وأتمنى أن نتناول العمل الفنى بنفس الروح التى كتب بها أمير فيلمه بعيدا عن تلك الذكريات القديمة التى لم تكن أبدا سعيدة فى هذا الشأن أتذكر مثلا أن أحد المحامين الأقباط تقدم بدعوى قضائية قبل أربع سنوات يطالب فيها بإيقاف عرض المسلسل الدرامى الرمضانى الناجح «دوران شبرا».. استند المحامى فى دعواه إلى أن الممثلة «نيرمين عصام» تؤدى دور شخصية قبطية فى المسلسل فهى خطيبة «أحمد عزمي» إلا أنها ترتدى ملابس مثيرة مما اعتبره مسيئاً للأقباط فى مصر برغم أن المسلسل الذى تجرى أحداثه فى شبرا والتى تعتبر أكبر حى فى مصر يتعايش فيه الأقباط والمسلمون بروح ود وتسامح.. كما أن المسلسل قدم رؤية درامية تتشابك فيها العلاقات بإبداع وتسامح بين المسلمين والأقباط ولم تكن هذه هى المرة الاولى التى يعترض فيها عدد من الاقباط أو يتظاهرون فى صحن الكنيسة بسبب عمل فنى يقدم شخصيات قبطية!!. لا شك أن هناك قطاعًا لا يمكن تجاهله من الأقباط لديه نفس هذه الحساسية تجاه تقديم شخصية الأقباط فى الدراما وهو ما يؤدى إلى تخوف الرقابة المصرية من التصريح بالشخصيات القبطية فى الأعمال الفنية.. مثلاً حتى الآن لم تصرح الرقابة على المصنفات الفنية وأظنها أيضاً لن تصرح على الأقل فى القريب العاجل بعرض فيلم «الخروج» بعد أن تقدم منتج الفيلم «شريف مندور» بطلب عرضه تجارياً وذلك بسبب الخوف من غضب الأقباط وأيضاً تحسباً لاعتراض الكنيسة القبطية فى ظل حالة الشحن الطائفى التى ما إن تهدأ فى مكان حتى تشتعل فى آخر.. الفيلم أول إخراج لهشام العيسوى والذى شارك أيضاً فى كتابة السيناريو وسبق وأن شاهدت الفيلم فى مهرجان «دبي» 2010.. تناولت الأحداث عائلة مصرية تدين بالمسيحية إلى هنا والأمر يبدو عادياً ولكن استطاع المخرج أن يقتحم الخط الأحمر فى التعامل مع الشخصية القبطية وتغلغل أكثر فى تفاصيل هذه العائلة لنرى الابنة الكبرى التى لعبت دورها «صفاء جلال» وقد صارت فتاة ليل تبيع شرفها من أجل أن تضمن حياة كريمة لابنها.. الشقيقة الصغرى الوجه الجديد «ميرهان» على علاقة غير شرعية بشاب مسلم لعب دوره الوجه الجديد «محمد رمضان» تريد الزواج منه وتهدده بأنها حامل.. زوج الأم «أحمد بدير» يلعب القمار ويستحوذ على أموال العائلة عنوة.. بالطبع لو أن هذه العائلة مسلمة فسوف يتقبلها المجتمع المصرى بمسلميه وأقباطه بدون حساسية ولكن طبقاً لكل التجارب السابقة فى التعامل مع الشخصيات القبطية التى تحمل أى قدر من الإدانة الأخلاقية فى الدراما سواء المسلسلات أو الأفلام فإن الغضب بل والمظاهرات داخل الكنيسة وربما أيضاً خارجها هو المصير الذى ينتظر مثل هذه الأعمال الفنية!!. تعودنا فى الدراما أن نضع أوراق «السوليفان» على الشخصية المسيحية وكأننا نرفع راية مكتوباً عليها ممنوع اللمس أو الاقتراب.. الإحساس العام الذى يسيطر غالباً على صناع العمل الفنى أن المتفرج لا يريد أن يرى شخصية من لحم ودم وأنه فقط يقرأ عنوانها لكنه لا يتعمق فى تفاصيلها.. كان يبدو وكأن هناك اتفاقا ضمنيا على ذلك بين صناع العمل الفنى والجمهور الجميع ارتاحوا إلى استبعاد الشخصية القبطية!!. المعالجات الفنية التى اقتربت من العائلة المصرية القبطية وجهت لها انتقادات مباشرة من الكنيسة الأرثوذكسية فى مصر برغم أن المعالجة الفنية لم يكن الهدف منها الحديث عن الديانة بقدر ما هو تناول عائلة مصرية مسلمة أو مسيحية!!. على سبيل التذكرة فقط فإن السنوات الأخيرة شهدت أكثر من غضبة عارمة بسبب أعمال فنية تعاملت بحساسية وهدوء مع العائلة القبطية فى مصر ورغم ذلك وجهت لها انتقادات حادة منها مثلاً مسلسل «أوان الورد» عرض قبل عشر سنوات لعبت بطولته «سميحة أيوب» و «يسرا».. مسلسل «بنت من شبرا» عرض بعدها بنحو ثلاث سنوات بطولة «ليلى علوي» أثار الغضب لأن البطلة أشهرت إسلامها فيلم «واحد صفر» لكاملة أبو ذكرى أثار الغضب نظراً لأن «إلهام شاهين» تلعب دور امرأة مسيحية تسعى للحصول على تصريح من الكنيسة بالزواج!! أما الفيلم الذى حظى بأكبر مساحة من الغضب فهو «بحب السيما» عام 2004 إخراج «أسامة فوزي» وتأليف «هانى فوزي» وبطولة «ليلى علوي» و «محمود حميدة».. كان أول فيلم يتناول عائلة مسيحية الزوج والزوجة والابن والابنة كانوا هم الأبطال على الشاشة لم يتحمل قطاع عريض من الأقباط ذلك.. الحقيقة هى أن المشاهد المصرى وأيضاً العربى تعود على رؤية الشخصيات المصرية فى الأغلب مسلمة وإذا قدمت شخصية قبطية فإنها غالباً إيجابية وعلى هامش الأحداث.. آخر شخصية محورية قبطية قدمت سينمائياً فى فيلم «حسن ومرقص» 2008 التى أداها «عادل إمام» حيث لعب دور أستاذ علم اللاهوت وحرص «عادل إمام» على أن يلتقى «البابا شنودة» وتم إجراء بعض التعديلات الدرامية!! مأزق هذه الأعمال الفنية أن المتفرج لم يألف رؤية شخصيات قبطية تمارس أى قدر من الانحراف طوال تاريخ الدراما.. ولهذا تنتقل الحساسية التى نراها فى الشارع إلى دار العرض وبدلاً من أن يشاهد الجمهور شريطاً سينمائياً به عائلة مصرية بعيداً عن ديانتها سوف يراها عائلة قبطية بل ويعتبرها البعض فى هذه الحالة تحمل إدانة شخصية وليست درامية!!