فى تقرير من إعداد د. "وليد عبد الحي" نشره "مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات" اعتبر العدوان الصهيوني على "قطاع غزة" خلال خلال يوليو الجارى علامة فارقة في المرحلة الراهنة من مراحل الصراع العربي-الإسرائيلى, ليخلص إلى أن لهذه العملية هدفين أحدهما استراتيجي والآخر تكتيكى للجانب الإسرائيلى. وفى زج بالدور المصرى فى غير محله, أراد التقرير أن يقول بأن الهدف الاستراتيجي يتمثل فى نزع سلاح المقاومة الفلسطينية في "غزة"، مستشهدا بما تم تداوله عن رئيس الوزراء اللإسرائيليمن أنه قال: "وافقنا على المقترحات المصرية لإيجاد فرصة لنزع سلاح القطاع، من الصواريخ والقذائف والأنفاق بطرق دبلوماسية"، كما استشهد بقول مندوب "إسرائيل" في الأممالمتحدة "رون بروسر" في 24 يوليو الجارى "لا بد من نزع سلاح حماس للانتقال للخطوة التالية", ويعلق التقرير على ذلك بأنه يبدو أن هذا الهدف نبت في بيئة عربية أنهكها التناحر الداخلي بعد "الربيع العربي" بغض النظر عن أي موقف من هذا "الربيع". وانتقل التقرير إلى الأهداف التكتيكية من وجهة النظر التى يريد إثباتها فيرى أن منها تأزيم الوضع الداخلي الفلسطيني، بعد أن لاحت احتمالات تطور المصالحة الفلسطينية, واختبار التوجهات الاستراتيجية للنظام المصري الجديد, ويشكل مدى تحقيق الأهداف السياسية المعيار الرئيسي للحكم على نسبة النجاح العسكري. التقرير فيما وصفه بالحساب الأولي يرى أن "إسرائيل" حققت نتائج تكتيكية، لكنها خسرت استراتيجياً، وهو تقييم –بحسب المركز- عبرت عنه تقارير ودراسات عديدة لاسيما في الولاياتالمتحدة, وأجملها حتى هذه 26 يوليو بالنسبة للجانب الإسرائيلي في المكاسب التكتيكية المتمثلة فى زيادة الأعباء المادية على "حماس"، بفعل القتل والتدمير الواسع في "قطاع غزة", تخفيض الخسائر البشرية بين المدنيين الإسرائيليين، بفعل النجاح النسبي للقبة الحديدية في اعتراض الصواريخ, تعميق الخلافات العربية بخاصة بين المحاور المتنافسة في العالم العربي، حيث برزت مناكفات دبلوماسية في مشهد مساعي التسوية للوصول إلى هدنة لوقف القتال بين محور "تركي-قطري" غير مرحب بمبادرة مصرية للتسوية، وبين محور "مصري-سعودي" تسانده السلطة الفلسطينية يؤيد هذه المبادرة. وفى الخسائر الاستراتيجية يرى التقرير تعميق شعبية قوى المقاومة في الوسط الشعبي الفلسطيني على حساب شعبية النهج التفاوضي في السلطة الفلسطينية، مقارنا آثار ما وصفها بمعركة "غزة" الحالية على المستوى الشعبي بالآثار التي كانت لما وصفها معركة الكرامة عام 1968 من هذه الناحية، بخاصة نتيجة الأداء العسكري الجيد لقوى المقاومة –بحسب التقرير- الذي انعكس في تصاعد عدد القتلى من العسكريين الإسرائيليين لدولةٍ يعد العنصر البشري في استراتيجيتها هو أضعف حلقاتها، وإمكانية التفاوض على إطلاق مزيد من الأسرى مقابل الجندي الصهيوني الذي أسرته المقاومة، وهو تعزيز لمنطق المقاومة في التعامل مع "إسرائيل". يرى التقرير كذلك تهيئة البيئة الشعبية للبدء في انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية، كذلك إحياء الترابط بين أجزاء الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع وأراضي عام 1948, وإعادة القضية الفلسطينية على المستوى الإقليمي والمستوى الدولي للأضواء بعد أن توارت خلف دخان "الربيع العربي" –بوصف التقرير- وهو ما يتضح في أنها تتصدر وسائل الأعلام الدولية من ناحية، وتحريكها للجهود الدبلوماسية من ناحية ثانية، وتحريك المظاهرات في عدد غير قليل من العواصم العالمية، بما فيها "واشنطن" و"لندن" و"باريس" من ناحية ثالثة، وهو ما تصاعد إلى حد سحب بعض الدول الأمريكية اللاتينية لسفرائها من "إسرائيل" (البرازيل والإكوادور)؛ بل إن "مجلس العموم" البريطاني كشف عن مناقشات حادة ضد التوجهات الحكومية مع "إسرائيل"؛ وهو ما اتضح في مداخلات بعض ممثلي التيارات المختلفة في 21 تموز/ يوليو ( بيتر هين، ريتشارد بيردن، ديفيد وينيك) من (حزب العمال )، "مينزيس كامبل" من (الليبراليون)، "غريسبين بلنت" من (المحافظين)، هذا إلى جانب تصريحات وزير الخارجية الفرنسي "فابيوس". وتعززت هذه الصورة –من وجهة النظر تلك- بقرار مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان بإجراء تحقيق في وقوع جرائم حرب مع تزايد عدد القتلى المدنيين من الفلسطينيين، وهو القرار الذي عارضته "الولاياتالمتحدة" وامتنعت الدول الأوروبية عن تأييده, وإنهاء سيكولوجية الإحساس بالاستقرار في "إسرائيل" بعد توقف عمليات المقاومة في الضفة الغربية وفي "فلسطين 1948", مضيفا: تجسد ذلك بإحياء الهاجس الأمني لدى الفرد الإسرائيلي في "إسرائيل" كلها، وليس فقط في المستوطنات الجنوبية المحاذية لقطاع "غزة"، بخاصة بعد وصول صواريخ المقاومة على كل المدن الإسرائيلية، وتعمُّق ذلك بتوقف أغلب شركات الطيران عن السفر إلى "فلسطين" المحتلة، وتكدُّس المسافرين الإسرائيليين في عدد من مطارات العالم، ولا شك في أن هذا الجانب الأمني سينعكس بقدر ما على "إسرائيل" –من وجهة نظر المركز- من خلال التأثير على الهجرة اليهودية ل"فلسطين" نظراً لحالة عدم الاستقرار, تعميق الخلاف داخل المجتمع الإسرائيلي، حول كيفية التعاطي مع مشروعات تسوية القضية الفلسطينية. وبعد سرد لأقوال محللين إسرائيليين، يرى التقرير أنه من الناحية العسكرية فأن زخم قدرات المقاومة الفلسطينية لم يتغير منذ بداية المعركة، لاسيما في نطاق معدل إطلاق الصواريخ، الأمر الذي يعكس فشلا في تحقيق الأهداف المعلنة من "نتنياهو" –من وجهة نظر المركز- وتصاعد الخسائر البشرية في الجيش الإسرائيلي مع كل محاولة للتوغل في "غزة". يواصل التقرير: الاتجاه العام للحراك الدبلوماسي العربي والدولي يتمحور حول المبادرة المصرية التي ترى المقاومة أنها تفتقد للتوازن في الشكل والمضمون؛ خاصة وأنها تساوي في صياغتها بين الطرفين من ناحية، وتجعل التفاوض حول موضوع رفع الحصار عن "غزة" موضوعاً لاحقاً لوقف لإطلاق النار من ناحية ثانية, وتقطع وجهة النظر هذه بأن ذلك ينطوي على تخليص "إسرائيل" من مأزقها الحالي، والدخول في مفاوضات لا تنتهي حول الموضوع الأهم وهو رفع الحصار. التقرير أيضا وبشكل فج وتسلطى يصف المبادرة المصرية وبحكم التأييد الأمريكي والروسي والأوروبي وبعض الدول العربية بأنها تمثل نقطة الضعف المركزية في موقف المقاومة، وهو أمر –يراه- يضعف المكاسب السياسية للأداء العسكري للمقاومة. وويتباع: لعل الترويج الإعلامي بأن المبادرة المصرية الحالية هي ذات المبادرة التي تم على أساسها وقف إطلاق النار -التهدئة- عام 2012, أي في فترة حكم الرئيس الأسبق –المخلوع- "محمد مرسي"، يستهدف إحراج المقاومة، وإبراز أنها ترفض المبادرة الحالية لدوافع تنظيمية لها صلة بالصراع السياسي في "مصر". يشير التقرير إلى وقوع الموقف الفلسطيني فيما يصفهما بمأزقين واضحين قد تتفاعل تداعياتهما إلى مستوى يمتص كافة النتائج الإيجابية للمعركة, حيث محاولات تكييف الجهد الدبلوماسي العربي لتحقيق نقاط سياسية لصالح محاور إقليمية متنافسة بخاصة المحور "القطري-التركي" من ناحية والمحور "المصري-السعودي" من ناحية مقابلة, لافتا إلى الهجوم المباشر لرئيس الوزراء التركي "أردوغان" على الرئيس المصري "السيسي"، والحملات الإعلامية المتلاحقة بين أطراف المحورين بشكل قد يحول الموضوع الفلسطيني من كونه هدفاً إلى كونه أداة، وهو أمر في غاية الخطورة –بحسب التقرير- مع ضبابية موقف الرئيس الفلسطيني من عدة جوانب؛ فهو مع المبادرة المصرية كما هي، ولم يساند المقاومة بأي شكل من الأشكال، ولو بالتهديد بوقف التنسيق الأمني أو الدعوة للانتفاضة في الضفة الغربية، أو حتى الانتقال لمراحل الانضمام للاتفاقيات الدولية، خاصة نظام روما الأساسي الذي أنشأ "المحكمة الجنائية الدولية", بالإضافة إلى استمرار أثار الخلاف بين أطراف في المقاومة –بخاصة "حماس"- مع دول عربية مثل "مصر" و"سوريا" و"السعودية" من موضوع "الربيع العربي" وتداعياته، وهو أمر يجعل مساحة الحركة للمناورة السياسية الفلسطينية أكثر ضيقا التقرير. ويصل إلى أن ما وصفها بمصفوفة التقاطع بين هذه المتغيرات المتضاربة تشير إلى أن توصلاً لوقف إطلاق النار سيتم التوصل له خلال فترة ليست طويلة، وأن الطرفين –"إسرائيل" والمقاومة- سيبديان نوعا من المرونة، إذ يبدو أن فكرة نزع سلاح المقاومة التي حددها "نتنياهو" في بداية المعركة تتوارى تدريجياً في مفردات الدبلوماسية الإسرائيلية والدولية, كما أن التوفيق بين تلازم وقف إطلاق النار ورفع الحصار عن القطاع كما تريد المقاومة, أو انفصالهما كما تريد "إسرائيل", هو جوهر النشاط الدبلوماسي بشكل واضح، ولن تتحدد هذه المعادلة إلا استنادا لنتائج المعركة العسكرية وقدرة الطرفين على تحمل أعبائها. ولعل اشتعال انتفاضة فلسطينية في الضفة الغربية هو أحد أدوات الضغط الفلسطينية التي يمكن أن تزيد احتمالات التراجع الإسرائيلي عن فكرة الفصل بين وقف إطلاق النار ورفع الحصار بحسب التقرير. ولا يزال التقرير يرمى بالاتهام إلى "مصر" لصالح المقاومة فيرى أنها تحسن حتى الأن تجنب أية تصريحات سياسية تمس دولاً عربية خاصة الدولة المصرية بالرغم من التحفظ على المواقف الرسمية لها، خاصة في استمرار إغلاق "معبر رفح"، كوسيلة ضغط على المقاومة للقبول بالمبادرة المصرية كما هي. يخلص التقرير إلى أن "الأممالمتحدة" بالتعاون مع وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" تحاول طرح فكرة "وقف إطلاق نار إنساني" لساعات أو أيام قابلة للتمديد، على أمل أن تتواصل المفاوضات خلال مراحل التمديد المتلاحقة، ويتم خلال ذلك تراجع القوات الصهيونية عن تخوم قطاع "غزة", وقد يتم العودة, عند الدخول في تفاصيل المفاوضات, لفكرة أن تكون المعابر تحت سلطة موظفين من السلطة الفلسطينية, يسري عليهم التنسيق الأمني, مع أفراد من "الاتحاد الأوروبي" وربما من "تركيا"، مع الإشارة في فقرات الاتفاق النهائي للمبادرة المصرية كمرجعية أو كجهد دبلوماسي أسهم في تحقيق الاتفاق. ويعرض لاحتمال أن يؤخذ بالمبادرة المصرية، أو أن يتم تعديلها من خلال "الأممالمتحدة"، لكي لا يبدو غير ذلك بأنه انتصار محور على آخر في المناكفات الإقليمية, ويرى أن كل ذلك مرهون بمن "يصرخ أولا"، فلن تنفصل طاولة المفاوضات السياسية عن ميدان المعركة العسكرية، وهو ما يدفع للنداء للمجاهدين أن "يا سارية الجبل الجبل" بتعبير التقرير.