* ذهب الخيال بالبعض إلي الحديث عن إسلام أوباما الخفي وأنه المهدي المنتظر · إنه شخص استثنائي لايترك لك فرصة لتجاهله أو حتي الملل من الحديث عنه لن أكتب عن أوباما! هذا قرار جاد اتخذته بمنتهي الحسم، ولدي مبرراتي القوية لاتخاذه.. فكل الدنيا تكتب وتتحدث عن أوباما، وقد تشبَّع الناس منه ومن أمريكا ومن أساطير وتخاريف ما ذكر عن الزيارة وحولها.. فلا عشرة آلاف مارينز احتلوا سماء وشوارع القاهرة، ولا ثلاثة آلاف رجل مخابرات انتشروا في حواري وأزقة مصر المحروسة، ولا أي شيء مما كان يتوقعه الكثيرون، باستثناء هدوء الشوارع وخلوها من الناس والسيارات حتي عصر يوم الزيارة، فقد أصيبت القاهرة بنوع جديد جميل من الشلل اسمه «شلل أوباما"، فذهب الناس لأول مرة من سنوات إلي أعمالهم أو بيوتهم في وقت طبيعي لا يتجاوز نصف الساعة، وهو الطريق نفسه الذي يستغرق أكثر من ساعتين في الأيام العادية، حتي أن الأصوات تعالت: «ابقي يا أوباما» من أجل حل مشاكل العشوائية والزحام .. لكن هذا لا ينفي أن الناس زهقت من أوباما وسيرته وأخباره.. لذلك اتخذت قراري: لن أكتب عن أوباما. سأترك هذه المهمة للآخرين، خاصة أن الأيام القادمة ستشهد المزيد من الحديث عن الزيارة، وكواليسها، وطرائفها، وبمجرد أن تذهب زهوتها ستبدأ الخلافات و"الخناقات» كالعادة، وسنظل نتحدث عن الذي قيل وسيفسره كل واحد علي هواه، وسنتوقف عند حدود التفسير والتأويل، ثم ننشغل بحدث جديد يلهينا عن الخطاب وتأثيره ومعناه وترجمته إلي أفعال! لقد غطي أوباما علي كل شيء، فتوارت أخبار أنفلونزا الطيور التي ما زلنا نحقق فيها نتائج مخزية بفضل حكومة الكلام والوعود، ولم تفزع الصحف والفضائيات بعد ظهور أول حالة مؤكدة للإصابة بأنفلونزا الخنازير في مصر وارد أمريكا، وإعلان وزير الصحة المُلتبس عنها ورفضه إعلان اسم المستشفي الذي تعالج فيه، ثم إعلانه العجيب عن شفاء الطفلة في أقل من 24 ساعة (وكأننا في بلد المعجزات!)، ولم يعد أحد يهتم بقضية هشام طلعت مصطفي ولغز أزواج سوزان تميم، ولم يقفز إلي مقدمة المشهد مرتضي منصور بعد خسارته انتخابات الزمالك، ولم ينتبه أحد لطرد عمرو خالد بشكل مفاجئ وغامض إلي لندن بلده الثاني.. فالدنيا كلها مشغولة بزيارة أوباما وخطابه التاريخي.. والكل لا يتحدث إلا عنه.. في البيوت والشوارع.. في الميكروباصات والأتوبيسات وعربات المترو.. علي المقاهي وفي المطاعم والفنادق.. بل المرضي في المستشفيات لا حديث لهم إلا عن «المُخلِّص» داعية السلام والحب والتسامح المسيح أوباما! حتي ما يدور في كواليس السياسة عن حل مجلس الشعب لتعبيد الطريق أمام توريث جمال مبارك عرش مصر.. وما يشاع عن تنحي الرئيس مبارك بشكل مفاجئ لإرباك حسابات المعارضة، وما يقال عن الإطاحة الوشيكة بالحكومة الحالية.. كل هذا لا يشغل أحدا.. فالكل مشغول بنجم النجوم أوباما. لقد تحول رواد المقاهي فجأة إلي محللين سياسيين يتبادلون وجهات النظر حول خطاب أوباما، واستشهاداته بآيات من القرآن الكريم، وبدئه خطابه بتحية الإسلام، وذهب الخيال بالبعض إلي الحديث عن إسلام أوباما الخفي، بينما قفز آخرون إلي أبعد من ذلك ورأوا أن أوباما هو نفسه المهدي المنتظر، وأن البحث في أصوله بدقة ربما يثبت أنه من آل البيت!! لقد اكتسح أوباما الشارع المصري بضراوة، وتحول في أقل من تسع ساعات إلي أسطورة بابتسامته ومودته ولياقته وحركاته ولفتاته.. ووقع مئات وآلاف المصريين من الرجال والنساء بمختلف فئاتهم وطبقاتهم في عشق هذا الرجل الأسمر الوسيم الذي يعتلي عرش أكبر دولة في العالم، ويقفز كالأطفال فرحا بزيارة الأهرام وهو يرتدي ملابس «كاجوال» ويسير إلي جانب زاهي حواس يتحدث معه وكأنهما صديقان يسيران في نزهة، ويصعد سلم الطائرة الرئاسية الأمريكية برشاقة قافزا من درجة إلي أخري وعندما يصل إلي باب الطائرة يلتف بحركة تبدو كما لو كانت عفوية؛ ليشير إلي الواقفين في وداعه وعلي وجهه ابتسامة بارعة! إنه شخص استثنائي، يجبرك علي عدم تجاهله، حتي لو حاولت مثلي عدم الكتابة عنه؛ لأنه يجيد البراعة، ويبرع في الإجادة، حتي لا يترك لك فرصة لتجاهله أو حتي الملل من الحديث عنه.. كما أنه يجيد صناعة الأحلام.. ثم يتحول هو نفسه إلي حلم.. وهذا أخطر ما في الأمر.. لأن الأحلام يحكمها قانون اللحظة.. فهي كالبرق تنتهي بسرعة خاطفة.. وهذا ما جعل أوباما مشروعا لأسطورة جديدة، وحلم يخشي من يرونه بمتعة من تحوله إلي كابوس!