اتوقف بهذا المقال مؤقتاً عن سلسلة المقالات بعنوان: «بين مطرقة الإخوان وسندان الفلول»، إذ ينبغى فى الوقت الذى تتعرض فيه مصر دولة ونظاما وشعبا لتحديات كثيرة، أن نصطف ضد تلك التحديات. ومنها تحديات داخلية، فى مقدمتها العنف والتطرف والإرهاب المستمر فضلا عن الجهل والمرض والفقر والعشوائيات وفضلا عن ضعف التعليم وضعف الخدمات والتصنيع. وتحديات خارجية منها الضغوط بالقروض والمساعدات، والضغط بسبب انتهاكات حقوق الإنسان أو توظيف هذه القضية سياسيا، والضغوط التى لا مبرر لها إلا الرغبة فى الهيمنة الغربية، ومخططات التقسيم والتفتيت، والحرص الغربى الشديد على أمن إسرائيل، ولتفعل إسرائيل فى الفلسطينيين ما تفعل دون رقيب ولا حسيب. زارنى المهندس محمود دشيشة (المستشار السياسى لنقابة الفلاحين) فى الأسبوع الماضي، وتناول الحديث، مصر الوطن، مصر الدولة، ومصر النظام، ومصر السياسة، ومصر الانتخابات البرلمانية، وكل شيء فى مصر، حتى بعض القضايا المطروحة على القضاء. وأثناء الحوار طرح المهندس دشيشة مشروع مبادرة تكون ظهيرا شعبيا للدولة فى مواجهة التحديات العديدة والخطيرة. وبدأنا سويا التفكير فى طريقة الإخراج أو التنفيذ، واتفقنا على الاتصال سريعا بالدكتور احمد دراج، لأننى عرفت الرجل صامدا أثناء الثورة، وكنا نحاول لفترة طويلة، توحيد صف الثوار تحت قيادة واحدة، ولم يكتب لهذا الجهد النجاح، كما أن وجوده فى الحقل السياسى ملموس والحركة الوطنية، مهما اختلفت أسماؤها وتنوعت، ولأنه على صلة ومعرفة دقيقة بالأحزاب والشخصيات الوطنية، وفضلا عن كل ذلك، فهو اليوم المتحدث باسم تحالف أو حركة الثورتين (25يناير -30يونيو). لم يخيب الدكتور دراج، ظننا فيه، وقام بوضع تصور لخصَّ المبادرة فى بنود سبعة، وتولى مع المهندس دشيشة الاتصال ببعض الشخصيات الوطنية المشهود لها بالإخلاص والسعى لدعم الوطن، ومشهود لها بالقبول الشعبى لكى توقع على المبادرة، وقد كان، وصدرت المبادرة فى وقت كان الرئيس السيسى يستعد للسفر إلى الاجتماعات الثلاثية (مصر-السودان - أثيوبيا) بشأن سد النهضة و توزيع مياه النيل، وتحت القاعدة العظيمة «لا ضرر ولا ضرار». قد تكون المبادرة فى حاجة إلى تطوير وتعديل وتوسيع قاعدتها وهذا وارد ومهم «فكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم كما قال الإمام مالك رحمه الله، وقد يراها بعضهم نهاية المطاف، وقد يراها بعضهم مجرد وثيقة وانتهى الأمر، ولكن الذين فكروا فى هذا الأمر المهم. وتبنوه عازمين على التطوير المستمر وعلى الإصطفاف الوطنى الواسع.. (تبنت الوثيقة بشكلها الحالى سبعة مطالب كلها تحتاج إلى تنفيذ حسن، وهى ضرورية للخروج من بعض أهم جوانب الأزمة التى تواجهها مصر. فمن أهم المطالب التى تبنتها الوثيقة حماية وصيانة الحقوق التاريخية للشعب المصرى فى مياه النيل بإعتباره شريان الحياة وقد جعل الله تعالى من الماء كل شىء حى «وجعلنا من الماء كل شىء حى» بل إن الوثيقة تبنت فعلا ضرورة زيادة حصة مصر من مياه النيل وفقاً لزيادة أعداد السكان بها. أكدت الوثيقة فى مطالبها الحق فى التنمية بنظرة أوسع وأشمل للقارة السمراء كلها، والخير والنفع والرفاهية لأبنائها. وأكدت الوثيقة فى مطلبها الثانى على ضرورة استكمال بناء دولة القانون والعدالة والعلم وتكافؤ الفرص وبناء دولة المؤسسات. استهدفت الوثيقة الاستحقاق الدستورى والبند الثالث من خارطة الطريق، ألا وهو الانتخابات البرلمانية المتعثرة مرة بسبب عدم دستورية قانون الانتخابات وتقسيم الدوائر ومرة بلا سبب، ويأتى ضمن المطلب الثالث ضرورة المحافظة على قيم ومقومات الديمقراطية والشفافية وبناء مصر الحديثة المتحضرة المستنيرة القادرة على تحقيق الأمن والاستقرار والحياة الكريمة لجميع أبنائها حاضرا ومستقبلا -والسعى لتصفية بيئة الفساد والاثراء الحرام حتى لا يتكرر مرة ثانية. أما المطلب الرابع الذى أبرزته الوثيقة فهو ضرورة مقاومة ظاهرة التطرف بجميع أشكاله دينية أو أيديولوجية، و إجتثاث الإرهاب ودعم السلام القائم على العدل حتى لو اقتضى ذلك الأمر مزيداً من التعاون مع المجتمع الدولى. أما المطلب الخامس فينص على امتلاك الارادة القوية لاستقرار القرار الوطنى وتحرير ذلك القرار من أثار التبعية السياسية والاقتصادية التى أهدرت طاقات الشعب الكبيرة، وإمكاناته العظيمة، وثرواته البشرية الهائلة، حتى أصبحت طاقات غير خلاقة ونحن أبناء الحضارات العظيمة. (أما المطلب السادس) - وكم سمعنا كلاما وتهويلا وطنطنة دون عمل حقيقى - فيتمثل فى تبنى استراتيجية وطنية للتصنيع، تقوم على التكامل بين الصناعات سواء أكانت العسكرية أم المدنية كما تفعل الدول المتحضرة، والسعى لإعادة تشغيل مصانع القطاع العام التى توقفت سنوات طويلة، أو اشتراها مستثمرون أجانب بأبخس الأسعار. هذه الاستراتيجية لازمة الاقتصاد المصرى ليكون انتاجيا، ولا يلجأ إلى الاستيراد إلا للضرورة حتى تتوقف، وهذه الاستراتيجية تتبنى ككل ضرورة قيام الاقتصاد على الزراعة والصناعة، وتشجيع مضاعفة نصيب الصناعات المصرية فى المشروع القومى لقناة السويس. أما المطلب الأخير الذى تبنته الوثيقة للأصطفاف الوطنى أو المشاركة الوطنية أو كلاهما، فينادى بضرورة منح الأولوية للعلم والتكنولوجيا وبناء قاعدة علمية متقدمة من خلال إعادة منظومة التعليم والبحث العلمى لأنتاج المعرفة الجديدة وتطبيقاتها التقنية العالية، وعمل أولويات لأبحاث المياه والطاقة المتجددة والثروة المعدنية وحماية البيئة والصحة. الوثيقة فى ظنى لخصت أهم شروط التقدم والاستقلال والاستقرار، ولخصت عدداً كبيراً من مواد الدستور أو أشارت ضمنا إلى تلك المواد ومنها المواد من ( 19 إلى 23) التى تستند إليها هذه الوثيقة حيث تنص المادة(19) على: مادة (19) التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمى فى التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه فى مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقاً لمعايير الجودة العالمية. أما المادة (20) فتنص على أن: تلتزم الدولة بتشجيع التعليم الفنى والتقنى والتدريب المهنى وتطويره، والتوسع فى أنواعه كافة، وفقا لمعايير الجودة العالمية، وبما يتناسب مع احتياجات سوق العمل. والمادة (21) تنص على أن: تكفل الدولة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، وتوفير التعليم الجامعى وفقاً لمعايير الجودة العالمية، وتعمل على تطوير التعليم الجامعى وتكفل مجانيته فى جامعات الدولة ومعاهدها، وفقا للقانون. وإعداد كوادرها من أعضاء هيئات التدريس والباحثين، وتخصيص نسبة كافية من عوائدها لتطوير العملية التعليمية والبحثية. أما المادة (22) فتنص على: المعلمون، وأعضاء هيئة التدريس ومعاونوهم، الركيزة الأساسية للتعليم، تكفل الدولة تنمية كفاءاتهم العلمية، ومهاراتهم المهنية، ورعاية حقوقهم المادية والأدبية، بما يضمن جودة التعليم وتحقيق أهدافه. والمادة (23) تنص على أن: تكفل الدولة حرية البحث العلمى وتشجيع مؤسساته، باعتباره وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية، وبناء اقتصاد المعرفة، وترعى الباحثين والمخترعين، وتخصص له نسبة من الإنفاق الحكومى لا تقل عن 1% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. أما المادة (18) فتنص على أن: لكل مواطن الحق فى الصحة وفى الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافى العادل. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين فى اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم. ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة. وتلتزم الدولة بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين فى القطاع الصحى وتخضع جميع المنشآت الصحية، والمنتجات والمواد، ووسائل الدعاية المتعلقة بالصحة لرقابة الدولة، وتشجع الدولة مشاركة القطاعين الخاص والأهلى فى خدمات الرعاية الصحية وفقاً للقانون. وللحديث صلة عندما يتم التطوير وتقام المناسبات التى تدعم هذا الجهد. والله الموفق