كنت ومنذ فترة طويلة قد قررت الاعتزال عن الناس والتوحد مع الذات وإغلاق أبوابي علي جتتي الصغيرة التي هي بيتي.. فجأة سمعت رنين الهاتف وتجاهلته حتي لا أخرج من هذا «المود» إلا أن رنين التليفون لم ينقطع فالتقطت السماعة مضطرة لأري من الذي يصر علي إزعاجي وكان علي الطرف الآخر إحدي الصديقات المقربات إلي نفسي.. دعتني صديقتي علي قضاء يوم شم النسيم في فيلتها الجديدة في إحدي ضواحي القاهرة وأخبرتني أنها سوف تقيم حفلا كبيرا تدعو فيه كل الأصدقاء وألحت بل أصرت أن أكون أنا أول المدعوين، وصلت في الميعاد المحدد واستقبلتني صديقتي بترحاب شديد هي وزوجها المنتفخ والذي يصل كرشه إلي ركبته وعيناه الزائغة والتي تنظر في وليس لي فأتلمس ثيابي لألملمها علي صدري خوفا من أن تخترق نظراته ملابسي لتري حرمتي.. وأحسست بعد السلام عليه أنني يجب أن أغسل يدي جيداً.. جلست أتأمل هذا الصرح أو هذه الحديقة الواسعة جدا والتي تمتليء بكل ملذات الحياة من مؤكلات ومشروبات ووسائل ترفيهه للكبار والصغار، وكم هائل من الجرسونات الآسيويات ينتشرن بين الحضور بخفة ورشاقة وتحت الطلب والأمر لأحلام الحاضرين. وبلا حسد وخمسة في عيوني وعيون كل من شاهد ومقلش الله أكبر وماشاء الله ولكني وبفضول شديد سألت صديقتي إيه العز ده كله.. أكيد زوجك ورث ورثة كبيرة قوي، فضحكت ضحكة زائعة وقالت فعلا هو ورث من عمه أراضي وعقارات بعناها واشترينا الأرض دي وأقمنا عليها الفيلا اللي كنا بنحلم بيها، وكأنني حمقاء التزمت الصمت حتي لا أعكر صفوها فأنا أحبها رغم عيوبها وأشعر دائما أنها تحبني وتفضلني علي كل الصديقات الأخريات، وأيضا تحترمني بشدة ولكني أخذت أفكر في هذا الزوج الأحمق الجاهل الذي استطاع أن يجمع هذه الثروة الطائلة في زمن وجيز، ومن أين أتي بكل هذا المال وهو محاسب صغير في إحدي الشركات الحكومية وأنا أعرف ماضيه جيدا، وأعلم أن عائلته بسيطة جدا وتفتقر المال ولم أشغل بل كثيرا بهذا الرجل فهناك الكثير بال الكثير جدا من أمثاله من الحرامية.. أخذت أراقب الحضور، نوعيات غريبة من البشر محدثي النعمة يتباهون بمن منهم السارق الأكبر.. وجلست مع مجموعة من النساء النافخات المشدودات الممتلئات بالسيليكون تحدثن عن رجال مرموقين وذات صيت طيب في المجتمع كيف يتبادلونهم ومن هو الأفضل فيهم في مغازلة النساء، وقالت إحداهن للأخري تعرفي فلان؟ هذا رقم تليفونه لما أزهق منه أعطيك رقمه، ولأنني أعرف هذا الشخص وهو مذيع مرموق وله وزنه وهو رجل ملتزم ومحترم ومتزوج وأب فأخذت أدافع عنه بشدة، واتهمت هذه السيدة القبيحة بأنها تفتري وأن كلامها غير صحيح، فمالت علي وقالت عندي له شريط فيديو قديم «ودي في دي» حديث ممكن أفرجك عليه، وتعجبت من وقاحة هذه السيدة المتزوجة وهي تدين نفسها بأنها (.........)، وتعجبت أكثر حين تحول حديث النساء أنفسهن عن العمرة ومن سيذهب منهن وكأنهن يريدن أن يذهبن لفسحة، وأيضا ازداد تعجبي حين تكلمن عن الصلاة وكيف أن لا يفوتهن فرض وشعرت فجأة بالغثيان من هؤلاء النسوة. عدت إلي حصني وأغلقت أبوابي علي ودعوت الله أن يديم علي نعمته بالعقل والاتزان وإدراك السعادة الحقيقية ألا وهي التصالح مع الذات والسلام الداخلي للنفس والحب بكل أنواعه وأشكاله والثقة في النفس والصدق في القول والفعل.