لا يعرف الكثير من شبابنا وبالذات شباب الألتراس شيئا عن البرازيل سوى أنها الدولة الأشهر فى العالم فى لعبة كرة القدم! وقد يسخر البعض منى ويقولون لى «ياعم سمعنا صمتك»! وهل يعرف شبابنا شيئا عن بلدهم حتى تلومهم لأنهم لا يعرفون شيئا عن البرازيل! وإذا كان هذا التساؤل مشروعا وعلى قدر كبير من الصواب.. فإننى لا ألوم هؤلاء الشباب وأرى أن العيب ليس فيهم ولكن فى المناخ المسموم الذى كان ومازال يغلف حياتهم!.. خلال العقود الثلاثة الماضية حدث تجريف كامل للشخصية المصرية.. والتجريف مصطلح يعنى فى عالم الزراعة نزع طبقات من الأرض الزراعية يفقدها خصوبتها ويحولها إلى أرض ضعيفة غير قادرة على انتاج عنب أو زيتون أو حب.. وهذا بالضبط ما حدث للاجيال التى ولدت خلال تلك العقود! هذه الاجيال تعرضت لعملية غسيل مخ وتزييف وعى.. وتصوير الأمور على أن الانتصار فى كرة القدم هو كل المراد من رب العباد.. والهدف المنشود والانتماء الاعظم ان ينتصر الفريق الذى يشجعه هذا الفصيل أو ذاك! وبالتالى تحول المجتمع الى فرق وشيع متصارعة.. صراع ومشاجرات على الملعب! أما الجسد فلا مكان له بيننا! ولعب الاعلام دورا أساسيا فى هذه العملية وكان مشاركا فى كل فعالياتها! وشطح بنا الخيال.. وأدخل المسئولون والقائمون على شئون البلاد فى نفوسنا أننا بالفعل اصبحنا قوة كروية عظمى مثل البرازيل! وبالتالى من حقنا تنظيم أكبر البطولات وهى بالطبع كأس العالم لكرة القدم.. ولذلك تقدمنا بطلب مرفق به ملف لتنظيم هذه البطولة! وكان لابد من صدمة تجعلنا نفيق من الحلم أو الوهم الذى عشنا فيه! وكانت فضيحة صفر المونديال النتيجة المنطقية لبلد تروج له راقصة وتفوز بتنظيمها جنوب أفريقيا التى كان يروج لملفها أشهر ثائر وسجين فى العالم هو المناضل نيلسون مانديلا!.. فشلنا وسنظل نفشل مادمنا نعتمد فى ادارتنا للامور على «الفهلوة» المصرية الشهيرة والتى نمارسها ونفضلها على دراسات الجدوى القائمة على الامكانيات والأسس العلمية.. وكرة القدم علم ودراسة وتسويق.. وإذا كانت هذه اللعبة الشعبية الأولى فى مصر والعالم تهدف الى المتعة فإنها مع مرور الزمن تحولت الى صناعة تدر المليارات على اقتصاد من يجيدون لعبها وتنظيمها.. لكى تنظم بطولة عالمية فلابد من ملاعب بمواصفات معينة ووسائل إعاشة من فنادق ووسائل انتقال عصرية يعنى باختصار لابد من امتلاك بنية أساسية تؤهلك لذلك.. الاقتصاد البرازيلى يتدفق إليه مئات الملايين من مختلف العملات العالمية من عقود اللاعبين البرازيليين المحترفين فى مختلف الدوريات العالمية.. اتفقنا إذن على أن اللعب علم وله قواعد وأصول.. والتنظيم علم.. والتسويق علم.. ولا يوجد من بين الشروط والقواعد شىء اسمه الفهلوة!.. وقامت الثورة واستشبر المصريون خيرا وعاد الأمل إلى نفوسهم عندما رأوا خلال ثمانية عشر يوما من 25 يناير حتى 11 فبراير الشباب الذى فجر الثورة فى ثوب جديد.. شباب سلوكه أكثر من رائع.. غيور على بلده.. ينظف الشوارع.. رغم الحشود الهائلة بميدان التحرير لم تحدث حالة تحرش أو سرقة أو بلطجة! سلوك أبهر العالم! وقلت وقال غيرى إن مصر فى قبضة شبابها.. وتمنيت وتمنى غيرى أن يدوم هذا السلوك الحضارى وأن تكون الخطوة الاولى على الطريق وأن تتلوها خطوات أخرى.. لكن دوام الحال من المحال! جرت انتخابات مجلس الشعب واشاد الجميع بنزاهتها.. ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه! بدأ التليفزيون المصرى فى إذاعة جلسات المجلس على الهواء مباشرة! ومع الإذاعة بدأت فصول المسرحية الهزلية ومعها عرفنا نوع البضاعة! بدأ القلق يتسرب الى نفوسنا مع ترديد النواب للقسم وبدأ فصيل من أعضاء المجلس يتلو قسما من تأليفه! بدأ هذا الفصيل يتلو القسم على هواه! ثم توالت باقى الفصول الهزلية.. نائب يقف وسط الجلسة ليؤذن للصلاة.. وعندما عزف السلام الجمهورى لم يقف هذا الفصيل احتراما للسلام الوطنى! وبالطبع كان الشباب الذى قام بالثورة يتابع هذه المواقف التى لا علاقة لها بالتقاليد البرلمانية المحترمة.. وتوالت المهازل.. بدأ أعضاء المجلس الموقر فى طرح قضايا لا علاقة لها بهموم الشعب ومشاكله! قضايا لا تهم الشباب الذى قام بالثورة والمتعطش للتغيير! قضايا كلها تتعلق بالنصف الاسفل للمرأة! وكأن الثورة قامت للمطالبة بختان الإناث وتخفيض سن الزواج للبنات إلى 9 سنوات! وبدأت المعركة الكبرى أو أم المعارك بالنسبة للمسئولين والقائمين على شئون البلاد.. قضية عودة دورى كرة القدم بدعوى أن انتظام مبارياته دليل على الاستقرار! نفس الفكر القديم العقيم وكان من المنطقى ألا يقف الشباب أثناء عزف السلام الجمهورى وكان من المنطقى أن تضرب الفوضى فى كل نواحى حياتنا! فوضى أخلاقية قبل أن تكون أمنية!.. ويبقى السؤال هل تغيرنا؟ فى رأيى المتواضع.. لم يحدث أى تغيير.. وإن كان ثمة تغيير قد حدث فإنه تغيير إلى الأسوأ.. ومازالت «الفهلوة» هى الكلمة الرئيسية فى قاموس المسئولين عنا وإن كانوا يصدرونها إلينا بأشكال وألوان مختلفة تم نشره بعدد 616 بتاريخ 1/10/2012