بالطبع، لا علاقة للمقال أدناه بعيد الأضحى المبارك، ولا بذبائح الموسم، فالقصة سياسية محضة، وليست دينية بأى معنى، والرئيس مرسى يتعرض لعملية ذبح سياسى، يشارك فيها الرئيس بنفسه، ويضع رقبته تحت حد السكين كرهًا أو طوعًا، وينزل بمقام الرئاسة إلى الدرك الأسفل، وربما لا تنجيه صلواته الأمنية، ولا استفتاحات خطبه وثرثراته اليومية باسم الله وبالصلاة والسلام على النبى الأكرم، فليس الإيمان ما يقال، بل ما وقر فى القلب وصدقه العمل، وعمل الرئيس حتى تاريخه مما لا يدخل الجنة فى الآخرة ولا يقيم السعادة والعدل فى الدنيا(!). وقبل أسبوعين، التقيت بالمصادفة صديقًا شخصيًا من قادة الإخوان المسلمين، وقال لى فيما قال إن سير الحوادث ينطوى على مفارقة، وهى أن شعبية الرئيس مرسى تزيد، بينما تنخفض شعبية الإخوان، قالها لى فيما يشبه الغيظ الممزوج بالحسرة، بدا الشعور مفهوما، وإن احتمل ضيقا إخوانيا من شخص مرسى، وعلى طريقة أن الحسنة إن وجدت تخص مرسى، أما السيئات فتعم على الإخوان جميعا، بدت زاوية نظر الصديق الإخوانى محقة فى لحظ انخفاض شعبية الإخوان، وبمعدلات تبدو مطردة، وبرغم ما يتيحه وجود مرسى فى الرئاسة من إمكانيات مضافة لعمل الإخوان، وتسخيرهم لموارد الجهاز الإدارى للدولة، وكأنها غنيمة مضافة لمليارات الإخوان مجهولة المصدر، ما علينا، المهم أن ملاحظة القيادى الإخوانى عن انخفاض شعبية جماعته فى محلها تماما، لكن الحديث عن ارتفاع شعبية مرسى لا يبدو كذلك، وقد نجح مرسى فى الوصول لكرسى الرئاسة، وفاز بالكاد بدعم قوى وطنية وديمقراطية من خارج التيار الإسلامى فى عمومه، فلم يكن بوسع الإخوان والسلفيين إنجاح مرسى، والذى أضاف إليه نسبة الفوز الحرج دعم قوى وطنية ثورية أرادت تجنب ذهاب الرئاسة لأحمد شفيق، وكان كاتب السطور ممن فعلوها، وعلى قاعدة وجود خلاف جنائى مع شفيق، بينما الخلاف مع مرسى سياسى، ودعوت وقتها إلى التصويت لمرسى على طريقة أكل الميتة ولحم الخنزير، فضلت اختيار النار على الوقوع فى العار، وقلت وقتها إننى سأكون أول المعارضين لحكم مرسى، ولسبب موضوعى غاية فى البساطة، وهو أن حكم مرسى لن يكون غير نسخة أخرى من حكم مبارك، ومع مراعاة فروق التوقيت، وصدقت الحدوس والتوقعات والرؤى، ولم يعد من فارق ملموس بين حكم مرسى وحكم مبارك فى اختيارات السياسة والاقتصاد الأساسية، فالفروق كلها شخصية عابرة، ومن نوع أن بيانات بطاقة الرقم القومى لمرسى مختلفة عن بيانات المخلوع، ثم إن مبارك كان يبدو كتمثال جامد من الشمع، كان يبدو كإنسان آلى يقرأ نصوصا مكتوبة بحروف بارزة، بينما مرسى الأقل سنا، يحتفظ بلحيته بعد التهذيب الرئاسى، ويبدو ثرثاراً بالخلقة، وميالا إلى الارتجال الخطابى، ولا يكف عن الكلام، وإلقاء الخطب والمواعظ، ومراءاة الناس بصلواته الأمنية كل يوم جمعة، ويبدو كخادم مسجد بأكثر منه سيادة الرئيس، وكلها فروق شخصية مفهومة، لولا أنها تستنزف الملايين من خزانة الدولة المنهكة، فوق حرمان الآلاف من قوات الأمن المكلفة بحماية مرسى من أداء صلاة الجمعة، وتلك آثام دينية يتحملها مرسى أمام شعبه وربه، وتفرغ افتعالاته الدينية من مضمونها الافتراضى، وتضلها عن غايتها فى كسب شعبية مصنوعة، وبابتزاز المشاعر الدينية لشعب مؤمن وموحد بالفطرة، وقد بدا بالقرب من لحظة التنصيب الرئاسى، أن صورة «الرئيس المؤمن» المتواضع قد تجلب العطف الشعبى، مع أنها استنساخ بالكربون للصورة ذاتها التى أرادها لنفسه الرئيس الأسبق أنور السادات، والذى كان يقول دائما إنه «رئيس مسلم لدولة مسلمة»، وأنشأ ما أسماه وقتها «ديوان المظالم»، وهو التقليد ذاته الذى استعاده الرئيس مرسى، لم يكن السادات إخوانيا، لكنه أراد استخدام المشاعر الإسلامية كذخيرة للانقلاب على خط عبدالناصر، وهكذا يفعل مرسى «الإخوانى»، ويمشى على خط الوطنية المصرية ب«أستيكة»، وكما اشتهر الرئيس السادات صاحب المزاج العالى بتعبيرات من نوع «صديقى كيسنجر» و«صديقى بيجين»، فقد قلده الرئيس مرسى فى خطابه الغرامى الفضائحى إلى رئيس كيان الاغتصاب الإسرائيلى، وخاطبه بعبارة «صديقى العزيز العظيم شيمون بيريز»، وختم الخطاب الفضيحة - بعبارة «صديقك الوفى محمد مرسى»، وزاد الطين بلة بتدنيس اسم الجلالة، ووضع عبارة بسم الله الرحمن الرحيم أعلى الخطاب الخيانى، كان انزلاق السادات إلى صداقة إسرائيل نذير شؤم شخصى، وانتهى باغتياله الدامى فى حادث المنصة الشهير، وقد لا يلقى مرسى نفس مصير السادات الدموى، لكنه يتعرض بالفعل لعملية اغتيال وذبح معنوى، كانت الجماعات الإسلامية هى التى اغتالت السادات جسديا، ولم تكن جماعة الإخوان وقتها عند منصة إطلاق النار، لكن جماعة الإخوان حاضرة عند منصة الاغتيال المعنوى لمرسى، وحتى إن كانت تظن أنها تحسن صنعا. صحيح أن مرسى يبدو فى صورة الكادر الإخوانى المطيع، وعقيدته الثابتة أن الطاعة سبيل الترقى، لكن جماعة الإخوان تريده أن يطيع فوق ما يطيق، وتفرض عليه حصارا مشددا فى بيت الرئاسة، وتحيطه بمستشارين غاية فى الرداءة، يوقعونه فى الخطيئة بعد توالى الأخطاء، بعض هؤلاء المستشارين والمساعدين من جماعة خيرت الشاطر رأسا، ومن ماركة حسن مالك وعصام الحداد وأحمد عبدالعاطى وياسر على، وهم يتعاملون مع مرسى كموظف فى بلاط الجماعة صاحبة الجلالة، وآخرون من المتأخونين، أو من ذوى الانتماء «السرى» لجماعة الإخوان، هؤلاء جميعا يورطونه فى نصائح قانونية مهلكة، وفى دفعه لقرارات غير مدروسة، وهو ما جعل الرئيس يبدو فى صورة فنان الكوميديا الشهير عبدالفتاح القصرى، والذى لعب دوراً تمثيليا لا ينسى فى فيلم «ابن حميدو» دور «المعلم حنفى» بشواربه التى يقف عليها الصقر، لكنه يبدو غاية فى الضعف والتردد أمام زوجته المفرطة فى بدانتها الجسدية، واشتهر «المعلم حنفى» بعبارته الشهيرة «كلمتى ما تنزلش الأرض»، وبعد أقل من عشر ثوان، وبعد أن يلمح شرر النار فى عين الزوجة البدينة، تجد عروق «المعلم حنفى» النافرة قد ارتخت، وتجد المعلم حنفى، وقد أحنى رأسه، وأضاف عبارة المذلة بعد عبارة البجاحة، وتجد عبارة «كلمتى ما تنزلش الأرض»، وقد انتهت إلى إضافة «تنزل المرة دى»، وهكذا بدا مرسى فى قرارات كبرى، يقلد «المعلم حنفى» بالضبط، يصدرون له أخطر القرارات، ومن نوع إعادة البرلمان المنحل وإقالة النائب العام، ثم يضطر الرجل إلى سحب القرارات، ويبتلع خيبته، وحتى القرار الوحيد المهم الذى لم يتراجع فيه، وهو إقالة المشير طنطاوى والفريق عنان والذى زاد شعبيته وقتها قليلا، عاد فتراجع عنه عمليا، وخضع ل«فيتو» قيادة الجيش الجديدة، والتى قررت فرض حمايتها على طنطاوى وعنان، وهو ما يثير ذعر مرسى، ويجعله خائفا مستريبا فى نهاية لعبة ورطته فيها جماعته الإخوانية، والتى تدير له قراراته، وتهوى بسمعته الرئاسية، وتذبحه معنويا، ولن تتردد فى خيانته إن فكر فى خيانتها، وخرج من بيت الطاعة نشر بالعدد 620 تاريخ 29/10/2012