سيدتين عظيمتين يهيم بهما المصريون عشقا ويتلمسون منهما البركة ويطرقون ابوابهما آملا فى الرجاء الاولى هى السيدة مريم العذراء والدة السيد المسيح عليه السلام والثانية هى السيدة فاطمة الزهراء ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجة الإمام على إبن على طالب رضى الله عنه ووالدة سيدى شهداء اهل الجنة الحسن والحسين رضى الله عنهما وارضاهم وفى ايام عطرة لمولد رسول الله وسيدنا عيسى نعرض سيرة سيدتى نساء العالمين ونكشف لأول مرة عن خط تلاقى المسيحية والصوفية خاصة فى تجلى السيدتين فالمعروف ان السيدة العذراء تجلت كثيرا فوق الكنائس ومنها الواقعة الشهيرة التى حدثت فى عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر اما قصة تجلى السيدة فاطمة الذهراء فقد اوردت بعض الكتب واقعة تاريخية حدثت في عام 1917 م كما يرويها أهل البرتغال . ففي تراثهم أن ثلاثة أطفال رأوا سيدة جليلة أسمها فاطمة, و وصفوها بأنها السيدة ذات المسبحة, و قالوا أنها ابنة نبي الإسلام. و بذلك أصبحت هذه الرواية مصدراً تاريخياً لاعتقاد عميق و شفاف في حياة شعب البرتغال. و القصة كما يرويها الأطفال الثلاثة و هم (جاسيتا البالغه من العمر 7 سنوات, فرانسيسكو البالغ من العمر 9 سنوات و لوسيان ذات العشر سنوات) و قد كانت لوسيان الشاهدة الرئيسية لهذه لواقعة كما نقلها الأطفال الثلاثة. حيث يروون: في عام 1916 م و قبل عام واحد من لقاءنا بالسيدة تجلى أمامنا ملك قال لنا هذه الكلمات الثلاثة: "لا تخافون فأنا ملك السلام, يا إلهي إنني أؤمن بك, و أعتقد بك و أعشقك, و إني أستغفر لؤلائك الذين لا يصدقون و لا يعشقون و لا يؤمنون" . و قد تجلى أمامنا هذا الملك مرتين في الصيف و الخريف, و في كل مرة يطلب منا شيئاً, كأن نقدم قرباناً, و نستغفر للمذنبين و ندعو له. و حقيقة كانت هذه المرات الثلاث بمثابة تهيئة لنا للقاء السيدة ذات المسبحة, و في الثالث عشر من مايو عام 1917 م. شاهدنا نوراً وضاء, ثم شاهدنا فوق شجرتي الزيتون و البلوط نوراً عظيماً و ظهرت لنا سيدة أكثر وهجاً من نور الشمس, تسمى فاطمة, بنت النبي, قالوا لها: من أين جئت؟ قالت: جئت من الجنة. قالوا لها: ماذا تريدين؟ قالت: جئت لأطلب منكم الحضور لهذا المكان مرة أخرى, ثم أخبركم فيما بعد ماذا أريد منكم. و قد كانت هذه السيدة ذات المسبحة تظهر في كل شهر منذ مايو و حتى أكتوبر و في آخر لقاء حصلت المعجزة الكبيرة أمام أنظار سبعين ألف مشاهد اجتمعوا لرؤية السيدة ذات المسبحة, فقد وقفت هذه السيدة أمام الحشد الكبير و أدارت الشمس في كبد السماء, ثم أوقفتها ثم أدارتها من جديد حتى خالها الناس ستقع عليهم, ثم أعادت الشمس كما كانت" كما رسم فنانون برتغاليون صورة نادرة للحظة تجلى السيدة فاطمة الزهراء كما تخيلوها اما السيدة مريم العذراء هي أم نبي الله عيسى عليه السلام والتي ولدته دون أن يمسها رجل لتكون ولادته معجزة للناس. وقد خُصصت لها في القرآن الكريم سورة كاملة و قد ذُكرت أيضاً في العديد من الآيات بحيث أنه يمكن القول أنها ذُكرت في القرآن الكريم أكثر ما ذُكرت في الإنجيل. لما ولدت السيدة مريم كان يعيش في محيطها نبيين وهما عمران وزكريا عليهم السلام والذين كانا يعدان من الشخصيات الرئيسية في القدس. وكان عمران متزوجاً من من السيدة حنة وزكريا من السيدة إليزابيث اللتين كانتا بدورهما أُختان تتسمان بالتقى والعبادة والأخلاق الرفيعة. ولم تُنجب الأختان حتى تقدم بهما السن. بعد أن تقدم بنبي الله عمران وزوجته فى السن بشرهما الله سبحانه وتعالى أنهما سيرزقان خلفاً سيكون مصيرياً لبني إسرائيل. وقبل أن تنجب السيدة حنة توفي عمران عليه السلام. نذرت السيدة حنة مافي بطنها لله ليكون خالصاً لله وأن تهبه للمعبد الذي كان مركز العبادة آنذاك في القدس. وهكذا كان يظن كل من كان على علم بذلك أن المولود القادم سيكون ولداً وسيكون هو المخلص.حسب كتابات إسلامية - ولما ولدت السيدة حنة أُنثى تفاجأ الجميع وأعرض العديد من أتباع عمران عنها في حين بقي البعض على إيمانهم بما أوحي لعمران أما السيدة حنة فكانت على يقين أن تلك الفتاة ستكون أم النبي المنتظر من الجميع. وسمت حنة ابنتها مريم واسمها يعني العابدة لله. نظراً لوفاة والد السيدة مريم تكفلها خالها زكريا والذي اهتم بتربيتها الدينية والعبادية حتى أنها صارت من أعلم الناس في عصرها. ولما بلغت سن التكليف بنى زكريا لها غرفة في مكان عالٍ من المعبد في القدس لا يدخلها إلا زكريا ومريم وكان وجود أُنثى في خدمة المعبد وقتها غير مسموح به وبذلك كان وجودها هناك استثنائي. لما بلغت مريم التسع سنوات بدأت بالصيام نهاراً وإحياء الليل بالعبادة والمناجاة وبلغت مكانة رفيعة من الإيمان والتقوى والورع وعُرفت بين الناس بذلك وبما يحصل معها من معجزات كرمها الله بها كما كان الحال عندما كان يدخل زكريا عليها ويجد عندها طعاماً حصلت عليه من رزقها الله إياه عن طريق المعجزة. والقرآن الكريم يذكر ذلك في سورة آل عمران (3) الآية 36: " فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ " . كل ذلك تسبب أيضاً في حسد أن بعض كهنة المعبد والذين كانوا يستغلون كل فرصة أتيحت لهم ليظهروا هذا الضغن. أثناء ذلك رزق الله سبحانه وتعالى زكريا وزوجته بيحيى عليه السلام رغم تقدم سنهما. اما قصة حمل مريم بعيسى وولادته رواها القرآن الكريم في سورة مريم في الآيات 16 وحتى 33 حيث يقول الله سبحانه وتعالى: " وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا * فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا اما السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام فقد ولدت بعد مبعث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بخمس سنوات في بيت الطهارة والإيمان و تمكّنت السيّدة الزهراء عليها السلام من أن تحوط النبي صلى الله عليه واله وسلم بالحنان واهتمّت به أشدَّ اهتمام حتّى لقّبها ب"أمِّ أبيها" . نشأت في بيت النبوّة ومهبط الرسالة، فكان أبوها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلّمها العلوم الإلهيّة ويفيض عليها من معارفه الربّانيّة وشاءت حكمة الله تعالى أن تعاني هذه الإبنة الطاهرة ما كان يعانيه أبوها من أذى المشركين فيما كان يدعوهم إلى عبادة الإله الواحد.في الخامسة من عمرها فقدت أمّها السيّدة خديجة, فكانت تلوذ بأبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي بات سلوتها الوحيدة، فوجدت عنده كلّ ما تحتاجه من العطف والحنان والحبّ والاحترام. ووجد هو فيها قرّة عينه وسَلْوَة أحزانه فكانت في حنانها عليه واهتمامها به كالأمّ الحنون حتّى قال عنها: "فاطمة أمُّ أبيها" بعد أن غادر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مكّة متوجِّهاً إلى المدينة لحق الإمام علي ّعليه السلام به ومعه الفواطم، ومنهنَّ فاطمة الزهراء عليها السلام، وكان عمرها آنذاك سبع سنوات ما إن بلغت فاطمة الزهراء عليها السلام التاسعة من عمرها حتّى بدا عليها كلُّ ملامح النضوج الفكريّ والرشد العقليّ، فتقدّم سادات المهاجرين والأنصار لخطبتها طمعاً بمصاهرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنّه كان يردّهم بلطف معتذراً بأنّ أمرها إلى ربّها. وعندما خطبها عليّ عليه السلام وافق النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ووافقت فاطمة على زواجها من عليّ عليه السلام، لأنّه الكفؤ الوحيد لها، كما جاء في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وتمّ الزواج، فباع عليٌّ درعه بخمسمائة درهم لدفع المهر، ولتأثيث البيت الذي سيأويهما عليهما السلام لقد كان هذا البيت المتواضع بأثاثه، غنيّاً بما فيه من القيم والأخلاق والروح الإيمانيّة العالية، فبات صاحباه زوجين سعيدين يعيشان الأُلفة والوئام والحبّ والاحترام، حتّى قال عليّعليه السلام يصف حياتهما معاً: " فوالله ما أغضبتُها ولا أكرهتُها على أمرٍ حتّى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغْضَبَتْني ولا عَصَتْ لي أمراً. لقد كنت أنْظُر إليها فتنكشِف عنّي الهموم والأحزان . كانا يتقاسمان العمل، فلها ما هو داخل عتبة البيت وله ما هو خارجها. وقد أثمر هذا الزواج ثماراً طيّبة، الحسن والحسين وزينب وأمّ كلثوم تعلَّق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بابنته فاطمة عليها السلام تعلّقاً خاصاً لِمَا كان يراه فيها من وعي وتقوى وإخلاص فأحبّها حبّاً شديداً، وكان إذا أراد السفر جعلها آخر من يُودَّع، وإذا قَدِمَ من السفر جعلها أوّلَ من يَلقى. وكان إذا دخلت عليه وقف لها إجلالاً وقبّلها بل ربَّما قبّل يدها. وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "فاطمةُ بضعةٌ منّي من آذاها فقد آذاني, ومن آذاني فقد آذى الله" ومع كلّ ذلك، فقد جاءته يوماً تشكو إليه ضعفها وتعبها في القيام بعمل المنزل وتربية الأولاد وتطلب منه أن يهب لها جارية تخدمها. فلم يستجب لطلبها، بل استبدل ذلك بأمر آخر، عبّر عنه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "أعطيك ما هو خير من ذلك"، وعلّمها تسبيحة خاصّة تُسْتَحَبّ بعد كلّ صلاة، وهي التكبير أربعاً وثلاثين مرّة, والتحميد ثلاثاً وثلاثين مرّة, والتسبيح ثلاثاً وثلاثين مرّة، وهذه التسبيحة عُرِفَت فيما بعد بتسبيحة الزهراء.هكذا يكون البيت النبويّ، حيث إنّه يتجاهل الأمور الماديّة، ويعطي الأهميّة للأمور المعنويّة ذات البعد الروحيّ والأخرويّ إنّ اهتمام الرسول بفاطمة كان لما لها من صفات خاصّة، كما كان ذلك منه بياناً لمكانتها عند الله، وليس لأجل الدنيا الفانية وعُرِفَت السيّدة فاطمة عليها السلام بأسماء عديدة تُعبِّر عن كمالها ومقامها فهل التصوف الإسلامي ركيزة تلاقٍ بين المسيحيين والمسلمين ؟ يجيب عن هذا السؤال .د محمد رجائي الطحلاوي قائلا : " لم يستطع الإنسان حتى الآن أن يطوِّر جميع قدراته، ولا هو توصل إلى استعمالها كلها، فهو لا يستخدم سوى قسم صغير من خلايا مخه، فماذا إذا استطاع أن يسخّر جميع طاقاته! أليس في استطاعة الإنسان اليوم أن يصنع ما لم يستطع في الماضي، فأمامنا مثلا الحاسب الآلي، والسيارات والطائرات والروبوت، والمركبات الفضائية والهاتف المحمول..الخ لو عرضت علي إنسان الماضي لاعتبر كلَّ هذا من المعجزات. فلِمَ نستبعد وجود قدراتٍ لأشخاصٍ تفوّقوا روحيًا بتحررهم من الماديات التي تعطّل الذهن وانطلاق الروح وصفاء النفس، قبل ذلك، لم لا نتبين فيهم إمكاناتٍ وكشوفًا روحيّة لا تتيسّر لسواهم من ملايين البشر الذين يعيشون حياةً عادية. لقد شدّد المسيح في تعاليمه مرارًا على ضرورة التحلّي بصفات الطفولة، ومعنى ذلك العودة إلى الصفاء الأول في الإنسان قبل أن تستغرقه الحياة الدنيا. إنّ المسيح يشدّد على ضرورة عودة الإنسان الذي طحنته الحياة المادّية، فوقع في المعاصي، إلى صفاء الطفولة وطهارتها، قلبًا نقيًا، كي تنعكس فيه بعد صقله، الأنوار الربّانية. فانظر إلي عمالقة الشعر الصوفي: " الرومي و العطار و ابن عربي " وغيرهم، وقد استلهموا من تعاليم الكتاب المقدس والقرآن ولم يفرّقوا بين الأديان أبدًا؛ يقول ابن عربي: لقد صار قلبي قابلاً لكل صورةٍ , فمرعيً لغزلانٍ وديرٍ لرهبان وبيت لأوثانٍ وكعبة طائفٍ , وألواحَ توراةٍ ومصحفَ قرآن , أدين بدينِ الحبّ أنّى توجهت ركائبُه فالحب ديني وإيماني ثم جاء الشاعران الفارسيان المسلمان " سعدي الشيرازي " و " حافظ الشيرازي " فأعلوا من شأن المسيح واقتبسوا من أنواره، وهكذا فعل من سبقهم في تاريخ الأدب الفارسي. وعلماء التصوف يعرفون التصوف بأنه «حب المطلق»، فبذلك يتميز التصوف الحقيقي عن طقوس الزهد الأخرى، وحب الله يجعل المُريد يتحمل كل الآلام والمصائب التي يبتليه الله بها ليختبر حبّه ويطهّره، بل ويجعله يستمتع بها، وذلك الحب يمكّن قلب المحب من الاتصال بالحضرة الإلهية. ولأن التصوف مبني على مبدأ الذوق فإنّ المناهج المختلفة للتربية الروحانية والرياضات المتبعة في الطرق الصوفية والدرجات النفسية للترقي وتكوين الطرق ودورها الاجتماعي والحضاري تفتح مجالاتٍ هامّةً ومثيرة والمثير حقًا أن هناك الكثير من المشاهدات لممارسات المسيحيين التي تتشابه مع أعمال الصوفية الإسلامية، ومن أهمها التعميد وطقوسه المصاحبة، ورهبة الموقف، وهذا يشبه عند المتصوفة " أخذ " الطريقة والبركة إلى حد كبير و لا تكاد تجد فرقًا بين التوقير الذي يحظي به القسيس عن الأدب والمكانة التي يحظى بها شيخ الطريقة و «المواجيد» أو التواجد الذي يعيش فيه من يسمع التراتيل الكنسية والمدائح والتواشيح الصوفية و يغيب المتصوفة عن الوعي في لحظة " مشاهدة " فوق طاقتهم، وهو ما يُعرف بالتسامي الروحي "الإستحوال " وقد عبّر عنه " النفري " (ت. 354 ه) المتصوف الكوفي الكبير ب " عندما تتسع الرؤيا تضيق العبارة "، ونفس " الحالة " نراها تنتاب الذاكر المسيحي في الكنيسة، ذات الدموع وكلمة الموافقة عند الصوفية " نعم " يقولها المريد بلا سؤال كأنه يوافق خاطرة ما بذهنه ويردد المسيحي " إي مان " لموافقة كلمة الرب. وكثيرًا ما يُشاهد " انجذاب " مسيحي لا فرق فيه بين حال المسيحي وحال المتصوفة في الحبشة تلبس مجموعة من الفقراء الجبّة المرقّعة ويتجمعون في دائرة يتوسطها ضارب الدُف مثل أهل النوبة ويميّزهم صليب كبير يدل علي مسيحيتهم ولعل ما سبق يقودنا إلي السؤال الآتي: ما الفرق بين التسامي في المسيحية والتصوف في الإسلام؟ بعبارة أخرى، ما الفرق بين تريزا الآبلية الاسبانية (1515 - 1582م) ورابعة العربية " شهيدة الحب الالهي " ويوحنا الصليبي وبين الحلاج الصوفي العراقي والبسطامي الفيلسوف الفارسي وابن عربي مثلاً؟ إن أهم ما يجمع بين هؤلاء هو البحث عن طريق اللقاء بالله، فثمة رباط محبة مع الله، لا رباط يمحو المتصوف في ماهية الله، فيما يُعرَف ب " الفناء "