ليس أمام صناع السينما حاليا سوى «المغامرة» والأكشن للخروج بأقل الخسائر وسط هذه الأجواء غير المستقرة.. التى تخيم على شباك التذاكر.. من هذه القاعدة أفرجت إسعاد يونس عن فيلمها «حلم عزيز» والرهان عليه للباحثين عن السينما، وسط مناخ الاعتصامات والتظاهرات والامتحانات وللهاربين من الرغى الإعلامى فى المحطات الفضائية وعباقرة الآراء والنظريات ووجهات النظر حول المشهد السياسى.
مغامرة «إسعاد» منتجة الفيلم جاءت ثلاثية الأبعاد 3D فبخلاف هذه الأجواء المضطربة والمشاهد العبثية وموسم الامتحانات قامرت ببطل الفيلم «أحمد عز» الذى له فى البرنامج السينمائى فى دور العرض فيلم آخر وهو «المصلحة» وهو حسب النظريات الكلاسيكية للمنتجين والموزعين «مخاطرة» من الممكن أن تكون ضد «الممثل» خصوصا أن دور العرض المتعارف عليها حاليا لها قاعات متجاورة تعرض أكثر من فيلم فى وقت واحد ووجود «عز» فى عملين قد يفسد حضوره ويحرقه، لكن «إسعاد وعز» خالفا كل التوقعات وتعمدا الذهاب بالمشاهد إلى عالم الخيال والحلم لتغيير «مزاجه» بمعالجة كوميدية محروم منها المتفرج منذ فترة طويلة.
أما عن أحداث «حلم عزيز» فيأخذ السيناريست نادر صلاح الدين بطل الفيلم «أحمد عز» فى رحلة «لمباوية» اجتازها «عز» باقتدار ليؤكد أن صلاحيته على الشاشة ليست فقط ك«دنجوان»، بل «كوميديان» أيضا فى مشاهد ممتعة من «اللايت كوميدى» كما يقول الأرشيف السينمائى أضفت تجديدا وتطويرا لقضية الفيلم التى سبق أن قدمت فى السينما والتليفزيون أيضا، لكنها كانت عن طريق العرافين.. بينما فى الفيلم عن طريق «الحلم» أو عالم الأحلام التى تتحكم فى كل أحداث الفيلم.
فأحمد عز رجل أعمال ناجح يقدم نفسه فى المشاهد الأولى كأخ كبير يقوم بتزويج شقيقته الصغرى وأنه يعيش حياة أسرية مستقرة مع زوجته «ميريت»، وفى نفس السياق غارق فى إشباع ملذاته ونزواته، لكن فجأة تتبدل حياته بحلم يتكرر معه بمثابة كابوس ويظهر فيه والده وهو يقدم له نصائحه بالهداية وبمسح ذنوبه حتى تتجاوز حساب الآخرة حتى لا يلقى نفس مصير المذنبين فى الدنيا والطغاة أمثال القذافى وهتلر وغيرهما من المشاهير فيتذكر من أساء إليهم فى رحلته نحو عالم رجال الأعمال ليطلب العفو منهم بعد أن لجأ إلى رجل دين فسر له الحلم بأنه لابد أن يصفى حساباته قبل رحيله وفقا للحلم الذى يظهر فيه مع والده المحدد ب 30 يوما.
سيناريو الفيلم اعتمد على الطريقة التقليدية لتفسير الأحلام مستبعدا الضغوط النفسية حسب تقديرات ونظريات الطب النفسى، والتى لا نراها واضحة فى حالة بطل الفيلم «عزيز» وفى رحلة البحث عمن أساء إليهم تتعدد المواقف الكوميدية الطريفة التى تمرح فيها مواهب «أحمد عز» الجديدة، كإنسان كوميدى جديد وتبدو براعة السيناريو وحرفية المخرج فى التنقل السريع بين الأحداث بسلاسة ومهارة والذى استخدم ربما لأول مرة على مشاهد الكمبيوتر جرافيك فى 20٪ من مشاهد الفيلم وربما تكون هى الأكبر فى تاريخ السينما المصرية وهى تقنية تستوجب فنيات عالية إلى جانب ميزانيات إضافية ومعظمها يظهر فيها «شريف منير» الذى يجسد دور والد أحمد عز الراحل وهو ضميره ويحاول فى كل حلم توجيهه إلى الطريق السليم، وكان بمثابة الإنذار الذى يقوده إلى تحكيم ضميره والتطهر من الأعمال السيئة فى مشواره كرجل أعمال، لكنه تجاهل التكفير عن مغامراته النسائية!
إلى جانب الرؤية السينمائية المتقنة ل «عمرو عرفة» أجاد أيضا التحكم فى المشاركين فى الفيلم، فلم تقع منه شخصية رغم صغر مساحة بعضها من الطفل «سليم» الموهوب الذى يجسد شخصية نجل أحمد عز إلى الفنانة القديرة إنعام سالوسة وأيضا منة شلبى وظهرتا فى الفيلم كضيفتى شرف، وبينهما مى كساب ومحمد إمام وسليمان عيد وعمرو المهدى ورانيا منصور وحورية فرغلى ومحمد الصاوى كل أجاد رغم مساحة دوره، لكنى أتوقف عند صلاح عبدالله الذى يواصل صولاته الممتعة فى كل دور يقوم به ويضيف إليه كالعادة، أما المفاجأة الحقيقية فكانت «ميريت» زوجة أحمد عز فى أول ظهور لها فى السينما، ولكن أداءها يؤكد أنها صاحبة خبرة ونضج، ويبدو أنها استفادت نظريا بالوراثة من والدتها الفنانة «شيرين» فبدت ثابتة واثقة ومتمكنة فى بداية مبشرة لها.
أما شريف منير فلم يترك الساحة دون بصمة رغم جراءته فى قبول دور والد أحمد عز، وكان هو البطل الأوحد لكل مشاهد الجرافيك التى نفذها ببراعة المخرج عمرو عرفة، بينما هو فى الحياة الآخرة، وكانت من أمتع المشاهد هى التى ظهرت فيها شخصيتا القذافى وهتلر وهما ينتظران مصيرهما فى النار، وأيضا المشاهد التى تقمص فيها دور المعلق الشهير «عصام الشوالى» الذى يعلق بطريقته المعهودة، لكن هذه المرة فى «الآخرة»!
أخيرا، فإن مغامرة فيلم «حلم عزيز» وعرضه فى هذا التوقيت تحسب للمنتجة إسعاد يونس رغم أن الوقت المناسب له حسب الحالة السينمائية الحالية هو موسم عيد الفطر حتى يغطى المساحة الفارغة المتوقعة فى هذا الموسم الذى ربما يكون بداية حالة استقرار وأمن بعد عام ونصف العام من الانفلات والفوضى فى وطن كان بلا رئيس، إنه ليس حلم «عز» وحده، إنما هو حلم الملايين من أبناء هذا البلد الأمين.