نشرت بعض الصحف في مصر ومنها صحيفة الحر ية والعدالة يوم الجمعة 23 ديسمبر 2011 أن الشيخ ياسر برهامي - نائب رئيس الدعوة السلفية وأحد أهم مرجعيات حزب النور - أصدر فتوى مهمة جدا دعا فيها الشعب المصري إلى عدم التصويت للتحالف الديمقراطي لأنه يضم ليبراليين وعلمانيين ولا يجوز التصويت لهم. وكان الشيخ ياسر برهامي قد تدخل في حوار كنت أشارك فيه من خلال قناة CBC مع القمص فلوباتير والدكتور إكرام لمعي من المسيحيين والدكتور خالد سعيد (سلفي)، وأكد - كما فهمت - أنه من منطلق ديني لا يحب غير المسلمين، بل إنه يبغضهم ويتقرب إلى الله تعالى بذلك. وفضلا عن هذا تم توزيع بيان في محافظة البحيرة بعنوان: هذا بلاغ للناس ولينذروا، يدعو إلى الوقوف مع حزب النور في جولة إعادة الانتخابات لأن هذا واجب شرعي كما قال كثير من العلماء وعلى رأسهم الشيخ الفاضل محمد حسان والشيخ ياسر برهامي والشيخ عبد المنعم الشحات وهؤلاء من علماء الأمة وطاعتهم واجبة وعلى هذا فإنه من لم يعط صوته لحزب النور فهو آثم قلبه ويصل لدرجة خيانة الأمانة والفسق والفجور لأنه يتخلى عن الحزب الذي يريد أن يطبق شرع الله" انتهى كلام هذا البيان المنشور على الصفحة الأولى من بعض الصحف ومنها الوفد يوم الخميس 22 ديسمبر 2011 . ولقد قرأت للشيخ الفاضل محمد حسان أكثر من مرة استنكاره وضع صورته والزج باسمه في الدعاية الانتخابية وهذا موقف محترم من الشيخ محمد حسان حتى يبتعد المرشحون عن رفع صورته فيصوت الناس للصورة وليس للمرشح، وطبعا لن تذهب الصورة لكي تتحدث في البرلمان إذا نجح من يرفع الصورة سلفيا كان أو إخوانيا أو ليبراليا. وعودة إلى مناقشة هذه الفتاوى الشاذة التي تدل على فهم غير وسطي للإسلام، بل فهم يدعو إلى تأجيج للصراع في الوطن الواحد ويدعو إلى زيادة الاستقطاب الذي ينبغي أن ننفر منه جميعا. وهنا عدة نقاط مهمة ينبغي التأكيد عليها: أولا: إن كل حزب وكل مرشح وكل من له صوت انتخابي، له الحق الكامل أن يدعو الناخبين لانتخاب من يريد، وأن يذكر صفات المرشحين الذين يدعو لانتخابهم وليس لأي أحد أن يدعو إلى عدم انتخاب شخص آخر بعينه وخصوصا بعد أن أقر القضاء الموافقة على جميع المرشحين الذين تقدموا للانتخابات. ثانيا: إن هذه الفتاوى أو الدعوات أو البيانات لم تصدر يوما ما في حق النظام البائد بأكمله، ولا في حق أي من كبار الفاسدين والمفسدين في الحكومات المتعددة التي أفسد بها المخلوع مبارك الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والصحية والدينية في مصر بل كان بعض من يقف وراء هذه الدعوات الشاذة اليوم، يدعو لمبارك وحكوماته وحزبه على المنابر. وكان بعضهم يحرمون حتى حق التظاهر ضد مبارك وإن: جلد ظهرك وأخذ مالك. ثالثا: أن هذه الفتاوى تشير إلى أن التصويت غير جائز أو مكروه أو حرام لشخص معين أو حزب معين، وكل - كبشر أو إنسان وليس كملاك ولا شيطان - له إيجابياته وسلبياته بما في ذلك حزب النور وأعضائه الكرام، ولقد اختارت دائرة مصر الجديدة الدكتور عمرو حمزاوي واختارت دائرة المعادي الاستاذ زياد العليمي واختارت دائرة قصر النيل الاستاذ أحمد سعيد وقد يكون فيهم الخير الكثير للحياة السياسية في مصر وإثراء الحياة السياسية والوقوف ضد الفساد والديكتاتورية والظلم بالفطرة والخبرة والعلم التجريبي أكثر من بعض الملتحين والمشايخ الذين يقرأون القرآن الكريم ويتحدثون كثيرا عن القيم العظيمة مثل العدل والحق والمساواة ولا يتمتعون ولا يفعلون ولا يمارسون تلك القيم الجميلة في حياتهم. رابعا: إن استثناء السلفيين بالأحقية في التصويت والدعم والاختيار، ووصف غيرهم من الأحزاب الأخرى أو الأفراد المرشحين بأنهم لا يستحقون التصويت لهم ولا النجاح ولا تمثيل الشعب في البرلمان القادم، إنما هي دعوة إلى أن يكون السلفيون وحدهم في البرلمان، وهو جهل بطبيعة الشعب وجهل بطبيعة الحياة السياسية الديمقراطية التي تجري الانتخابات في ضوئها لأول مرة دون تزوير في تاريخ الحياة المصرية السياسية. خامسا: إن تأثيم قلوب الناس الذين لا يعطون أصواتهم لحزب النور هو إضافة جديدة إلى قائمة المحرمات والآثام التي نص عليها القرآن ونصت عليها السنة النبوية المطهرة، وفي هذا تأليه للاجتهاد البشري الخاطئ والحكم على الناس. سادسا: أما أن يصل التصويت لغير حزب النور إلى درجة خيانة الأمانة والفسق والفجور- حسب البيان - فهو قول فاسد مردود. صحيح أن الصوت الانتخابي أمانة ويجب أن توضع الأمانة في موضعها الصحيح. وفي هذا الصدد نحن بحاجة إلى من يفهم لعبة السياسة فهما جيدا، ولسنا بحاجة إلى حرب فتاوى مستوردة ولا إلى وعاظ يصرخون وهم يخطبون في البرلمان. نحن في البرلمان في حاجة إلى فقهاء سياسة وإلى أن يرى الناس جميعا من المسلمين والنصارى المصلحة العامة وهم إخوة أو نظراء في الخلق. كما قال الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه وأرضاه: الناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق". وكثير من الآيات في القرآن خاطبت الناس: "يأيها الناس". وما أجمل أن نقرأ وأن نفهم "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" وليس من انضم إلى حزب النور أو غيره من الأحزاب السياسية، وما أجمل أن نقرأ أو نفهم "يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" فأين التعارف، وكيف يكون هذا التعارف إذا خاطبنا الناس من فوقية ذميمة أو استقطاب ممقوت؟ سابعا: إنني أرى أن أهم الصفات التي تتعلق بمن يجب أن يأتي إلى البرلمان ليست هي الإيمان أو الكفر في المقام الأول ولكنها تلك التي نص عليها القرآن في آيتين هما: "قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين" والآية الأخرى هي: "قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم" وهذه الصفات الأربع هي الأساس في التزكية والاختيار: "القوة والأمانة والحفظ والعلم"، ويتفرع عنها فروع كثيرة وصفات فرعية عديدة تشمل كل صفة في المرشح تصب في مصلحة البلد الداخلية والخارجية، وحل الازمات التي يواجهها الشعب من اقتصادية واجتماعية وسياسية وعلمية وتقنية، وحسن مراقبة أداء الحكومات والتشريع اللازم لنهضة الأمة وإقامة العدل وكل ما يتعلق بخدمة المجتمع المتخلف نتيجة الأداء السلبي السابق للمخلوع وأعوانه. وهذه الصفات الأربع الأساسية توجد عند بعض المرشحين دون النظر إلى عقيدتهم ولا منهجهم السياسي أو الاقتصادي، فقد توجد عند مسيحي دون مسلم، وقد توجد عند امرأة دون رجل وقد توجد عند شاب دون شيخ. وقد توجد عند بعض مرشحي الأحزاب الليبرالية دون بعض مرشحي الأحزاب الاسلامية. وعلى الجانب الآخر فقد استنكر القمص فلوباتير جميل في الحوار المذكور سابقا ما قلته من أن سيدنا عيسى - عليه السلام - نبي الله كان مسلما انطلاقا من أن جميع الأنبياء والر سل أسلموا وجوههم لله تعالى وأدوا واجبهم الرسالي دون انحراف أو غواية أو تشبيه أو تعطيل أو تمثيل، وذلك يفهم علنا وضمنا وتصريحا وتلميحا من قوله تعالى: "إن الدين عند الله الإسلام". كل الدين وليس الدين الاسلامي فحسب. ولنا في هذا الموضوع عودةفي هذا المنبر الكريم أو غيره من المنابر الأخرى المحترمة. أنا لا أقول ذلك بسبب الانفتاح أو المعيشة في الغرب كما قد يرى بعض القارئين ولكنني أقول ذلك انطلاقا من الوسطية والشمول في الفهم، كما أبرز ذلك في رسائله الإمام حسن البنا رحمه الله تعالى.