تتميز آراء الدكتور محمد غنيم رائد زراعة الكلى فى الشرق الأوسط والناشط السياسى المعروف بالعقلانية والحكمة، عندما نتحدث معه فى القضايا السياسية يستعير «غنيم» السياسى من «غنيم» الجراح مبضع الجراحة لنراه يشرح ويعالج المشكلات المثارة على الساحة بمنتهى الدقة ويزن كلماته بميزان الذهب.. التقينا الدكتور غنيم وسألناه عن أزمة اللجنة التأسيسية للدستور وجامعة «زويل» ومستقبل البحث العلمى فى مصر، ورأيه فى آداء الدكتور محمد مرسى وغيرها من القضايا التى تهم الشارع المصرى. ■ مصر رايحة على فين؟ - مصر تعانى تراجعًا اقتصاديًا وضبابية سياسية نتيجة مرحلة انتقال غير سليمة سياسياً، ولدينا مشاكل عديدة فى سيناء ومشاكل التراجع الأمنى، وأمامنا أولويات لم تحسم، ولم تستقر بعد مثل الدستور والأمن. ■ ما رأيك فى الاتجاه إلى أخونة الدولة؟ - هناك فرق بين النظام والدولة، وفى حالة الجمهورية الرئاسية ووجود رئيس منتخب فمن حق رئيس الجمهورية اختيار المجموعة الوزارية كلها سواء من المجلس الوزارى أو المستشارين أو المحافظين والأجهزة التنفيذية وخلافه، ولكن هناك مفاصل للدولة عليه ألا يقترب منها مثل اللجنة التأسيسية للدستور، والمجلس الأعلى للصحافة، والمجلس الأعلى لحقوق الإنسان، لأن الاقتراب منها يعنى أن هناك اتجاهًا مؤكدًا لتسييس وأخونة الدولة. ■ ما تقييمك لمسودة الدستور.. ومَنْ مِنْ الشخصيات كنت تتمنى وجوده؟ - مسودة الدستور تعكس تكوين تشكيل الجمعية التأسيسية التى تسىء لهذا الدستور، لأن تكوينها غير متوازن ولم يمثل كل أطياف وطموحات الشعب المصرى، وبالتالى فإخراجها غير متوازن، وكان هناك بعض الشخصيات التى أتصور أنها يجب أن تكون موجودة مثل الدكتور «إبراهيم درويش» ؛ والدكتور «لطفى فرحات»؛ و الدكتور «مصطفى بدوى»، والدكتور «أحمد كمال ابوالمجد»، والدكتور «يحيى الجمل»، والدكتور «محمد البرادعى»، و «كمال عيطة» عن العمال، و «عبد المجيد الخولى» عن الفلاحين. ■ ماذا تتوقع فى البرلمان القادم.. هل سيسيطر الإخوان المسلمون عليه؟ - هذا يتوقف على قدرة الأحزاب من الوسط واليسار ويسار الوسط على عمل إئتلاف قوى متماسك، وطبعاً الإخوان يراهنون على 3 أشياء هى الفقر، والجهل، وتشرذم الأحزاب المدنية والتيارات السياسية المدنية، فإذا استطاعت هذه الأحزاب والتيارات أن تتغلب على هذا التشرذم ستكون هناك فرصة جيدة. ■ ما موقفك من إضراب الأطباء الجارى الآن؟ - شباب الأطباء بعد دراسة طويلة غير مكتملة نجد مرتباتهم فى غاية الضآلة لذلك فهم لديهم كل الحق من الناحية الفئوية المحضة. ■ ما الوضع الذى يجب أن تكون عليه وزارة الصحة والطبيب المصرى؟ - وزارة الصحة فى مصر تمارس دورين هما : دور الصحة العلاجية ودور الصحة الوقائية التى تشمل التطعيمات والرقابة على الأغذية والأدوية وطب الأسرة وخلافه ؛ وأنا أقترح أن يكون للطب العلاجى مؤسسة مستقلة تضم تحت مظلتها المستشفيات الجامعية والعامة والمركزية والقوات المسلحة والهيئات الصحية، بذلك يمكن أن يأخذ كلا القطاعين حقهما ويؤديان عملهما بشكل أفضل. ■ ما تقييمك للمنظومة التعليمية والجامعات فى مصر؟ - التعليم فى حالة تراجع منذ سنوات، والتراجع سببه أساساً أنه لم يستقر فى وجدان أصحاب القرار منذ زمن أهمية التعليم بجميع حلقاته سواءً كان الإبتدائى أو الفنى أو الجامعى أو البحث العلمى، والموازنات الخاصة لهذه الدوائر الأربع محدودة ولاتكفى وهذا ينعكس على التعليم الأساسى، حيث يوجد التسرب من التعليم، بالإضافة إلى 30% من الشعب لا يقرأ ولا يكتب، والدروس الخصوصية.. ومشاكل كثيرة جداً. ■ ما رأيك فى الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات المتكررة بمحافظة الدقهلية.. وهل ترى أن نصيب الدقهلية فيها أكبر من غيرها؟ - الوقفات الإحتجاجية موجودة فى كل أنحاء مصر والمطالبات الفئوية تعكس حالة التراجع الاقتصادى، والمسألة تتلخص فى أنه لم تتخذ حتى الآن الإجراءات التى كان يجب أن تفرزها الثورة، وطالما أن هذه الإجراءات لم تتخذ حتى الآن.. إذن فليست هناك مصداقية، و لو أن الرئيس كان اتخذ هذه الإجراءات لاستطاع أن يخاطب الأمة قائلاً: (لقد اتخذنا هذه الإجراءات وسوف نتخذ إجراءات أخرى ولكن عليكم بالصبر)، فكان من المفروض فرض ضرائب تصاعدية، وضرائب على التحويلات الرأسمالية، ورسوم على التداول فى البورصة، ورسوم على أرباح الودائع البنكية، وقوانين ضارية ضد الاتجار بأقوات الشعب، والغاء الدعم إطلاقاً وفوراً على الوقود المدعم للمصانع كثيرة الإستهلاك للطاقة، تحديداً مصانع الحديد والأسمنت والسيراميك، ولكن ما حدث (أنه مفيش إجراءات يبقى مفيش مصداقية). ولابد أن تكون هناك شفافية فيما يختص بوضع منظومة زمنية يتم الإعلان فيها قرارات كذا وكذا.. قبل ذلك الناس لن تصدق السلطة حينما تقول (اربطوا الحزام ). ■ كيف ترى النموذج الأمثل للعمل الشعبى وحدوده؟ وهل تؤيد وجود لجان شعبية لحفظ الأمن مثلا؟ - ليس على الشعب سوى الانصراف للعمل والإنتاج، ولكن هذا يستلزم مصداقية من الحكام، وليس لهم دخل بالأمن والأمان، وليتركها الشعب لمؤسساتها، لأنه لايمكن أن تكون هناك مؤسسات موازية، وإلا سيكون هناك ميليشيات. ■ ما توقعاتك للتيار الشعبى المصرى فى المرحلة القادمة؟ - التيار الشعبى المصرى مازال فى مرحلة التفاوض، فهو عبارة عن إئتلاف للقوى الوطنية المصرية، ومازال فى مرحلة التطور وأمامه مرحلة لينشأ قوياً غير قابل للتشرذم والتفكك بإذن الله. ■ ما حقيقة أزمة مدينة زويل العلمية، وما آخر ما توصلتم إليه فيها؟ - أنا متعجب ومستغرب جداً من الهجوم الشرس على مدينة زويل العلمية وعلى الدكتور أحمد زويل نفسه، ولا أفهمه ؛ فهذا الرجل الذى يحاول جاهداً إنشاء مؤسسة عظيمة متكاملة، وليست جامعة، تقود إلى معارف القرن ال 21 وتكسب مصر القوى الناعمة، والقوى الخشنة إذا لزم الأمر ؛ والسبب فى هذه الأزمة هو وجود مشكلة قانونية جسيمة تم التصالح بشأنها بأن قام مجلس أمناء جامعة النيل «المؤسسة الحاضنة لجامعة النيل للعلوم والتكنولوجيا» بالتنازل عن المبانى والأموال فى البنوك لوزارة الإتصالات قبل أن يطرح مشروع زويل، ولكن للأسف لا أحد يريد أن يقول هذا الكلام؛ فجامعة النيل كانت تعمل ولا تزال قائمة داخل القرية الذكية، ونحن مجلس أمناء مدينة زويل العلمية لا نرضى بأى تأخير لطلبة جامعة النيل والذين يبلغ عددهم 88 طالبًا. وقد تم تقديم 3 اقتراحات، الأول هو الاندماج مع مدينة زويل العلمية وهذا الإقتراح تم تقديمه منذ ديسمبر 2011 م، ولكنه قوبل بالرفض ؛ وجاء الاقتراح الثانى الذى طرح فى إجتماع اللجنة الوزارية حول إمكانية استمرارها فى القرية الذكية، ولكن اتضح أن هذه الجامعة ليست لديها القدرة المالية لدفع الإيجار. فاقترحنا الاقتراح الثانى لأسباب إنسانية وعلمية أن تقوم مؤسسة زويل بدفع الإيجار بدلا من جامعة النيل لمدة 3 سنوات حتى يتمكن الطلبة من الدراسة فورا منذ اليوم.. بل منذ الأمس، وتم رفض هذا الاقتراح أيضا. فجاءت لجنة وزارية مكونة من ممثلين من وزارات (التعليم العالى، العدل، الاتصالات والإسكان) لتفقد مشروع مدينة زويل العلمية، واستمعوا إلى وجهة نظر ممثلين عن جامعة النيل وخرجوا باقتراح الحكومة وهو حق الانتفاع بالعمل مؤقتا، وحق الدراسة فيما يعرف بالمدينة التعليمية فى 6 أكتوبر، ولكن قوبل هذا الإقتراح بالرفض أيضا، والكرة الآن فى ملعب مجلس أمناء جامعة النيل. فى الحقيقة الطلبة يستطيعون منذ الأمس لو أرادوا ان يستكملوا دراستهم فى القرية الذكية كما كانت، ومجلس أمناء جامعة زويل العلمية مستعد لتقبل ذلك إنسانيا وليس لضعف المركز القانونى، ولديهم استعداد أيضا لدفع الإيجار. ■ ما هو تقييمك لآداء الدكتور «محمد مرسى»؟ - طبعاً هو أعطى وعودًا للشعب ولم يتمكن من تحقيقها مثل إعادة تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور، وتعيين نائب قبطى ونائبة امرأة فى حال نجاحه فى انتخابات الرئاسة، فهذه مشاكل ومهام أعمق من بنود خطة المئة يوم التى تحدث عنها فى برنامجه الانتخابى خلال الانتخابات الرئاسية، وكأنه اختصر مشاكل مصر فى النظافة والمرور، وهذه مشاكل لها جذور عميقة، ولا يمكن حلها فى مئة يوم ولا حتى فى 200 يوم، فهذه كلها كانت شعارات شعبوية. ■ هل يتجه الاقتصاد المصرى نحو الهاوية كما يردد البعض؟ - اقتصادنا بالطبع فى وضع صعب، الموازنة بها 170 مليار دولار بالسالب، والديون المحلية اقتربت من 70% من الدخل القومى.. وهذا الرقم خطير جدا، فضلا عن الديون الأجنبية، بالاضافة إلى تناقص احتياطى البنك المركزى إلى 35 مليار جنيه، ولتحسين الوضع لابد من الأخذ بالاقتراحات التى سبق وأن ذكرتها وهى استقرار الأمن وعودة السياحة وتعديل اتفاقات الغاز..تمهيدا لمرحلة نمو انتقالية إن شاء الله.