تسعى جماعة «الإخوان» بعد فوز محمد مرسى بمقعد الرئاسة، بنسبة 51%، وهى نسبة لا تؤهله لدخول معهد فنى تجارى حسب مجاميع الثانوية لهذا العام - تسعى- بكل السبل إلى «أخونة» الصحافة المصرية، فى سياق سعيها الحثيث لتلجيم فرسان الجماعة الصحفية المعارضين لها، كجزء من سعى «التنظيم» الأخطر للسيطرة على كل مقدرات الأمور فى البلاد الآن، وفى إطار عملية «أخونة الدولة» التى تتم الآن بكل الطرق، المشروعة وغيرها، وبمنطق لا أخلاقى هو أن « الغاية تبرر الوسيلة»، والغاية هى السيطرة على الدولة العميقة! ووسط هذه المساعي، غير المشكورة، تقف تجربة عصام إسماعيل فهمى وحيدة، متفردة، عصيّة على التدجين والتلجيم.. لماذا ؟ أظن أن هذا بمثابة «سؤال كبير» يخص مسيرة الصحافة المصرية، منذ بدأها آباؤها المؤسسون، لابد من طرحه على الرأى العام الآن بالذات، بعد أن بدأت «الإخوان» تكشر عن أنيابها لجموع الصحفيين ، الذين كانوا ينتظرون أن تأتى الجماعة لترفع الظلم الواقع عليهم، خاصة أن الخطوط الحمراء التى اخترقتها الصحافة فى عهد الرئيس المخلوع قبل ثورة 25 يناير، كانت أحد أسباب وصول «الإخوان» إلى الحكم الآن، ودفعت الجماعة الصحفية بسببها ضريبة التهديد بالقتل، والمصادرة وقصف الأقلام، والدعاوى القضائية الملفقة، التى دخل بسببها كاتب هذه السطور السجن 4 أشهر قضاهم بين حجز البساتين وسجن المزرعة - مثلاً- وغيره كثيرون من شرفاء الصحافة، بينما كانت الجماعة تقوم ب»التربيط» مع أحمد عز وزكريا عزمى وحسن عبد الرحمن، فى انتخابات 2005 من أجل حفنة مقاعد فى مجلس الشعب! ولكن «الإخوان»، مع الأسف، لم تأت لترفع الظلم عن الجماعة الصحفية، بل تعاملت مع الأمر باعتباره «مقاولة» الهدف منها هو تقديم الجماعة الصحفية قرباناً لمرشد «الإخوان» محمد بديع، باستخدام سلطة المجلس الصحافة التابع لمجلس الشورى ذى الأغلبية الإخوانية فى إذلال الصحفيين المعارضين للجماعة، وارتكاب مذبحة قصف الأقلام المناهضة لمحاولتها السيطرة على كل شئ، من أنابيب البوتاجاز إلى الصحف! لكننا، فى هذا المقام، نرفع القبعة لتجربة الصحافة المستقلة، ولتجربة عصام إسماعيل فهمى على وجه الخصوص، باعتبارها امتدادا طبيعيا وتطويراً للتجارب الرائدة فى هذا النوع من الصحافة الحرة، منذ أيام الأخوان تكلا فى «الأهرام»، وآل زيدان فى «دار الهلال»، ولتجربة الأستاذ الكبير محمد التابعى وفاطمة اليوسف فى «روز اليوسف»، ثم الأخوان على ومصطفى أمين فى «أخبار اليوم». هذه الصحافة المستقلة التى وقفت فى وجه الظلم والظالمين، قبل الثورة وبعدها، كما فعلت تجربتا «الدستور» وصوت الأمة»، هاتان الصحيفتان اللتان نجحتا - بامتياز- فى اختراق المحاذير والمحظورات السياسية والصحفية فى عز سطوة نظام مبارك، و»مرمغت» أنوف أساطين فى الوحل، وكشفت للرأى العام حجم الفساد المهول الذى عششّ فى هذا النظام، وأدى فى النهاية إلى سقوطه سقوطاً مروعاً بعد أن تصدعت أركانه بفعل الضربات القوية التى تلقاها من هاتين الصحيفتين اللتين قادتا وتقدمتا الصفوف فى المعركة مع ذلك النظام. وللحقيقة فقد تحمّل عصام فهمى جراّء ذلك ما لا يحتمل بشر، ولفقوا له قضية «تهرب ضريبي»، وقامت أجهزة أمن النظام بتفتيش مقر «صوت الأمة» السابق فى ميدان لبنان، وقضت المحكمة على الرجل بالسجن 3 سنوات و 3 ملايين جنيه غرامة. وفى نفس يوم صدور الحكم، وبمجرد أن نطق به القاضي، فوجئ عصام فهمى بضابط برتبة لواء من تنفيذ الأحكام يطرق بابه، ولم يعطوه فرصة حتى ليعارض فى الحكم! ناهيك عن رسائل التهديد التى كانت تصله يومياً للامتناع عن مهاجمة التوريث، ونجيب ساويرس تحديداً، من خلال تجربتين صنعتا نجومية جيل من مشاهير الصحفيين حالياً، على رأسهم الأساتذة عادل حمودة وإبراهيم عيسى ووائل الإبراشى وعبد الحليم قنديل وسيد عبد العاطى والذين تشرفت أن أعمل تحت قيادتهم جميعاً ، وآخرين من رجال الصف الثانى فى الصحافة المصرية، فضلا عن أن «فهمي» فتح الباب أيضاً لمحمد عبد القدوس، وهو الإخواني، بمنتهى الأريحية والديمقراطية! هذا هو عصام إسماعيل فهمى الذى اتصل به حسن عبد الرحمن رئيس مباحث أمن الدولة السابق، وقال له بالحرف الواحد « احنا هندهس إبراهيم عيسى بعربية وهو راجع من البلد»، يومها اتصل بى الأستاذ عصام قائلاً :» يا عم سعد أنا عاوزك النهاردة فى حاجة هامة ما ينفعش التليفون» ، وذهبت إليه فقال لى : يا عم سعد لو إبراهيم جرى له حاجة تبقى شاهد إن أمن الدولة هما اللى قتلوه . .. وهدده حسن عبد الرحمن أيضاً « محمد سعد خطاب لو مبطلش هنقتله»! عندما كنت أخوض حرباً ضد التعذيب فى أقسام الشرطة ، ونشرت تحقيقاً فى عز جبروت حبيب العادلى بعنوان « أقيلوه لا يرحمكم الله» وعلى الرغم من ذلك كله، ظل الرجل صامداً فى وجه التهديدات ، واستمرت تجربته فى صوت الأمة والدستور مدافعة عن الحق والحقيقة، لتصبح - بحق- امتداداً لآبائها الكبار فى الصحافة المستقلة، وليظل «فهمي» هو الأب الروحى لشرفاء الصحافة. ولم يكن الخوف يعرف طريقه إلى قلب هذا الرجل أبداً ، كان رجلاً بحق فى وقت عز فيه الرجال، لن أنسى له أن سمح لى أن أكتب فى يوم من الأيام عن «المرعبين» زكريا عزمى وأحمد عز وساويرس، فقد كتبت عام 2005 مقالاً بعنوان «عراب النظام» قلت فيه إن زكريا عزمى هو أفسد رجل فى مصر وهو راعى الفاسدين ، وخضنا معارك ضد الفساد والفاسدين فى وزارة المالية فى عهد يوسف غالى ، ومصلحة الضرائب ، ومن رجال الأعمال نجيب ساويرس وأحمد بهجت ، وخضنا المعركة الكبرى ضد التوريث ، فساوموه على إيقاف الهجوم ، فرفض ،وكم كان جريئاً عندما سمح لى أن أكتب فى عز جبروت مبارك مقالى «جحا وحمار الملك وبرنامج الرئيس «، كنت أتكلم فيه عن ان الملك قد قرر مكافأة ضخمة لمن يعلم حماره القراءة والكتابة ومن يفشل ستقطع رقبته ، وكان الوحيد الذى تقدم هو جحا ، فخرج من القصر ومعه الحمار ومبلغاً ضخماً ، وعندما سألوه : كيف ستعلم الحمار القراءة والكتابة ؟ قال : أعطيت الملك مهلة عشرين عاماً ، بعدها سيكون الملك أو أنا أو الحمار قد مات أحدنا ، معلقاً على البرنامج الذى أعلنه مبارك لتغيير مصر خلال 5 سنوات ، وهو المقال الذى أثار عاصفة غضب لم ترهب عصام فهمى ، كما لم يلتفت لما قاله أحد الزملاء فى الجريدة عندما هاجمت زكريا عزمى ، والذى وقف يومها موجهاً كلامه لى : «أنت عايز تقفل صوت الأمة ، الدكتور زكريا رجل محترم!»، لكن عصام فهمى كان كعادته جريئاً يحمل بين جنبيه «قلب أسد» نهر الزميل وقال له اتركه يكتب مايريد. وهذا الأسلوب هو الذى صنع شخصية إصداراته وتفردها بين باقى الصحف ، وصنع نجوماً فى عالم الصحافة لم تكن لتتلألأ إلا فى هذا المناخ الذى وفره لها عصام فهمي. إلى عصام فهمى أهدى هذه السطور فى عيد ميلاده، الذى حل مؤخراً فى 31 مايو الماضي. ومع أنها تحية واجبة وعاطرة ، لرجل مازال وسيظل أهم ناشر عربى طوال الثلاثين عاماً الماضية ، كل سنة وأنت طيب يا أخى الحبيب وصديقى الجميل عصام إسماعيل فهمى . نشر بالعدد 608 بتاريخ 6/8/2012