دائماً ما يُحمل المتفرج النقاد بوصايا فهم بمثابة صوته وأحياناً سوطه فهو يريدهم بالنيابة عنه أن يتولوا نقد صُناع عدد من الأفلام بضراوة خاصة تلك التى تثير غضبه وحنقه ولا شك أن فيلم «عبده موتة» بقدر ما تدافع إليه الجمهور بقدر ما أثار أيضاً حفيظة قطاع وافر من الجمهور بالسخط وتمنى عدد منهم أن يمسك بسوط يلهب به ظهر من شارك فى هذا الفيلم. قد تراها ازدواجية لأن الإيرادات تعنى أن الناس كانت فى السينما فلماذا هم يقطعون التذكرة وبعد ذلك يلعنون الفيلم.. الحقيقة إن هذا التناقض كثيراً ما تلمحه فى جوانب كثيرة من حياتنا البعض يشاهد الراقصة ويصفق لها على واحدة ونص ولكنه على الملأ لا يتوقف عن كيل الاتهامات ونعتها بأبشع الصفات!! نجح الفيلم فى تحقيق حالة من التوحد بين بطل الفيلم والجمهور لقد تمت صياغة ملامح البطل على مقاس هذا الجمهور الذى يريد من بطله قوة مفرطة على المستوى البدنى وأيضاً قوة جنسية مفرطة يتباهى بها بين أقرانه وهكذا وجدنا كل النساء من غير المحارم فى الفيلم يقيم «عبده موتة» معهن علاقة معلناً فحولته الجسدية وهذا ما يُحدث تماساً بين الجمهور والبطل حيث يبحث المتفرج لا شعورياً عن شىء من التوحد مع البطل ليغادر مقعده فى دار العرض ليستقر على الشاشة. محمد رمضان هو الأقرب للجمهور المستهدف فى هذا الفيلم والذى حدد المنتج أحمد السبكى مواصفاته فتوجه إليه كما أنه كعادته فى أفلامه التى ينتجها يحرص على أن يحقق العدالة على الارض مثلما حدث فى أفلامه «كباريه» و «الفرح» و«ساعة ونص» فإنه مع «عبده موتة» يحقق ميزان العدالة ولهذا يلقى كل المخطئين عقابهم القاسى ولا توجد تفرقة بين جريمة جنائية وأخرى أخلاقية.. فى المشهد الأخير رأينا الجميع يدفعون الثمن الراقصة يشوه وجهها وشقيقته التى تورطت مع صديقه فى علاقة جنسية تتزوج عقاباً لها من عبيط وكل الرجال المذنبين تسيل دماؤهم بينما البطل يذهب إلى غرفة الإعدام والجمهور يزداد إشفاقاً عليه وتوحداً معه، بل إن اعتراف رمضان بذنوبه أشعرهم بحقه فى المغفرة. الفيلم يضع العشوائيات فى البؤرة تقول الإحصائيات إن أكثر من 5 ملايين يقطنون هذه المناطق وأنهم صار لديهم قانونهم وأصبحوا يشكلون خطراً وهكذا فى غياب الحكومة صنعوا هم دولتهم وقانونهم وحكومتهم. هل نجح الفيلم لتلك الأسباب؟ لا شك أن العيدية لم تجد غيره وذلك بسبب غياب المنافسين، حيث إن الأفلام الأخرى بجواره كانت مهزومة لحظة عرضها أفلام مثل «مهمة فى فيلم قديم» الذى لعبت بطولته فيفى عبده أو «جوه اللعبة» لمصطفى قمر «بارتيتا» لكنده علوش و «30 فبراير» لسامح حسين كانت تحمل سر هزيمتها.. الفيلم الوحيد الذى كان ينافس «عبده موتة» وجاء تالياً له فى ايرادات الشباك هو «الآنسة مامي» برغم أن ياسمين عبد العزيز بطلة الفيلم لم تكن فى أفضل حالاتها خذلها السيناريو ولكن هذه قصة أخرى وفيلم ياسمين يستحق مقالاً آخر. الطبخة التى صنعها أحمد السبكى فى «عبده موتة» لا تستطيع أن تحيلها فقط إلى نجم صاعد كان له قبل عدة أشهر فيلم آخر وهو «الألماني» بنفس المفردات وجرت أحداثه أيضاً فى العشوائيات لم يحقق شيئاً فى الشباك كان ينقصه الصنايعى الماهر الذى يعرف مزاج الجمهور ويحدد مواصفات الطبخة التى يقبل عليها الزبون الذى يتوجه إليه ولهذا فإن عدداً من دور العرض الدرجة الأولى فى القاهرة تحفظت فى عرض الفيلم على شاشاتها خوفاً من استقبال جمهور لم تتعود على التعامل معه.. كل لقطة لا تخلو من رصاص وضرب وخيانة وجنس ومطاردة وغناء ورقص وبسبب الغناء تغير المؤشر من الحديث عن الفيلم إلى مواجهة مع عدد من رجال الدين وذلك بعد أن تقدم عدد من الشيعة بشكوى إلى الأزهر الشريف بحجة أن الفيلم يسيء إلى آل البيت بأغنية «يا طاهرة يأم الحسن والحسين» وكانت دينا ترقص على الإيقاع المفتى شاهد الفيلم ووافق عليه وطالب بحذف الأغنية وهو ما تم بالفعل قبل أن يشاهد المفتى الفيلم حيث إن المنتج حذف من دور العرض تلك الأغنية. الأمر ذهب بعيداً جداً فى محاولة لتصفية الحساب مع العمل الفنى وكل الموالد تجد فيها الأغانى العاطفية الشهيرة يتم تغيير الكلمات العاطفية بأخرى دينية «قولولوا الحقيقة» لعبد الحليم حافظ لها ترديد دينى «روحولوا المدينة» ولا تزال الإذاعة المصرية تحتفظ بهذا التسجيل النادر بصوت «عبد الحليم» وهو يغنى روحولوا المدينة حيث كان يدلل على نجاح أغنيته التى رقصت عليها سنية شخلع أقصد نجوى فؤاد فى فيلم «شارع الحب».. وفى الموالد تجد مثلاً أغانى مثل «عنابى عنابي» و «بياع الهوى راح فين» وغيرهما وقد أصبحت أغانى دينية كما أن أغنية مثل «لجل النبي» للكحلاوى يرقصون عليها وكذلك اغنية قديمة للمطربة لوردا كاش يقول مطلعها «آمنت بالله نور جمالك ايه من الله» كثيرا ما تقدم فى الحفلات الشعبية ويرقصون على إيقاعها والفيلم كان حريصاً على أن ينقل الواقع الذى نعيشه. الجدل المثار حول «عبده موتة» هو الذى دفعنا إلى أن نطل عليه من تلك الزاوية والحقيقة أن الأمر الجدير بالتأمل هو الإيرادات التى فاقت توقعات موزعى السينما عندما تحرك المؤشر السينمائى إلى تلك المنطقة التى يواصل بها «محمد رمضان» تواجده بترديد نغمة درامية محببة قدمها من قبل فى «الألماني» الذى يبدو وكأنه تنويعة على نفس التيمة.. لقد دفعوا برمضان فى التجربة الأولى وحيداً هذه المرة كان الأمر مختلفاً أضافوا إليه دينا وحورية فرغلى ورحاب الجمل وسيد رجب وصوت المطرب الشعبى محمود الليثى مع درجة حرفية أعلى فى التنفيذ ومعرفة أدق بطلبات الزبون.. المخرج كان يراعى فى كل مشهد العثور على نقطة ساخنة، خناقة أو علاقة جنسية أو مطاردة أو أغنية أو رقصة دائماً أمامك شيء يسرق اهتمامك.. صناع الفيلم لا يبذلون أى جهد فى محاولة للتجديد مثلاً كاتب السيناريو والحوار محمد سمير مبروك بين الحين والآخر كان حريصاً على أن يعثر على تلميح أو تصريح جنسى لإحداث صدمة لدى المتفرج.. الهدف أن تتوحد مع البطل الذى حاول أن يبحث عن لقمة عيش شريفة ولكنهم سرقوها منه وعليك قبل أن تغادر دار العرض أن تغفر له كل أخطائه وخطاياه.. المؤشر للبطل القادم هو مزاج جماهيرى يصنع نجومه ويتوحد معهم.. التوجه إلى العشوائيات ليس جديداً قدم خالد يوسف قبل خمس سنوات «حين ميسرة» وأطلق بعدها عمرو سعد نجماً.. هذه المرة كانت الجرعة العشوائية أكبر ومنها انطلق محمد رمضان أو «عبده موتة» القائل «اللى مايرضاش عنه ربه يقع فى طريق عبده»!! كنا بصدد فيلم تجارى لا يحمل أكثر من محاولة لاستثمار كل ما يمكن استغلاله لتحقيق الإيرادات وجذب المتفرج إلى دار العرض.. جرعة الدموية والعنف كانت زائدة ولكن الجمهور بقدر ما كان يلعن الفيلم وصناعه كان يقبل أيضاً عليه ويصفق للبطل وأطلق نجم إيرادات قادم اسمه محمد رمضان وتلك دائماً هى دائماً شريعة قطاع وافر من الجمهور يلعن الفيلم ويصفق للبطل نشر بالعدد 622 بتاريخ 12/11/2012