يواجه التنظيم المعروف باسم "الدولة الإسلامية" ضغوطا متزايدة في سورياوالعراق وليبيا. ويفقد التنظيم مناطق كان يسيطر عليها وأفرادا من مسلحيه، وتعد خسائره المتراكمة بمثابة نوع من الانتكاس الاستراتيجي. وربما وهن التنظيم، لكن لم يتم القضاء عليه. وتزيد قوة التنظيم في ظل عدم الاستقرار، إذ تجعل حالة الفوضى المستمرة في المنطقة من الصعب دحره بالمعنى التقليدي للكلمة. وفي الحقيقة، فإن النجاح الباهر لخصومه يحمل في طياته إمكانية تفاقم التوترات الطائفية، التي يمكنها أن تلعب دورا في ازدياد قوة التنظيم مرة أخرى. ضغوط متزايدة وظهر جليا تراجع مكاسب التنظيم في ليبيا، حيث ضيق الهجوم المشترك لأكبر جماعتين مسلحتين جنبا إلى جنب مع حكومة الوفاق الوطني الجديدة الخناق على المعقل الرئيسي للتنظيم في مدينة سِرت. وجذور تنظيم الدولة في ليبيا حديثة مقارنة بغيرها من المناطق، إذ ربما كانت تركيبتها العشائرية والقبلية عاملا قويا في مقاومته. وأيّا كان السبب، فإن خصوم تنظيم الدولة أحرزوا تقدما سريعا منذ بداية هجومهم المشترك، إذ دخلوا مدينة سرت، ونجحوا - بحسب تقارير - في تأمين مينائها. وتقدر الولاياتالمتحدة عدد مقاتلي تنظيم الدولة في ليبيا بنحو خمسة آلاف شخص. وكانت ليبيا تعتبر إلى درجة كبيرة ملاذا آمنا لقادة التنظيم. وأفادت تقارير بأن الكثيرين منهم أرسلوا أسرهم إلى هناك، هربا من الضغط المتزايد في سوريا. وتشير تقارير إلى أن قوات خاصة تابعة لدول غربية تعمل هناك لمساندة بعض الجماعات المسلحة، لكن الليبيين أنفسهم هم من يتحمل العبء الأكبر للمعركة. وفي شمال سوريا أيضا، تتخذ الأوضاع منحى سيئا ضد التنظيم. وذكرت تقارير أن تحالف (قوات سوريا الديمقراطية) المدعوم من الولاياتالمتحدة قطع طريق الإمدادات الرئيسي إلى بلدة منبج التي يسيطر عليها التنظيم. وتعد البلدة، التي تقع على مسافة 40 كيلومترا من الحدود بين سورياوتركيا، مركزا مهما من الناحية اللوجيستية للتنظيم ومقاتليه القادمين إلى سوريا. ومن شأن السيطرة على البلدة أن تعزل الرقة، عاصمة الدولة التي أعلنها التنظيم، عن آخر طريق إمدادات رئيسي لها من تركيا. وجاء هذا بعد جهود مماثلة لقطع خطوط الاتصال بين الرقة والموصل في شمال العراق. وشنت الحكومة السورية، مدعومة بقواتها الجوية الخاصة وسلاح الجو الروسي، هجمات جديدة داخل حلب وحولها. كما نجحت في تأمين شريطا من الأراضي يمتد ناحية الشمال الغربي من مفترق طرق عند بلدة إثرية باتجاه الرقة. ومن الواضح أن المقاتلين الأكراد والعرب المدعومين من الولاياتالمتحدة والغرب إلى جانب القوات السورية المدعومة من روسيا هم الأكثر نجاحا في التقدم ضد تنظيم الدولة. وحقّقت جماعات المتمردين الأصغر والأضعف مزيدا من المكاسب المتفاوتة. غير أنه ليس هناك أدلة على أي تعاون فعلي وعملي بين واشنطن وموسكو. وفي العراق، تتقدم قوات الأمن التي دربتها الولاياتالمتحدة لمحاصرة الفلوجة، مدعومة من فصائل مسلحة غالبيتها من الشيعة. ومازال هناك قلق بالغ بشأن المدنيين العالقين في المدينة، على الرغم من فتح ممر إنساني واحد على الأقل لمساعدة البعض على الهروب. وعلى الرغم من ذلك، فإن الفلوجة ربما تبقى ممثلة لسقف قدرات الجيش العراقي. ويُقال إن الخبراء الأمريكيين متشككون بشأن قدرة الجيش العراقي على استعادة الهدف الأهم بكثير، وهو مدينة الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، ومعقل التنظيم هناك. كما يُقال إن القوات العراقية مثقلة بمهام تفوق طاقتها، وأن قدراتها اللوجيستية محدودة. وربما تتطلب العمليات الكبرى دفعات إضافية كبيرة من الدعم الأمريكي. فرق تسد ورغم ذلك، لا شك أن توازن تنظيم "الدولة الإسلامية" اختل بعدما مُني بسلسلة من الانتكاسات، ليس أقلها خسارة الرمادي في العراق ومدينة تدمر الأثرية في سوريا. وبغض النظر عن الصورة الاستراتيجية الأوسع، فإن أهمية هذه الانتكاسات تكمن في أنها تبدد فكرة التنظيم الذي لا يُقهر، وقد تساعد في بث روح الفرقة في صفوف التنظيم وتردع المسلحين الأجانب الجدد عن تقديم أرواحهم في المذبحة. غير أن التنظيم يستطيع الرد بطرق عديدة. وتظهر سلسلة الهجمات بالقنابل في العاصمة العراقيةبغداد أن تنظيم الدولة مازال يمتلك كثيرا من الأوراق التي يمكنه استخدامها لصالحه. وكما ذُكر آنفا، فإن النجاح الكبير لخصوم تنظيم الدولة الكثيرين لا يؤدي سوى لتعقيد مجموعة اختلافات طائفية واستراتيجية متشعبة. وضع في اعتبارك مثالين: الأول: تقدم القوات الكردية المهم باتجاه الحدود التركية مع سوريا أقلق أنقرة، التي تشن حاليا معركة ضارية ضد متمردي حزب العمال الكردستاني داخل أراضيها. الثاني: اشتراك فصائل مسلحة شيعية في عملية استعادة الفلوجة السنية في العراق يثير جميع أنواع المشاكل المحتملة. ويسلط هذا الضوء على الخطر المستمر من زيادة قوة تنظيم الدولة مرة أخرى في ظل حالة عدم الاستقرار واسعة النطاق في المنطقة. ليبيا بدأت بشق الأنفس إعادة البناء بعد الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي وحقبة مريرة من الاقتتال الداخلي. وتعد سوريا - بعيدا عن المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الرئيس بشار الأسد - دولة فاشلة بمزيج من الجماعات المسلحة، غالبيتها من إسلاميين يناصبون الغرب عداء يضاهي عداءهم لحكومة الأسد. وفي العراق، فشلت الحكومة - على الرغم من أن البعض سيقول إنها حاولت بالكاد - في تبني نهج أقل طائفية وتقديم صورة أشمل للحكم، تشتد حاجة البلد إليها. وبينما ينفض زعماء الغرب التراب عن خرائطهم، ويزعمون أن التنظيم يُمني بخسائر فادحة، فإن العوامل الرئيسية التي سمحت بتشكيل التنظيم نفسه في المقام الأول ما زالت قائمة. وهذا ليس بالسياق لإلحاق هزيمة استراتيجية بتنظيم "الدولة الإسلامية" أو هزيمة أفكاره، التي لديها القدرة بطريقة أو أخرى على تخطي حواجز هائلة وإلهام أفراد وجماعات تبعد مسافة قارة من موقع نشأتها.