الشعوب ضحايا استبداد الطغاة، والطغاة ضحايا استبداد آبائهم و«حسني مبارك» ليس استثناء من هذه القاعدة! فكل الطغاة عاشوا طفولة بائسة وعانوا قسوة آبائهم ووفقا لنظرية التحليل النفسي وقوانينه فإن العنف والقسوة في الطفولة وقهر الأبوين وسوء العلاقة بينهما يقضي إلي شخصية مشوهة مضطربة «سيكوباتية بارانوية» بالمصطلح العلمي! فتعرض الطفل للعنف والقسوة والقهر والخوف يصنع شخصية مهتزة مضطربة ومواصفات هذه الشخصية هي الميل للعنف كرد فعل طبيعي للعنف والعدوان الذي تعرض له في الطفولة! فالضرب والتوبيخ والعنف لايخلق انسانا حرا كريما، وإنما يخلق عبدا ذليلا والويل لمن ساقته الظروف ليكون تحت إمرة هذا العبد الذليل حين يتولي سلطة ويمتلك أسباب القوة! لكن برغم القوة والسلطة يظل هذا الكائن المشوه عبدا تجاه من يمتلك قوة وسلطة أكبر! وحين يصبح هذا الطفل المقهور حاكما ديكتاتورا يقهر ويستعبد شعبه ويرضح ويخنع تماما لمن هم أقوي منه! ومثل هذا الديكتاتور، لايسمع لأحد إلا لذاته ولايثق بأحد إلا بنفسه ويمتلكه قدر هائل من الغرور والاستعلاء والمبالغة في اظهار ثقته بنفسه كرد فعل طبيعي لفقدان الثقة أو كغطاء لضعف الشخصية وعجزها! فالطفل المقهور يتحول إلي ديكتاتور كلما تولي سلطة بدءا من السلطة الأبوية في البيت والسلطة الوظيفية في العمل، والسلطة السياسية في أعلي مستوياتها! «هتلر» تحول لديكتاتور لانه كان طفلا بائسا وعاش طفولة معذبة، كانت أمه تعمل خادمة لدي أحد أثرياء اليهود فكان يصفعها بقوة أمام الطفل هتلر، وكان أبوه يعاقبه بالحبس لساعات داخل غرفة صغيرة ومظلمة! وحينما كبر الطفل عاني فوبيا الأماكن المغلقة وحاول الانتقام لعدوان الطفولة من البشرية كلها! آمن بفيلسوف القوة والإرادة «نيتشه» ورفع شعار البقاء للأقوي! وكان يعتقد أن الضعفاء لايستحقون الحياة ويجب إبادتهم وتخليص البشرية من ضعفهم لأنهم يعيشون عالة علي الأقوياء! أما ستالين فكان ابوه سباكا وكان يسكر حتي الثمالة وكانت زوجته توبخه فيعاقبها بضرب طفلها الصغير أي أن الطفل ستالين كان يضرب عقابا لأمه، وبالنيابة عنها! وحين صار الطفل زعيما لأمته قتل منهم 20 مليونا انتقاما للعنف الذي تعرض له في الطفولة! القذافي وتشاوشيسكو وموسوليني وصدام حسين وبول بوت وعيدي أمين، جميعهم عانوا طفولة بائسة واضطرابا في الشخصية قادتهم في النهاية إلي جنون العظمة شأنهم شأن كل الطغاة! كان عيدي أمين يقول إنه الرئيس الوحيد فوق الكرة الأرضية الذي اتصل مع الله مباشرة! ومنذ أيام روي المهندس حسب الله الكفراوي واقعة للرئيس السابق حسني مبارك إنه تعرض لتوبيخ قائد الطيران الفريق «مدكور أبوالعز» حين كان مبارك قائدا لكلية الطيران! أما السبب فهو رفض مبارك استقبال والده حين جاء لزيارته بكلية الطيران! هذا السلوك الذي يتنافي مع ابسط معاني البر والرحمة لايمكن فهمه بمعزل عن القسوة التي تعرض لها مبارك في طفولته البائسة، التي افتقدت الحب والرحمة والتي تحولت إلي رغبة في الانتقام حين واتته الظروف! فالاب الذي كان موظفا بسيطا وفقيرا كان يوبخه ويضربه أمام الجميع كلما تشاجر مع ابناء أحد «اسياده» الكبراء والاعيان، فتولدت لديه عقدة اضطهاد ورغبة انتقام! لكن ماذنب الأم التي رفعت عليه قضية نفقة حين صار ابنها ضابطا كبيرا ورفض الانفاق عليها بعد وفاة الأب؟! علماء النفس يقولون: فتش عن الطفولة، عن علاقة الطفل بأبويه وعلاقة الأبوين ببعضهما البعض وانت تعرف اسباب اضطراب الشخصية والتشوهات النفسية عند الطغاة فالثقة المبالغة بالنفس «أوفر سلف كونفدانس» دليل علي ضعف وعجز ! والشيء اذا زاد عن حده انقلب لضده ! ان غطرسة الطغاة وغرورهم واستعلائهم واستبدادهم ليس الا محاولات يائسة لتغطية عجزهم وتعويض ضعفهم ! نشر بالعدد رقم 600 بتاريخ 11/6/2012