيت إلى ساعتها مع انفجار اجتماعى وارد جداً فى «عام النار نشر بتاريخ 31/12/2012 العدد 629