فى مثل هذا الوقت من أكتوبر عام 1962 اندلعت أزمة الصواريخ الكوبية التى كانت ستتسبب فى حرب نووية، والتى استمرت 13 يوما، وفى هذه الذكرى ال60 منذ عقود أصبحت الأسلحة النووية مرة أخرى موضوع نزاع بين روسيا والحرب بسبب الحرب فى أوكرانيا وتهديدات الرئيس الروسى فلاديمير بوتين. كوبا من جانبه، أصدر الرئيس جو بايدن تحذيرًا مظلمًا وغير عادي قبل أسبوعين من أن تهديدات بوتين قد تتصاعد إلى صراع نووي، وقال بحزن: "لم نواجه احتمال حدوث ما حدث منذ كينيدي وأزمة الصواريخ الكوبية". واضاف ان "بوتين لا يمزح عندما يتحدث عن استخدام اسلحة نووية تكتيكية او بيولوجية او كيماوية"، وهو ما يثير مخاوف من تكرار سيناريو ازمة الحرب النووية.
وعلى بعد 90 ميلاً فقط من فلوريدا ، قام الاتحاد السوفيتي بتركيب صواريخ نووية قوية للغاية بحيث يمكنها الوصول إلى أي من الولاياتالأمريكية، وكانت كوبا حتى عام 1959 متحالفة بشكل وثيق مع الولاياتالمتحدة تحت قيادة الجنرال باتيستا ، وكانت الولاياتالمتحدة المستهلك الرئيسى لما تنتجه كوبا من سكر وتبغ، وفقا لصحيفة "الاونيبسيون" الفنزويلية.
ما أزمة الصواريخ؟ فى عام 1959 تمت الاطاحة بباتيستا فى ثورة قادها الزعيم الكوبى فيديل كاسترو، والتى كانت الخطوة الأولى للذهاب الى الولايات المتجدة لتأمين دعم واشنطن ، ولكن الرئيس أيزنهاور رفض التحدث، ولذلك لجأ كاسترو مع ممثلى الاتحاد السوفيتى الذين عرضوا دعهم لحكومته الجديدة.
وبعد الغزو الفاشل لخليج الخنازير فى عام 1961 عاشت كوبا فى سرية تعيد الكائرات والسفن الحربية للولايات المتحدة، وفى هذا السياق وافق رئيس الورزاء السوفيتى نيكيتا خروتشوف مع فيدل كاسترو على ارسال صواريخ نووية الى الجزيرة لردع اى محاولات غزو مستقبلية .
ويُعتقد أن البناء والتركيب للصواريخ بدأ فى صيف هذا العام ، وقام كاسترو بتأميم جميع الشركات المملوكة لأمريكا في كوبا، ورفض دفع تعويضات. وهكذا بات للولايات المتحدة دولة شيوعية "في حديقتها الخلفية".
رد الرئيس كينيدي للمرة الأولى وأصدر تحذيرًا للسوفييت: سترى واشنطن تركيب أسلحة نووية في القارة الأمريكية ، التي تعتبر تقليديًا منطقة نفوذ الولاياتالمتحدة ، كخط أحمر.
وعلى أثر ذلك اتخذت الولاياتالمتحدة هذه الخطوات، التى كان اولها الحظر التجارى، حيث فرضت حظرا تجاريا على السلع الكوبية، وحرمت الكوبيين من سوق للسكر والتبغ والدخل لاستيراد النفط والسلع الأساسية الأخرى، كما قامت المخابرات المركزية الأمريكية بإنزال 1400 من المنفيين الكوبيين في خليج الخنازير على الساحل الجنوبي لكوبا بهدف إثارة انتفاضة مناهضة للشيوعية.
في هذا السيناريو ، قامت الولاياتالمتحدة بتركيب صواريخ نووية في تركيا وإيطاليا، وهو ما جعل اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية يشعر بأنه محاصر ، حيث ان ادخال الاسلحة النووية الى كوبا كما كتب خروتشوف فى سيرته الذاتية ، كان فرصة للسوفيت لإعطاء الولايات المتحدى أدويتها الخاصة.
و أراد خروتشوف تقوية موقعه السياسي في الاتحاد السوفيتي وأن يظهر لحكومته أنه لم يكن لينا مع أمريكا، كما أراد دعم الدولة الشيوعية الجديدة في "حديقة العم سام الخلفية"، والتأكد من أن الأمريكيين لن يحاولوا القيام بعملية أخرى مثل خليج الخنازير للإطاحة بكاسترو.
وكان فى 14 أكتوبر 1962 ، التقطت طائرة تجسس أمريكية تحلق فوق كوبا صورا تظهر بناء مواقع إطلاق الصواريخ السوفيتية، وقدر الخبراء أنها ستكون جاهزة للعمل في غضون 7 أيام. وفي غضون ذلك، اكتشفت طائرة تجسس أمريكية أخرى 20 سفينة سوفيتية تحمل صواريخ نووية في المحيط الأطلسي متجهة إلى كوبا.
تطور التوتر ولكن تطورت الاحداث ، ولم يستطع الجيش أن يعطى كيندى اليقين بأن القصف الجوى سيدمر مل الصواريخ ، وكانت الأسلحة التى كانت فى كوبا أقوى من قنبلة هيروشيما بما يتراوح بين 66 و150 مرة، لذلك يمكن لواحدة منهم أن تقصف مدن مثل نيويورك أو واشنطنوكان من الممكنأن يكون هناك مئات الالاف أو ربما الملايين من القتلى. ولذلك فقام كينيدى بتقديم بعض المقترحات للتعامل مع التهديد السوفيتى فى كوبا ، والتى منها ، تجاهل الصواريخ ، ومشاركة الاممالمتحدة، وحصار كوبا حيث قام باطلاق عليها منطقة حجر صحى ، وشن هجمات جوية.
كيف تم حل أزمة الصورايخ؟ وفى 22 أكتوبر أمر بفرض حصار بحرى على كوبا لمنع مرور السفن الحاملة للصواريخ النووية، وقال فى تلك الليلة فى إشارة واضحة إلى أن أى هجوم من شأنه أن يرسل قوتين للحرب ، وبعده بيوم تلقى كينيدى رسالة من خروتشوف يقول فيها إن السفن السوفيتية لن تتوقف عند الحصار، لكنها ستشق طريقها، وفى يوم 24 أكتوبر عادت السفن العشرين التى تقترب من الحصار أدراجها لتجنب المواجهة من البحرية الامريكية، وفى 25 أكتوبر ، أفادت طائرات تجسس أمريكية بزيادة وتيرة أعمال البناء في مواقع إطلاق الصواريخ في كوبا، وبعدها بيوم تلقى كينيدي رسالة من خروتشوف يعد فيها بإزالة مواقع إطلاق الصواريخ إذا وافقت الولاياتالمتحدة على رفع الحصار ووعدت بعدم غزو كوبا، ثم فى يوم 27 كانت وصلت الرسالة الثانية من خروتشوف تقول إن مواقع الإطلاق ستتم إزالتها فقط إذا أزالت الولاياتالمتحدة صواريخها في تركيا، وقد اختار كينيدي الرد فقط على البرقية الأولى بينما عرض بشكل خاص النظر في إزالة الصواريخ من تركيا، واخيرا فى يوم 28 أمتوبر كانت رسالة كينيدى بأن خروتشوف وافق على إزالة الصورايخ واعادتها الى الاتحاد السوفيتى.
انتصار مزدوج اعتبر الجانبان أنهما حققا النصر، حيث أنقذ خروتشوف النظام الشيوعي في كوبا من غزو الولاياتالمتحدة، وتفاوض على صفقة مع الولاياتالمتحدة بشأن إزالة صواريخ جوبيتر الخاصة بهم في تركيا. ومن جانبه، حافظ كينيدي على وعده الانتخابي ووقف في وجه الاتحاد السوفيتي، وأبقى الصواريخ النووية خارج كوبا.
ما هى الدروس المستفادة من أزمة الصواريخ الكوبية؟ كانت الحرب الباردة وبعدها ادت ال تحسين العلاقات بين الاتحاد السوفتى والولاياتالمتحدة ، فمنذ ذلك الحين ، بدأ قادة البلدين أيضًا في إعادة النظر في سباق التسلح النووي واتخذوا الخطوات الأولى للاتفاق على معاهدة حظر التجارب النووية فى عام 1963، مع بدء عملية انهاء تجارب الاسلحة النووية.
كما زادت شعبية كينيدي ، التي تمزقها الهزيمة في خليج الخنازير ، وكان يُنظر إلى الرئيس على أنه الفائز في أكبر نزاع بين القوتين النوويتين.
وقدمت الولاياتالمتحدة نفسها على أنها الدولة التي لم تقدم أي شيء في المقابل ، لأنها أكدت أنها بأي شكل من الأشكال ليست لديها خطط لغزو كوبا.