يعاني سوق الكاسيت في العالم العربي من حالة نضوب وقحط بسبب زيادة معدلات السطو علي الأشرطة الغنائية وتحميلها علي "النت" فتصبح متاحة للجميع مجاناً وربما تجد أن هذا السبب يبدو وحده كافياً لكي يقرر أهل "يا ليل يا عين" اقتحام الشاشة الصغيرة كمقدمي برامج مثل "أصالة" و "لطيفة" و "رولا سعد" كما أن البعض قرر أن يجرب حظه في التمثيل للشاشة الصغيرة.. لدينا أربعة مطربات قررن ذلك هذا العام وهن "هيفاء" و" أنغام " و "لطيفة" و"سميرة".. في رمضان الماضي كان "تامر حسني" هو الذي بدأ هذه الخطوة بينما أعلن "عمرو دياب" التأجيل لرمضان القادم ثم قرر "هاني شاكر" أيضاً ألا تفوته محطة قطار التليفزيون هذا العام ولهذا يعقد جلسات عمل مع الكاتب "يوسف معاطي" لتقديم مسلسل لأول مرة في حياته بعد أن ابتعد عن السينما قبل نحو 35 عاماً!! في رمضان قبل الماضي كان "محمد فؤاد" قد قدم أول عمل درامي تليفزيوني له "أغلي من حياتي" هو الذي كتب القصة ورغم أنه قد حقق نجاحاً محدوداً إلا أنه يبدو وكأنه قد فتح شهية المطربين لاقتحام الشاشة الصغيرة.. أما "مصطفي قمر" فهو يحرص خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة علي ألا يفوته شهر رمضان ويلتقي مع الجمهور في مسلسل وكان "مصطفي" قد ابتعد منذ تلك السنوات عن السينما رغم أنه كان أحد نجومها ولكن أفلامه الأخيرة لم تحقق إيرادات ولهذا طالب بحق اللجوء التليفزيوني.. فهل يصبح التليفزيون بديلاً عن السينما التي خذلت أغلب نجوم الطرب حيث لم ينجح أحد سينمائياً بين المطربين والمطربات علي مستوي الشباك باستثناء "تامر حسني" والنجاح الذي أعنيه لا علاقة له بالمستوي الفني لأن أفلام "تامر" متواضعة جداً في هذا الشأن وآخرها "عمر وسلمي" الجزء الثالث.. هل بالفعل التليفزيون يملك كل هذه الجاذبية ليحيل هزائم المطربين السينمائية إلي انتصارات تليفزيونية ولكن قبل أن نقلب صفحات تلك الهزائم السينمائية والانتصارات المأمولة تليفزيونياً أشعر أننا ينبغي أن نتوقف أولاً أمام حالة تبدو في مرحلة وسيطة بين الفيلم والمسلسل أعني بها "الفيديو كليب" والذي أراه هو المسئول الأول وأقول الأول وليس الوحيد عن هذا الفشل الذريع الذي مني به أغلب المطربين سينمائياً برغم أن الفيديو كليب أكثر الوسائط التي هوجمت بضراوة باعتباره هو عنوان الرداءة رغم ما في هذا الرأي من تجن فادح بل وفاضح لأن الفيديو كليب مثل كل المستحدثات في حياتنا تبدأ عادة بالدهشة ثم الرفض ثم التقنين ومحاولة اختيار السمين من الغث.. هذا هو حال الفيديو كليب حيث انتشرت أغاني الفيديو كليب وأصبحت مادة ثابتة ومطلوبة علي كل المحطات التليفزيونية أرضية أو فضائية خلال 20 عاماً!! ولهذا فلقد عقدت العديد من المهرجانات المتلاحقة علي امتداد الوطن العربي في القاهرة وبيروت والمنامة والدوحة للفيديو كليب فهو حلقة الوصل بين السينما والفيديو ولكن هل أغنية الفيديو كليب تصبح بديلاً عن الشريط ا لسينمائي؟ منذ أكثر من عشر سنوات وهناك انحسار للفيلم الغنائي علي مستوي عالمنا العربي والسنوات العشر الأخيرة هي بالتحديد عمر ازدهار أغاني الفيديو كليب عبر كل المحطات التليفزيونية وعندما تأملت ذلك وجدت أن هذا الاختفاء سببه أن المطرب لم يعد عزيز المنال كما كان يحدث في الماضي.. أفلام "عبد الحليم" و "ليلي مراد" و "فريد الأطرش" وقبل ذلك "أم كلثوم" و "عبد الوهاب" وغيرهم كان السر وراء إقبال الجمهور عليها هو حالة الندرة لأن الناس لا تشاهدهم كثيراً لأنه قبل انتشار التليفزيون في عالمنا العربي في الستينيات كان المطرب لديه وسيلة واحدة مضمونة وهي الأسطوانة الغنائية يستمعون إليهم كصوت فقط ولا يشاهدونهم.. أما الحفلات الغنائية فإنها تظل محدودة وروادها قلائل ولهذا جاء الفيلم السينمائي الغنائي وسيلة لكي يشاهد الجمهور نجومه المطربين قبل أن يلقي الفيلم الغنائي بعد ذلك هزيمة نكراء!! وبعد رحيل جيل العمالقة من المطربين والمطربات ومنذ مطلع التسعينيات حدث انتشار هائل للقنوات التليفزيونية الفضائية ووجدنا أن المطربين والمطربات لا يكتفون فقط بتقديم أغاني الحفلات ولكن تعددت أحاديثهم التليفزيونية فصاروا متاحين أكثر أمام الجمهور ثم انتشرت أغنيات الفيديو كليب ولم يعد يحقق المطرب في الأفلام السينمائية الغنائية أي نجاح يذكر.. لقد قدم "هاني شاكر"، "وليد توفيق"، "عمرو دياب"، "محمد فؤاد"، "عمر فتحي"، "أحمد عدوية"، "محمد ثروت"، "مدحت صالح"، "مصطفي قمر"، "شعبان عبد الرحيم"، "حكيم"، "هيفاء وهبي" وغيرهم أفلاماً عديدة إلا أن النجاح ظل محدوداً علي مستوي شباك التذاكر وحتي فيلم "إسماعيلية رايح جاي" الذي لعب بطولته "محمد فؤاد" حقق ما يربو علي 3 ملايين دولار عام 1997 ولم تتجاوز تكلفته نصف مليون دولار هذا النجاح يعود إلي كوميديا "محمد هنيدي" وليس إلي غناء أو تمثيل "محمد فؤاد".. محاولة المخرج "خالد يوسف" مع "هيفاء وهبي" في فيلم "دكان شحاتة" ظل نجاحها محدوداً لأن "خالد" راهن علي الممثلة "هيفاء" وموهبة "هيفاء" في التمثيل محدودة جداً ولكن من الممكن أن تنجح جماهيرياً لو تم صياغة فيلم غنائي استعراضي علي مقاسها الفني.. وهكذا أحجم المنتجون في السنوات الأخيرة عن المغامرات في الأفلام الغنائية ورغم ذلك فإن لا أغنية الفيديو كليب ولا المسلسل التليفزيوني يمكن أن يصبحا بديلاً عن الفيلم الغنائي علي شرط واحد أن يبحث المخرجون والمطربون والمطربات عن مناطق إبداع أخري لم يطرقوها من قبل في الفكرة والسيناريو والإخراج عبر الشريط السينمائي.. ورغم ذلك فإن هناك عدداً من المطربين مثل "راغب علامة"، "اليسا"، "وائل كافوري"، "إيهاب توفيق"، "هشام عباس"، "عاصي الحلاني"، "كاظم الساهر"، "نانسي عجرم" وغيرهم لا يزالوا مترددين ليس فقط سينمائياً ولكن أيضاً تليفزيونياً علي اعتبار أنهم لا يملكون موهبة التمثيل.. نجوم الغناء طلبوا حق اللجوء للتليفزيون فهل تنصفهم الشاشة الصغيرة؟!