يجلس الحضور فى صمت مهيب، يتقدم الشاعر الكبير نحو الميكروفون ويبدأ فى إلقاء قصيدته: ما جال فى خاطرى أنى سأرثيها بعد الذى صغتُ من أشجى أغانيها قد كنتُ أسمعها تشدو فتطربني واليوم أسمعنى أبكى وأبكيها الأبيات السابقة جزء من القصيدة التى ألقاها الشاعر الكبير أحمد رامى فى حفل تأبين كوكب الشرق أم كلثوم، نحن لا نتحدث عن قصة حب عادية بل هى قصة حب صوفية. أنصحك عزيزى القارئ بمشاهدة فيديو حفل التأبين على موقع اليوتيوب.. انظر للغة الجسد، شاعر له قامة كبيرة يقف ويُلقى شعرا فى رثاء حبيبته، الموضوع تخطى فكرة الرثاء، فهو يبكى وينتحب فى واقع الأمر. الكرسى رقم 8 هو رقم الكرسى الذى كان محجوزا دائما للأستاذ أحمد رامى فى حفلات أم كلثوم، كان يذهب لكل حفلاتها ولا يفوتها مهما حدث، وكان يذهب بمفرده دائما كالراهب الذى يذهب للتعبد فى محرابه وحده. كان يجلس وحيدا تماما فى عالم مكون من طبقات صوت أم كلثوم، كان يذوب فيها عشقا، ولم يتخط أبداً هذه المرحلة، لا أعلم إن كان صارحها بحبه أم لا، ولكن ما أعلمه جيدا هو هذه الحالة المتفردة من الحب والتى يكتفى فيها المُحب بصب مشاعره على الورق لتتحول إلى أغانٍ خالدة مُعبرة بكل صدق وشجن عن حبه. كتب لها ما يزيد على مائة أغنية مثل: هجرتك – غُلبت أصالح – يا ظالمنى – افرح يا قلبي- يا مسهرني- عودت عينى. الأمثلة كثيرة، حين ننظر إلى كلمات «يا مسهرنى» نجد العتاب الرقيق لقلة السؤال عليه، العتاب الذى يزيد من ألق وبريق الحب.. ماذا عن الطرف الآخر، أم كلثوم، هل كانت تحبه؟. أعتقد أن حبها له كان حبا لشعره ولنجاحهما معا كثنائى فنى، كانت أم كلثوم تخصص له يوم الإثنين من كل أسبوع يوم إجازته من دار الكتب التى كان موظفا فيها، لا تقابل أحدا غيره فى هذا اليوم. وتأتى النهايات دائما مُخيبة لآمال البدايات، فى 3 فبراير 1975 يُذيع الراديو الخبر الحزين.. رحلت كوكب الشرق.. كل شىء توقف.. اختفى أحمد رامى.. رفض الكتابة والظهور.. رفض الكلام.. حتى ظهر فى حفل تأبينها ليُلقى أبياتا من الشعر يُرثيها فيها ويرثى نفسه فى الواقع. رحل «رامى» عن عالمنا فى 5 يونيو 1981، قرر أن ينسحب من الحياة ليلحق برفيقة الروح والوجدان أم كلثوم، ولكن.. من قال إنهما رحلا.. فالناس موتى وأهل الحب أحياء. أخصائية كمبيوتر