بقلم: تشارلز ليفينسون (CHARLES LEVINSON) ملاحظة: (التقرير يعبر عن وجهة نظر أمريكية فى صحيفة «وول ستريت جورنال» ذات الخط اليمينى؛ حيث يحذر من خطر ما يسمونه سيطرة الأصوليين السنة على حكم البلاد، ومن ثم مضايقتهم النفوذ الإمريكى هناك، وتهديد بقاء القاعدة الأمريكية. وقد نُشر أيضا فى صحيفة «الإندبندنت»). الانقسام الآخذ فى الاتساع بين أجنحة الحكم داخل العائلة المالكة فى البحرين من شأنه أن يُمكّن للتيار المتشدد المناهض للولايات المتحدة فى هذه الدولة الجزيرة ذات الأهمية الاستراتيجية (بالنسبة إلى واشنطن). ويشير المطلعون من داخل القصر إلى أن ذلك سيزيد قلق الولاياتالمتحدة على قاعدتها البحرية الرئيسة فى قلب الخليج العربى. ويشمل الانقسام، الذى ظل بعيدا عن الأنظار حتى وقت قريب، فرعين من العائلة المالكة «آل خليفة»، وكلاهما ينحدر من الإخوة الذين تم تثبيتهم فى الحكم من قبل البريطانيين فى عام 1869. وفى خرق غير معتاد من العائلة المالكة، وصفت شخصيات داخل قصر حالة الانقسام فى مقابلات مع صحيفة «وول ستريت جورنال». وقد شهد الأسبوع الماضى إحياء الذكرى الثانية لاحتجاجات الربيع العربى، التى لا يزال يتردد صداها يوميا فى شوارع البحرين. التنافس الملكى فى دولة البحرين الصغيرة، والتى تقع فى الخليج بين السعودية وإيران، له أهمية جغرافية سياسية. واستنادا إلى دبلوماسيين غربيين ومسئولين أمريكيين، وأجنحة الحكم المتنافسة داخل الأسرة الحاكمة وزعماء المعارضة والمحللين السياسيين، فإن ما يحدث فى البحرين هو تمكين للمتشددين السنة وتآكل للنفوذ الأمريكى. الخلاف قد وضع الملك، الذى راعى أسلافه العلاقات الغربية على مدى عقود، ضد خط وراثى داخل العائلة المالكة، والمعروف باسم «الخوالد» (وينتمون إلى خالد الخليفة، الأخ الأصغر لأمير البحرين السابق، وفى عام 1920 قاد حملة ضد احتجاجات الشيعة، وسجنته القوات البريطانية)، وتم تهميشهم منذ فترة طويلة؛ إذ ترتكز قاعدة سلطتهم، فى بعض جوانبها، على الخط المتشدد فى الحركة الإسلامية. ولكن فى السنوات الأخيرة، سيطر «الخوالد» على المؤسسات الهامة، بما فى ذلك أمن البحرين والمخابرات والقضاء والمحكمة الملكية. «إنهم خرجوا من الظلام»، كما قال «كريستيان كوتس»، خبير فى شئون الأسرة المالكة فى البحرين فى معهد «تشاتام هاوس» وهو مركز أبحاث مقره لندن. وأضاف: «ويشارك هؤلاء الرجال فى معركة ضخمة للسيطرة على العائلة». وهناك قلق بين أطراف داخل القصر والمراقبين الغربيين من أن خط الخلافة الملكية الحالى يمكن أن يئول فى نهاية المطاف لصالح «الخوالد». «الملك مهمش تماما»، كما قال «إميل نخلة»، المحلل السابق لوكالة المخابرات المركزية السابق، والمراقب البحرينى. وأضاف: «بعض الأفراد داخل جناح الخوالد قد يبدأون فى التفكير، ونحن ينبغى أن نستكشف خطًّا وراثيا مسيطرا آخر داخل العائلة الحاكمة». «المحيطون بالملك كلهم من الخوالد الأقوياء»، كما قال عضو بارز فى العائلة المالكة، ليس من الخوالد، فى مقابلة مع الصحيفة، فى خطوة جريئة لا تتسم بالانضباط الملكى المعهود لشجب أبناء عمومته المنافسين. وقد صُنفت البحرين من بين دول الخليج الأكثر اعتدالا وديمقراطية. واحتضانه للأسطول الخامس للبحرية الأمريكية والقيادة المركزية البحرية، يجعل منه مركز قوة الولاياتالمتحدة فى منطقة الخليج. ولا تزال البحرين حليفا قويا، كما يقول مسئولون أمريكيون، وأكده الملك. غير أن المسئولين يعترفون بأن هناك أطرافا أكثر تحفظا داخل العائلة المالكة، متوجسة من دوافع واشنطن فى الجزيرة الصغيرة. ويقول المحللون إنه فى الوقت الذى يواجه فيه موقف ولى العهد الحالى، ابن الملك ووريث العرش، الضغوط من خط المتشددين، فإنه لا يُعتقد أن ثمة احتمالا وشيكا لحدوث تغيير فى السلالة الحاكمة داخل الأسرة المالكة. هناك تلميحات بتراجع الحماس للبحرين بين بعض الشخصيات العسكرية الأمريكية؛ فقد حث الأدميرال المتقاعد «دينيس بلير»، المدير السابق للاستخبارات الوطنية والقائد العام للقيادة الأمريكية فى المحيط الهادى، وزارة الدفاع الأمريكية هذا الشهر على نقل مقر الأسطول الخامس خارج البحرين. وكتب مؤخرا: «يجب أن يتم نقل مقر الأسطول الخامس مرة أخرى كما كان حتى عام 1993»، ورأى أن العملية مكلفة ولكنها «ضرورية»، وأضاف: «اعتمادنا الدائم على مملكة البحرين القمعية يقوض دعمنا للإصلاح، ولن يكون محصنا حال استمرار الاضطرابات». وقال مستشار بارز لملك البحرين، وهو مقرب من كبار «الخوالد»؛ إن التقارير عن الخلافات العميقة بين أفراد الأسرة المالكة مبالغ فيها»، وأضاف: «هذا نقاش صحى، وليس حكايات عن ثورات». وقد رفض الملك التعليق على هذا. وقال المستشار إنه قد يكون الدافع وراء بعض النقاد داخل الأسرة الحاكمة هو التنافس على التعيينات الحكومية، خاصة ما تعلق بخلافة رئيس الوزراء الحالى (82 عاما)، عم الملك وأحد الحكام الأقوياء فى البحرين، رغم أنه لا يوجد جدول زمنى لذلك. ولم يوافق أحد من المسئولين الحكوميين «الخوالد» على إجراء مقابلات معهم. عندما اجتاحت احتجاجات الربيع العربى البحرين فى العام 2011، ظهر خلاف الأسرة المالكة إلى العلن. وقدم الملك، من خلال ابنه وولى العهد، تنازلات وعرض التسوية مع الناشطين، كما حثته الولاياتالمتحدة على ذلك، بينما دعا «الخوالد»، من ناحية أخرى، إلى قمع الاحتجاجات. وتغلب خط «الخوالد» وقادوا الحملة. ومنذ ذلك الوقت والمملكة تغلى وتموج. ولا تزال الاشتباكات العنيفة بين المتظاهرين والشرطة وقنابل الغاز المسيلة للدموع والرصاص المطاطى وهتافات «الموت للملك»، حدثا بارزا فى كل ليلة. مملكة البحرين هى موطن لنحو 1.2 مليون شخص، معظمهم من الشيعة، ولكن العائلة الحاكمة تنتمى إلى الأقلية السنية. ومن ثم، فإن الاشتباك داخل البحرين هو صورة مصغرة عن صراع أوسع نطاقا فى الشرق الأوسط، بتأليب الحكومات السنية، مثل المملكة العربية السعودية، ضد إيران الشيعية وحلفائها. وقال «كريستين سميث ديوان»، وهو مراقب بحرينى فى الجامعة الأمريكيةبواشنطن: «ما يحدث فى البحرين يحدد النغمة لكثير من دول الخليج»، والتى تجنبت، وإلى حد كبير حتى الآن، اضطرابات الربيع العربى. وقال اثنان من المسئولين السابقين فى الولاياتالمتحدة من ذوى الخبرة فى البحرين: إذا استمر «الخوالد» فى كسب مزيد من النفوذ، فقد لا يكون ممكنا استمرار بقاء الآلاف من قوات الجيش الأمريكى وعائلاتهم هناك. وحث تقرير صادر هذا الشهر من مؤسسة كارنيجى، ومقرها واشنطن، الجيش الأمريكى على «إعداد خطط لنقل تدريجى لنقل الأسطول البحرى الخامس من هناك»، بسبب الشكوك داخل الأسرة الحاكمة. يوم الأحد الماضى، بدأت الحكومة وأحزاب المعارضة محادثات رسمية لأول مرة منذ 2011. وهذه المحادثات نفسها تبين كيف تحولت سلطة العائلة الحاكمة فى أقل من عامين. فى عام 2011، قاد ولى العهد فريق الحكومة، ولكن الأطراف المتشددة فى الأسرة الحاكمة عارضت المفاوضات المباشرة مع المعارضة، وفى هذه المرة، لا توجد مشاركة مباشرة لأفراد الأسرة الحاكمة. وكانت حملة البحرين على المعارضة الشيعية، والتى بدأت فى مارس 2011، الأوسع نطاقا فى تاريخ البحرين الحديث، حيث توفى ما لا يقل عن 86 شخصا، وبعض المعتقلين تم تعذيبهم حتى الموت، وفقا لتحقيق مستقل بتكليف من القصر، وتم تطهير الآلاف من الشيعة من الوظائف الحكومية، وهُدمت عشرات المساجد الشيعية. «والأنماط المختلفة للحملة القمعية عكست اختلاف القيادة الداعية لإطلاق النيران»، كما قال «جين كينينمونت»، وهو باحث كبير وخبير فى شئون البحرين فى مركز «تشاتام هاوس» للأبحاث. فى الوقت نفسه، أصبح الخطاب المناهض للولايات المتحدة ذا طابع شخصى، بحيث أعادت السفارة الأمريكية أحد دبلوماسييها بسبب مخاوف السلامة. فى تلك الحادثة، بعد أن قدم هذا الدبلوماسى الأمريكى الكعك إلى المتظاهرين الشيعة خارج السفارة الأمريكية، اتهمت صحيفة ممولة من الديوان الملكى، الذى يسيطر عليه «الخوالد»، الدبلوماسى بالعمل مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والإيرانية للإطاحة بالنظام الملكى، ونشرت صورة الدبلوماسى. ويقول المسئولون البحرينيون، سرًّا؛ إن هناك إحباطا واسع النطاق من أن الولاياتالمتحدة لم تقدم المزيد من الدعم إلى العائلة المالكة مع اندلاع الاحتجاجات، لكنهم لم يصرحوا بهذا رسميا. وأطلقت الصحيفة البحرينية نفسها المدعومة من قبل البلاط الملكى على الرئيس الأمريكى اسم «آية الله أوباما»، فى إشارة ساخرة إلى المرشد الأعلى لإيران، بسبب دعم واشنطن المزعومة للمحتجين فى المعارضة. هذا وتدعى المنامة أن إيران تدعم المعارضة فى البحرين. ويرفض مسئولون أمريكيون هذا التوصيف، ويقولون إنهم يؤيدون الملك ودعوته إلى الحوار مع المعارضة. ويقول نقاد «الخوالد» أيضا إنهم قللوا من تأثير المعتدلين؛ ولى العهد الموالى للولايات المتحدة، سلمان آل خليفة. وتتصارع أجنحة عائلية متنافسة على النفوذ فى البحرين منذ القرن الثامن عشر، عندما تولت عائلة خليفة، وهى من قبيلة ذات جذور سعودية، زمام السلطة. لكن فى الآونة الأخيرة فقط، بدأ أفراد الأسرة يعبرون عن انزعاجهم من نفوذ «الخوالد» المتنامى. فى العشرينيات من القرن الماضى، هيمن أخوان من آل خليفة على البحرين: الأمير، الذى حكم بدعم بريطانى، وشقيقه خالد بن على آل خليفة، فى دور جديد على أنه حاكم المقاطعة. وخالد هذا هو «أبو وشيخ» سلالة «الخوالد». عندما طالب الشيعة بمزيد من الحقوق فى وقت مبكر من عشرينيات القرن الماضى، قاد «خالد بن على» حملة قمعية ضدهم. وحُكم عليه بالسجن من القوات البريطانية بتهمة القتل، وتركت المحاكمة والاعتقال جروحا غائرة فى (سلالة الخوالد) لعدة عقود. ولكن أعاد الخوالد بناء قوته فى الوقت المناسب. وفقا لأحد أعضاء العائلة المالكة، جاء الفرج فى عام 1965، عندما عُين الحفيد الأكبر لخالد بن على (شيخ الخوالد)، ونعنى به خالد بن أحمد آل خليفة، وزيرا أو رئيس المحكمة، وكان عمر ولى العهد الأمير حمد بن عيسى آل خليفة، آنذاك، 15 عاما، وهو اليوم الملك. بعد ثلاث سنوات، ومع قرب الاستقلال عن الحكم البريطانى، اختار ولى العهد رجلا ثانٍ من الخوالد، شقيق الوزير، للمساعدة فى بناء أول جيش للبلاد. وبهذا، انتقل «الخوالد» من دائرة الإبعاد الملكى إلى الشخصيات المركزية فى القصر. فى عام 1999، أصبح ولى العهد ملكا، مع بروز اثنين من مساعديه الأقوياء المحسوبين على «الخوالد»: أصبح أحدهما وزيرا للديوان الملكى، وظل الآخر القائد الأعلى لقوات دفاع البحرين بصلاحيات واسعة.