لم يفارقني المشهد الحضاري للجماهير الأسبانية قبل وبعد المباراة الممتعة التى جمعت الفريقين الكبيرين برشلونه وريال مدريد قبل أيام قلائل ، فلم أشهد العاب نارية مزعجة أو لافتات تسئ للمنافسين أو حتى صور ساخرة ذات ابعاد سياسية وتوقعت ان تبرز لافتات تنتقد سفر الملك خوان قسطنطين الى مدغشقر للصيد على نفقة الدولة وهى الزيارة التى احيطت بالكتمان ولم يكشفها سوى سقوط الملك واصابته بكسر فى ساقه ، لكن خابت توقعاتي فقد تبين ان الجماهير تعاملت مع المباراة من زاوية رياضية فقط من اجل الأستمتاع وقضاء ساعات جميلة. وللأسف لم تمض ساعات حتى صدر قرارأمني حاسم فى مصر بالغاء مسابقة كأس مصر التى كانت الامل الوحيد فى عودة الحياة الى الملاعب الرياضية ، وعلى الفور اغلقت الغالبية العظمى من الاندية ابوابها لتواجه مخاطر الأفلاس نتيجة الأستحقاقات المالية والأدارية والقانونية المتشابكة التى تواجهها بدون رحمة، ويعود السؤال المطروح حول مصير لعبة كرة القدم بل النشاط الرياضي بوجه عام فى مصر؟ فالتجميد لعدة أشهر غير محددة يعني بوضوح تدمير صناعة الحركة الرياضية التى يتجاوز عمرها المائة عام وتحمل تاريخآ من الانجازات والنجاحات . الأعلان الرسمي عن عدم أقامة مسابقات رسمية أصاب أطراف المعادلة الرياضية فى مقتل ، والحكاية لا تقتصر على الغاء مباريات كرة القدم ، بل خسائر بالملايين للاندية واللاعبين والمدربين وكذلك الأعلام الرياضي سواء المكتوب أو المرئي ، وتطال أيضا قطاع التسويق الرياضي الذي ازدهر فى مصر خلال السنوات الاخيرة تبلغ القيمة التقريبية له مليار و300 الف جنيه شاملة قوق البث الفضائي وتسويق المباريات وحقوق الاتحاد المنظم والاندية التى تكبدت نفقات هائلة فى شكل عقود باهظة تم أبرامها قبل ثورة 25 يناير. وزارة الداخلية كانت صاحبة القرار الاخير واطلقت رصاصة الرحمة على الرياضة المصرية ولها دوافعها ومبرراتها ، فالأسابيع القادمة تحمل مجموعة من المخاطر والتحديات مخيفة بدءآ من الصراع السياسي الدائر بين الأسلاميين وباقي جموع المصريين ، ثم الانتخابات الرئاسية بما تتطلبه من جهود امنية خارقة ، ثم الحكم فى محاكمة الرئيس السابق يوم 2يونيو والذي سيشعل الشارع فى كل الاحتمالات . كيف يمكن توفير الامن فى الملاعب وسط هذه الامواج العاتية؟ ومن سيتحمل مسؤولية تنظيم مباريات ربما بل من المؤكد انها ستكون عاكسة للصراع القائم فى الشارع السياسي ؟ ورغم مرارة القرار الإ ان الغاء النشاط الرياضي يحمل نتيجة ضمنية مروعة ، وتتعلق بالموسم المقبل والذي يجب ان يبدأ فى أغسطس المقبل ، وفى ظني ان المؤشرات غير مبشرة ولاتحمل أيجابيات ، الإ اذا جاء رئيسآ مقبولآ من كافة الطوائف لا يخلف عليه أحد . الرياضة المصرية تدخل منعطف شديد القسوة لعدم توفر الامن وهنا المآساة.