هناك موجة من الأحداث تشهدها البحرين مؤخرا قد تؤثر بشكل كبير على السياسات الداخلية المستقبلية للمملكة وعلى علاقاتها مع الولاياتالمتحدة. في 22 نوفمبر؛ أُجريت الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية لاختيار أعضاء مجلس النواب الأربعون، وذلك في ظل مقاطعة جمعية الوفاق المعارضة للانتخابات احتجاجا على عدم إحراز أي تقدم في محادثات "الحوار الوطني" بين المعارضة والأسرة الحاكمة. وفي 25 نوفمبر؛ اقتحمت قوات الأمن البحرينية منزل المرشد الروحي للمعارضة الشيعية في البحرين "عيسى قاسم" بحثاً عن شخص مطلوب في قضية تفجير.أما في 29 نوفمبر؛ فانطلقت جولة الإعادة للانتخابات التشريعية، وفي اليوم التالي كلف الملك "حمد" الشيخ "خليفة بن سلمان آل خليفة"-البالغ من العمر 79 عاما ويشغل منصب رئيس الوزراء منذ 1970-بتشكيل حكومة جديدة. وفي الوقت نفسه، أجرت صحيفة "فاينانشال تايمز" اليوم حوار مطول مع وزير الخارجية البحريني الشيخ "خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة" والتي أعلن فيها تشكيل قيادة عسكرية خليجية مشتركة بهدف التصدي لإيران، والعمل مع الولاياتالمتحدة ضد تنظيم "داعش". وفي 5 ديسمبر سيُعقد مؤتمر دولي كبير في العاصمة المنامة والذي من المرجح أن يحضره مسئولون أمريكيون رفيعو المستوى (فمثلا كان وزير الدفاع "تشاك هاجيل" أحد المتحدثين في مؤتمر العام الماضي)، ويبقى السؤال هنا: هل سيُترجم الحضور الأمريكي في المؤتمر إلى أنه تأييد من جانبها لنظام سياسي معيب، أم سيُعتبر احتفال بزيادة التعاون العسكري بين الدولتين. عادة واشنطن هي من تحدد طبيعة العلاقة الثنائية بين البلدين، فتقيم توازن بين رغبتها في الإبقاء على قواعدها البحرية في البحرين، وبين رغبتها في التأكيد على التزام البحرين بتطبيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. ومع ذلك تحاول البحرين حاليا السيطرة على تلك العلاقة التي سادها التوتر منذ احتجاجات 2011، ويليها استقالة المعارضة من البرلمان. ثم جاء طرد البحرين ل"توم مالينوسكي" مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشئون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل ليزيد من حدة التوتر بين البلدين. ويُذكر أن "مالينوسكي" طُرد لإثارته غضب الملك "حمد" بعد أن اجتمع مع رموز من المعارضة الشيعية دون أن تُصرح له الحكومة البحرينية بذلك. ولا تزال محاولات "مالينوسكي" للعودة للبحرين تبوء بالفشل، حتى وبعد أن بدت العلاقات بين البلدين قد عادت إلى طبيعتها خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر. تغيرات- دون أدنى اختلاف؟ تسيطر العائلة الحاكمة "آل خليفة" على النظام السياسي في البحرين؛ حيث يشكل أفراد العائلة نصف حكومة تصريف الأعمال الحالية. ويعد الملك "حمد"-البالغ من العمر 64 عاما والذي تُوج ملكا بعد استفتاء 2001 المعني بإجراء إصلاحات سياسية- قطبًا ضمن ثلاث أقطاب متشددة تقود البحرين: تضم بخلافه عمه الشيخ "خليفة" وابنه الأكبر "سلمان بن حمد" ولي العهد والنائب الأول لرئيس الوزراء. ويتضح ذلك من انتشار صور ثلاثتهم في أنحاء العاصمة وفي جميع المكاتب الحكومية. ويرجع التوتر في العلاقات بين هذا الثلاثي الملكي إلى قيادة الملك المتذبذبة، ومهارات رئيس الوزراء في التعامل مع الشعب، علاوة على رغبة ولى العهد في تنفيذ عدد من الإصلاحات السياسية تلقى رفضًا لدى الشيخ خليفة بشكل قاطع. وعلى الرغم من أن لا أحد من أفراد العائلة المالكة يعارض الملك، إلا أنهم منقسمين حول هذه الرؤية السياسية. ومن أبرز المعارضين من العائلة المالكة لمثل هذه الإصلاحات السياسية هو جناح "الخوالد" السني المتشدد والذي يضم كلا من وزير الديوان الملكي "خالد بن أحمد بن سلمان آل خليفة" وأخوه القائد العام لقوة دفاع البحرين "خليفة بن أحمد بن سلمان آل خليفة". وجاء عدد اليوم من صحيفة "جلف ديلي نيوز" البحرينية-والتي تعكس بشكل كبير اتجاهات الحكومة- بعنوان "حان وقت التغيير" مع نشر صورتي الملك ورئيس الوزراء. وعلى الرغم من أن مدى صدق ما توصلت إليه افتتاحية ذلك العدد، إلا أنه على الأقل توضح نتائج الانتخابات التشريعية ما حدث من تغييرات في مجلس النواب. فنجد أن ثلاثة أرباع الأعضاء المنتخبون جدد، علاوة على غياب "الوفاق" المعارضة، وزيادة تمثيل جماعة الإخوان المسلمين في مقابل نقص عدد ممثلي الجماعات السياسية السنية الأخرى داخل البرلمان. وأشار موقع "مواطنين من أجل البحرين"-وهو موالي للحكومة-إلى نطاق الاختلاف الواسع في مجلس النواب الجديد في ظل وجود نواب من السنة والشيعة ونائبات سيدات ممن تعهدن في حملاتهن الانتخابية بالعمل نحو تحسين خدمات التعليم، والبنية تحتية والخدمات الصحية. وتشكل الانتخابات الداخلية لجمعية الوفاق الحدث السياسي الأبرز الذي ستشهده البحرين هذا الأسبوع. ويُذكر أن وزير العدل البحريني الشيخ "خالد بن على" قد سارع بوقف قرار المحكمة الصادر ضد الجماعة والذي ينص على تعطيل أنشطتها لمدة 3 أشهر، ومن الواضح أن السبب وراء قرار الوزير هو السماح للجماعة بإجراء انتخاباتها الداخلية لاختيار قياداتها. ولكن إذا كانت المنامة تأمل بأن انعزال الجمعية عن المشاركة الانتخابية سيؤدي إلى تغيير في قياداتها، فهي بالتأكيد ستصاب بخيبة أمل. فعلى الرغم من الجدال الدائر داخل الجمعية حول مقاطعتها للانتخابات التشريعية، وإدراكها لاحقا أن قرار المقاطعة الذي اتخذته كان خطوة في الاتجاه الخاطئ، إلا أنه من المتوقع أن يعيد أفراد الجمعية انتخاب الشيخ "علي سلمان" أمين عام الجمعية، و"خليل المرزوق" كمتحدث باسمها؛ واللذان تصفهما الحكومة بأنهما لا يقبلان التنازل. وإلى الآن، ولعل عمر رئيس الوزراء والأنباء المتكررة عن تدهور حالته الصحية يوحي أن إعادة تعيينه في نفس المنصب ما هو إلا مجرد إجراء صوري محض. وبرغم ما قدمه مسئولون أمريكيون على مدار عقود من مشورة للملك "حمد" بتنحية رئيس الوزراء "خليفة بن سلمان"، إلا أن الشيخ لا يبدي أية رغبة في التنحي عن منصبه، وعبر المقربون منه عن احتمال مغادرته بجملة "أنا ومن بعدي الطوفان". وعلى مدار عدة أشهر، تم تنظيم حملة صامتة تأييدا لرئيس الوزراء مع تعليق لافتات كبيرة تظهر صورته وتحمل الكلمات: "الشعب. خليفة بن سلمان. خط أحمر" الأمر الذي يشير إلى أن عزله من منصبه يُعد تجاوز للحدود. ولكن إذا لم يُعاد تعيينه، فمن الممكن أن يحل محله أيا من أفراد العائلة المالكة العديدين ممن يشغلون حاليا مناصب نواب الوزراء: ولي العهد "سلمان" والنائب الأول لرئيس الوزراء، والذي على الأغلب سيدفع بأجندته الإصلاحية وسط اعتراضات من أفراد العائلة المالكة المتشددين. "محمد بن مبارك آل خليفة"-البالغ من العمر 79 عاما-وهو ثاني نواب رئيس الوزراء، وشغل منصب وزير الخارجية لمدة 35 عاما، ويُرى أنه شخصية توافقية. "علي بن خليفة آل خليفة"، ابن الشيخ "خليفة" خالد بن عبد الله آل خليفة"، وهو المرشح المفضل لجناح "الخوالد" المتشدد. داعش وطيف إيران ساهم ظهور تنظيم داعش وتشكيل التحالف الدولي الأمريكي لمواجهته في تمكين المنامة من التأكيد على وجود أبعاد مختلفة للعلاقات الأمريكية-البحرينية؛ حيث شاركت المقاتلات البحرينية F-16 في توجيه هجمات جوية ضد مواقع داعش في سوريا. بالإضافة إلى ما أعلنه وزير الخارجية البحرينية من تشكيل قيادة إقليمية جديدة تعمل على تنسيق السياسيات التي ينتهجها الخليج في حربه ضد داعش وتصديه لإيران. ومن المحتمل أن يكون الهدف من وراء ذلك كله هو محاولة تشتيت الغرب وزعماء دول الخليج الأخرى عن التركيز على الاحتقان السياسي داخل البحرين. وعلى الجانب الآخر، أسفت بريطانيا لمقاطعة "الوفاق" للانتخابات البرلمانية لأنها ارتأت أن مشاركتها قد تكون فرصة لمحاولة تهدئة الأوضاع السياسية المضطربة في البحرين. ولا يقتصر الأمر على بريطانيا فقط، ولكن يرغب حليفي البحرين أيضا-السعودية والإمارات-في استقرار الأوضاع السياسية بها، خوفا مما قد ينشأ عن تلك الاضطرابات من نتائج كارثية على كلاهما. ويُذكر أن البحرين تستضيف هذا الأسبوع "حوار المنامة" وهو حدث سنوي ينظمه المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بلندن. ويدور حدث هذا العام حول الأمن الإقليمي؛ فيبدو أن المنامة ترغب في استعراض دورها في التحالف الأمريكي ضد داعش، وفي الوقت نفسه تؤكد على التهديد الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني.