•• ضاعت على الرياضة المصرية فى مطلع النصف الثانى من القرن العشرين، أول فرصة للإصلاح، لأن ثورة يوليو اعتبرت الرياضة مشروعا اجتماعيا ولم تكن البطولة هدفا للدولة. كما فرضت الأولويات على ثورة يوليو اختيار التعليم قبل التدريب، فضاقت الملاعب بفصول المدارس، وضاع التعليم، وضاعت الرياضة.. لكن كيف صنع رواد الرياضة المصرية الميداليات الأوليمبية فى مطلع القرن العشرين؟ •• للإنصاف يجب أن نشير إلى أن الزمن الذى حققت فيه مصر 12 ميدالية أوليمبية كانت المقاييس فيه مختلفة، فالبطولة صنعتها المهارة والقوة الفطرية للبشر، والرغبة فى إثبات الذات، كما لم يكن العالم قد انغمس بعد فى الأساليب العلمية فى الإعداد والتدريب لصناعة البطل، وهى أساليب شهدت تطورا مذهلا بدءا من حقبة الخمسينيات من القرن العشرين.. •• نضرب مثالا بالبطل الأوليمبى الرباع السيد نصير صاحب أول ميدالية أوليمبية مصرية وحققها فى دورة أمستردام 1928 فى رفع الأثقال.. ونظم من أجله أمير الشعراء أحمد شوقى قصيدة قال فيها: «إن الذى خلق الحديد وبأسه جعل الحديد بساعديك ذليلا لِمَ لايلين لك الحديد ولم تزل تتلو عليه وتقرأ التنزيلا قل يانصير وأنت بر صادق أحملت إنسانا عليك ثقيلا» وللقصيدة بقية، لكنها تعكس صورة الزمن الذى يجعل شاعرا مرموقا مثل أحمد شوقى ينظم قصيدة من أجل بطل، وقد ألقى بها جعفر والى باشا رئيس النادى الأهلى فى حفلة تكريم السيد نصير الذى سجل رقما عالميا فى وزنه فى 26 يناير سنة 1930. •• ظهرت موهبة وقوة السيد نصير الفطرية عندما شارك فى حمل بالات القطن الثقيلة لتحميلها على الجمال فى قرية شوبر بطنطا وقد أخذ يتأمل ويتعلم من حركة الجمل وطريقته فى النهوض بالأثقال التى يحملها. وكان السيد نصير أحد تلاميذ القسم المخصوص فى مدرسة طنطا الابتدائية الذين يرجع اختيارهم إلى أجسادهم القوية الرشيقة، ولمع فى رياضة الجمباز، ثم تحول إلى رفع الأثقال فى مدرسة طنطا الثانوية متأثرا بأحد أبطال طنطا فى ذلك الوقت وهو عبدالحليم بك المصرى الذى اشتهر باستعراضه فى الاحتفالات بمولد السيد البدوى. وكان مصدر إعجاب فتيان وشبان المدينة. ومع الموهبة والقوة الفطرية وانضمامه للقسم المخصوص فى المدرسة وجد نصير مدربا فاهما ساعده على تحقيق المزيد من التقدم وهو الأستاذ محمد بسيونى فى النادى الأهلى.. وعندما فاز نصير بالميدالية الذهبية أرسل مراسل الأهرام الخاص يوم 29 يوليو 1928 برقية يقول فيها: «فاز السيد نصير المصرى على أبطال العالم فى حمل الأثقال، فكان بطل العالم الأول بأرقام مدهشة وتفوق على 17 حمالا».. •• لم يكن هذا الجيل من الرواد يعرف سوى تحدى النفس والذات والنضال، ولم يكن هذا الجيل من الرواد يعرف كلمات من نوع: «تأمين المستقبل»، وإنما كانت مصر عنده هى المستقبل». •• كل من الأبطال الرواد، له حكاية مع الكفاح والنضال والتدريب الشاق.. وكل منهم صنعته الموهبة الفطرية وحب الرياضة وممارستها من أجل التفوق فى زمن غلبت فيه القوة الطبيعية وفى زمن لم يكن يعرف قواعد التدريب العلمية التى شهدت تطورا مذهلا فيما بعد بسنوات، بينما ظلت الرياضة المصرية تنتظر الطفرات والمواهب الذين يفرضون أنفسهم ولايفرزهم نظام رياضى فى سياق طبيعى ومنطقى.. هل نرى فى المستقبل القريب ملامح هذا النظام الرياضى.. كما هو الحال فى دول صنعت العديد من الأبطال العالميين والأوليمبيين؟! سؤال آخر يستحق إجابات..