بينما يستشعر المبدعون أن القادم أسوأ فى ظل سيطرة التيار الإسلامى على الحكم فور وصول «د. محمد مرسي» إلى كرسى الرئاسة فى مصر مع زيادة أصوات تطالب بضرورة تفعيل الرقابة الدينية للنظر فى الأعمال الفنية ومدى توافقها مع صحيح الدين يطارد فيلم «حلم عزيز» اتهام بالعيب فى الذات الإلهية رغم أنه يقدم رؤية خيالية لا يمكن أن نضعها تحت مفهوم مباشر للحلال والحرام. الجنة والنار من المحرمات فى الدراما العربية ممنوع أن يصل خيال المبدع إلى تلك المنطقة المحرمة برغم أننا قبل نحو 50 عاماً ومن خلال فيلم جريء قدمه المخرج «فطين عبد الوهاب»وهو «طريد الفردوس» شاهدنا الجنة والنار بل كان أكثر جرأة ولدينا صوتا حارسا الجنة والنار بعد أن رفضا استقبال المتوفى الذى أدى دوره «فريد شوقي».. والقصة التى كتبها «توفيق الحكيم» وشارك أيضاً فى الحوار لو أخضعناها للمقياس التقليدى سوف نكتشف أنها تصطدم مباشرة بثوابت الرقابة وهو ما جعل مثلاً التليفزيون المصرى يتردد فى عرض الفيلم وإن كانت الفضائيات العربية كثيراً ما تعرض هذا الفيلم. فيلم «حلم عزيز» قرر أن يسبح درامياً فى تلك المساحة التى تضعه خارج المقرر الشائع.. هناك مساحة من «الفانتازيا» تغلف الرؤية والمخرج «عمرو عرفة» حرص على استخدام الكمبيوتر جرافيك فى تنفيذ مشاهد الجنة التى تجمع بين الشاب رجل الأعمال الملياردير «أحمد عز» و «شريف منير» الذى أدى دور والده المتوفى.. الكاتب «نادر صلاح الدين» يتحرك درامياً فى خطين متوازيين الخط الواقعى الذى نعيشه مع «أحمد عز» فى علاقته مع شقيقته «رانيا منصور» وزوجته «ميريت» والمصنع الذى يملكه والخط الآخر هو أحلامه والتى يرى فيها والده ويعتقد أنه فى طريقه إليه بعد بضعة أيام لن تتجاوز الثلاثين وبين الجنة والنار نشاهد الأحداث وكان من بينها رؤيتنا لهتلر وموسولينى وجولدا مائير وموشى ديان ومعمر القذافى وكتابه الأخضر وهم فى النار ووجدها المخرج فرصة لكى يقدم كل الإيفيهات التى ارتبطت بالقذافى مثل من أنتم وجرذان وإلى الأمام وغيرها. هل يحمل الفيلم رسالة أخلاقية يطلب فيها من الناس أن يعلنوا التوبة عن المعاصى لأن الموت يلاحقهم، حيث إننا بصدد تقديم حياة شاب عابس لا هم له سوى ملذاته وهو لا يفعل شيئاً سوى أن يرتكب المعاصى الأخلاقية والدينية والسلوكية ويظلم الكثيرين فى حياته وعندما يتصور أنها النهاية يسعى لكى يصلح أخطاءه وينتهى الفيلم وهو بالفعل قد ابتعد عن كل ما يغضب المولى عز وجل.. لو حسبتها كذلك لكى تمنح الفيلم بعده الأخلاقى والدينى المباشر فلا بأس ولكن المشكلة أن الفيلم نفسه كنسيج فنى تظلمه كثيراً لو كان هذا هو «ترمومتر» القياس الفنى فتُخضعه إلى قيمة أخلاقية إذا حققها صار عملاً فنياً جيداً يدعو للفضيلة ومكارم الأخلاق وإذا فاتته تحول إلى الرداءة بعينها.. أعتقد أننا نظلم هذا الفيلم كثيراً لو أننا صنفناه داخل هذا الإطار الصارم. الخيال المبدع هو الذى يدفع المخرج إلى التحليق فنياً والمخرج «عمرو عرفة» نجح فى تحقيق ذلك بدرجة حرفية عالية خاصة فى مشاهد الجنة والنار وحدد للمتفرج قانوناً للتلقى وهو أنه لا يقترب من الواقع فى تعامله مع الجنة والنار.. الوالد فى الجنة صورة من خيال ولكنه يأتى بأفعال بشرية تحمل شقاوة وصبيانية وعلينا أن تقبل الفيلم فى تلك الحالة وعندما نقترب من النهاية يقدم لنا أمه التى أدت دورها «منة شلبي» فى المشهد الأخير وهى تريد أن تضع له «الكافولة» فلقد رحلت عنه وهو طفل وظلت فى نفس المرحلة العمرية وظل هو بالنسبة لها طفلاً!! لا يترك السيناريو تفاصيل عصرية إلا ويستدعيها درامياً فهو يستعين بصوت معلق الكرة التونسى الشهير «عصام الشوالي» فى مباراة تجرى أحدثها فى العالم الآخر ويشارك فيها كل ممثلى الفيلم. ويبقى أن الشريط السينمائى أثقل نفسه بشخصية ابن خالة «أحمد عز» وصديقه فى نفس الوقت الذى أدى دوره «محمد إمام» فهو صديق البطل بالمعنى التقليدى للشخصية التى دأبت السينما على تقديمها طوال التاريخ وكان والده «عادل إمام» يقدمها فى البدايات قبل أن يصبح هو نجم الإيرادات الأول والمقصود بهذه الشخصية التخفيف من حدة الأحداث وخلق مناطق لزرع ضحكة بين الحين والآخر، وحرص السيناريو على أن ينسج له أيضاً حكاية خاصة به دون جدوى ليتجاوز الإطار التقليدى حيث أنه يتزوج من شقيقة «عز» إلا أن المحصلة العامة هى أن السيناريو ظل طوال زمن الفيلم يحاول أن يجد منفذاً له خاصة وأن «مى كساب» سكرتيرة «عز» تؤدى بمعنى ما تنويعة على شخصية صديق البطل الذى من الممكن من خلاله أن تحل بعض المشكلات الدرامية فى السرد السينمائي. الفيلم حافظ على روحه الكوميدية وهذا ما نجح فيه المخرج «عمرو عرفة» وقدم وجهين جديدين «ميريت» زوجة أحمد عز و «رانيا» فى دور شقيقته ونعتبرها بداية معقولة لكل منهما ولكن كيف لم يدرك المخرج أن «رانيا» تحاول أن تحاكى فى الأداء الفنانة الكبيرة «نيللي» إنها تشبهها بقدر ما فى الملامح ولكنها لم تكتف بهذا القدر بل تقمصت أيضاً روحها فى الأداء. «شريف منير» كان مسيطراً فى مشاهده يؤديها بدرجة عالية من الألق وكأنها جاءت على موجته الإبداعية فصال وجال فيها.. «أحمد عز» يتقدم خطوات إلى الجماهير كنجم شعبى وفتى أول «جان» لديه حس كوميدى يعرف كيف يقتنص الضحكات.. «صلاح عبد الله» كان ملفتاً فى مشاهده، بينما «مى كساب» فهى دائماً «مى كساب» مهما تعددت الشخصيات التى تؤديها.. «محمد إمام» لا يزال خارج الأعمال الفنية التى لا يلعب بطولتها والده يبدو وكأنه تائه. الفيلم يملك مساحة من الاختلاف مع السائد فى الأعمال الفنية ويسبح خارج المقرر وخارج المياه الدرامية التقليدية ولكن كان بحاجة أيضاً إلى خيال مواز فى الخط الواقعى على مستوى السيناريو والرؤية الإخراجية لم يستطع تقليدها إلا أنه فى كل الأحوال امتلك الجرأة فى اختيار الفكرة وفى توقيت العرض فى وقت يؤثر فيه الآخرون اللعب فى المضمون!! المبدعون الآن يتحسسون خطواتهم فى محاولة لتقديم أعمال فنية لا تصطدم بهذا التيار وأيضاً تحقق إيرادات لتتواصل مع الناس وحتى الآن فإن المعركة أراها وشيكة وسوف يستخدم التيار الإسلامى كل الأسلحة لإجهاض حرية الإبداع حتى ولو وصل الاتهام إلى «العيب فى الذات الإلهية»!!. نشر بالعدد 603 بتاريخ 2/7/2012