استطاعت النمسا تحريك المياه الراكدة في مستنقع أزمة اللاجئين الأوروبي، ونجحت وزيرة داخلية النمسا، يوهانا ميكل لايتنر في تحقيق هدفها الرئيس، الذي تمثل في إطلاق تأثير الدومينو عبر دول غرب البلقان، التي يسلكها طابور اللاجئين انطلاقاً من اليونان وصولاً إلى النمسا في اتجاه ألمانيا. وكما توقعت الوزيرة تسببت قراراتها المتسارعة، لاسيما وضع سقف يحدد عدد اللاجئين الجدد سنوياً وتحديد عدد طلبات اللجوء المقبولة يومياً، في تحريك موجة عالية تفاعلت بشكل تسلسلي خطي، أدت في النهاية إلى إجبار دول غرب البلقان على تبني قرارات مشابهة، أوقفت حركة تدفق اللاجئين عبر حدودهم في اتجاه النمساوألمانيا، خوفاً من تكدس اللاجئين في أراضيهم. وجاء مؤتمر "غرب البلقان"، الذي استضافته العاصمة فيينا مؤخراً، ليمثل القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث أظهر المؤتمر حجم الانقسام في مواقف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إزاء أزمة اللاجئين، وتوجه عدد من الدول إلى تبني سياسات جماعية يتم الاتفاق عليها بعيداً عن أروقة المفوضية الأوروبية، بعد أن فشلت في تحقيق الإجماع المطلوب للتعامل مع أزمة تدفق اللاجئين إلى القارة العجوز ، فيما أسفرت جهود وزير خارجية النمسا الشاب، سباستيان كورتس ، عن تحقيق نتائج إيجابية بعد الزيارة التي قام بها مؤخراً إلى دول غرب البلقان، في جولة خارجية استمرت لمدة 5 أيام ، خلال الفترة من 8-12 فبراير الجاري، أدت إلى تنسيق المواقف وتعزيز التعاون بين النمسا والدول الست التي تقع على طريق البلقان، أسفرت عن تحقيق أول نتائج إيجابية على طريق وقف تدفق اللاجئين في اتجاه النمسا والمانيا. وقد نجح وزير خارجية النمسا في اقناع وزراء الخارجية والداخلية بدول غرب البلقان في حضور المؤتمر الاستثنائي ، الذي استضافته العاصمة فيينا ، وكذا نجاح المؤتمر في تسليط الضوء على أبعاد خطورة أزمة تدفق اللاجئين إلى أوروبا عبر طريق البلقان، وقام خلاله الوزراء المشاركون بمناقشة السبل المتاحة لوقف حركة اللاجئين بدءاً من الحدود اليونانية المقدونية مروراً بدول البلقان وصولاً إلى النمسا، وذلك بمشاركة وزراء داخلية وخارجية دول بلغاريا وكرواتيا وسلوفينيا. ومن جانبها تجاهلت النمسا توجيه الدعوة إلى اليونان للمشاركة في المؤتمر، بسبب عدم تجاوب اليونان مع مطالب حكومة النمسا، التي تحثها على تشديد إجراءات مراقبة حدودها مع مقدونيا وعدم السماح للاجئين بالوصول إلى بداية طريق البلقان الذي ينتهي في النمسا، وهو الأمر الذي أثار غضب حكومة اليونان، وأدى إلى صدور قرار بسحب سفيرة اليونان لدى النمسا للتشاور، بيّد أن الوضع الحرج الذي وصلت إليه أبعاد أزمة اللاجئين جعلت حكومة النمسا تولي الأهمية القصوى للبدائل المتاحة، حتى إذا كانت على حساب علاقتها مع اليونان، وهو الأمر الذي يظهر في تلويح وزيرة داخلية النمسا في وقت سابق باستبعاد اليونان من منطقة الشينجن بسبب عدم تعاونها في غلق حدودها أمام اللاجئين. وقد لجأت النمسا إلى استغلال موقعها الجغرافي الحساس كمعبر نهائي يجب أن يجتازه اللاجئون في طريقهم إلى ألمانيا، وأصدرت حزمة قرارات من شأنها أن تؤدي إلى وقف تدفق اللاجئين إلى أراضيها، وتكدس اللاجئين بطبيعة الحال في أراضي الدول الواقعة على امتداد طريق البلقان، وبذلك قامت النمسا عملياً بتحييد ألمانيا من معادلة استقبال اللاجئين قبل وصولهم إليها، حيث أن جميع اللاجئين الذين يرغبون في الوصول إلى ألمانيا، يجب أن يمروا عملياً من خلال الأراضي النمساوية. وفى هذا السياق ، أسفر عقد "مؤتمر غرب البلقان"، عن اتفاق النمسا ودول غرب البلقان المشاركة على عدة بنود حملت عنوان "حزمة البلقان" وتضمنت نقاط هامة، تضمنت الاتفاق على السماح فقط بمرور اللاجئين الذين يحتاجون إلى حماية بسبب تعرض حياتهم للخطر، رفض مرور اللاجئين الذين يحاولون استخدام وثائق مزورة، اتباع إجراءات موحدة بالنسبة لإجراءات تسجيل بيانات اللاجئين في جميع دول البلقان، تقديم المساعدة والتعاون مع الدول التي تتعرض حدودها لضغوط شديدة، تكثيف وتشديد إجراءات مكافحة عصابات ومافيا تهريب اللاجئين، إنشاء مركز في العاصمة فيينا لإدارة الأزمة بمشاركة دول البلقان، على أن يبدأ عمل المركز مع حلول شهر أبريل القادم، وموافقة حكومة النمسا على زيادة عدد العناصر الشرطية النمساوية العاملة في مقدونيا إلى 20 عنصر، لمساعدتها على تعزيز حدودها مع اليونان. وتوضح التطورات الأخيرة أن حكومة النمسا أصبحت تتزعم وتقود دول غرب البلقان في مسار هدفه الأساسي وقف حركة وتدفق اللاجئين السوريين، الذين ينطلقون من اليونان عبر طريق البلقان في اتجاه النمسا والمانيا، وينبغي الإشارة هنا إلى أن المحرك الأساسي لهذه الجهود هي وزيرة داخلية النمسا، يوهانا ميكل لايتنر بالتعاون مع وزير الخارجية سباتسيان كورتس، وهما الوزيران المنتميان لحزب الشعب المحافظ، الشريك الائتلافي فى الحكومة الحالية، الذي يقف موقفاً متشدداً منذ البداية ضد وصول اللاجئين إلى النمسا ويعارض استقبال المزيد منهم. ويرصد المتابع لتطور أزمة اللاجئين حدوث تغير في موقف حكومة النمسا الائتلافية، التي يقودها الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إزاء اللاجئين بواقع 180 درجة، منذ مطلع شهر يناير الماضي، الذي شهد تبني حكومة النمسا لمسار جديد مختلف أصبح هدفه الأساس هو العمل بكل قوة على تقليص عدد اللاجئين الجدد عن طريق تبني حزمة إجراءات جديدة جعلت النمسا أقل جاذبية بالنسبة للاجئين. وقد شملت هذه الإجراءات : وضع سقف أعلى حدّد عدد اللاجئين الجدد الذين يمكن أن تستقبلهم النمسا، تحديد إجمالي عدد اللاجئين المقبولين في النمسا بدءاً من العام الجاري وحتى نهاية عام 2019 بواقع 500ر127 لاجئ، تشديد إجراءات لم شمل الأسرة بالنسبة للأفراد الذين حصلوا على حق اللجوء في النمسا، عن طريق ربط تصاريح جلب أفراد الأسرة بالعمل لفترة زمنية معينة وتحصيل حد أدنى للدخل شهرياً، تطبيق نظام منح اللجوء محدد المدة، على أن يكون لفترة 5 سنوات، يتم بعد انتهائها دراسة مدى أحقية تجديد حق الإقامة للاجئ، بناءً على توافر الأسباب التي تم على أساسها منح حق اللجوء، على أن يتم إنهاء إقامة اللاجئ بعد انتفاء هذه الأسباب. كما شملت الإجراءات : تقليص قيمة الحد الأدنى للمساعدات المالية المقدمة للاجئ في النمسا، وكذلك تقليص حجم الخدمات والتسهيلات الاجتماعية، تبني إجراءات رقابية جديدة مشددة على حدود النمسا مع الدول المجاورة مثل إيطاليا وسلوفينيا، إعادة ترحيل اللاجئين الذين يرغبون في التقدم بطلبات للحصول على حق اللجوء في السويد أو الدنمارك، تطبيق نظام حصص يومية يحدد عدد طلبات اللجوء التي يتم قبولها على الحدود السلوفينية النمساوية بواقع 80 طلب، زيادة عدد الجنود المشاركين في مهام حماية الحدود النمساوية إلى جانب الشرطة، بواقع 450 جندياً ليصل إجمالي العدد إلى 1600 جندي، ترحيل المهاجرين الذين تم رفض طلبات لجوئهم إلى النمسا بطائرات عسكرية ، وإضافة دول شمال أفريقيا تونس والمغرب والجزائر على قائمة الدول الآمنة التي لا يتم قبول طلبات من رعاياهم للحصول على حق اللجوء في النمسا ، وتسريع ترحيل مواطني هذه الدول من النمسا.