حكومة تل أبيب خشيت من تمدد التسرب إلى طابا المصرية مخافة حدوث أزمة سياسية فى ليلة الثالث من ديسمبر عام 2014، كان بعض العمال ينقلون قطاعا من خط أنابيب يمتد عبر الصحراء بالقرب من طرف إسرائيل الواقع فى أقصى الجنوب، حيث تتقابل مع مصر والأردن والبحر الأحمر، فى إطار مشروع ضُربت عليه السرية منذ زمن، وخلال عملية النقل انكسر الأنبوب وبدأ النقط يتدفق. ورغم استمرار التسرب لدقائق قليلة فحسب، قال شهود إن ما حدث كان يمكن أن يصبح أكبر كارثة بيئية فى إسرائيل، ذلك أن «نهرا من نفط حجمه 5 آلاف متر مكعب من النفط الخام» قد تدفق ومنع المرور على «الطريق 90»، وهو الطريق الرئيسى الموصل إلى العاصمة الإقليمية إيلات. فى منتصف النهار كان حجم الكارثة قد اتضح، النفط تسرب إلى محمية «إفرونا» الطبيعية، وهى قطعة بدائية من الصحراء تؤوى 200 غزالة وأشجار السنط التى يمكن أن تعمر لقرون، وأصبح جزءا من أودية المحمية الصحراوية الجافة أنهارا سوداء لامعة. وبعد أكثر من عام، وصلت أولى القضايا الخاصة بالكارثة إلى ساحات المحاكم، وطالب المواطنون الإسرائيليون بمحاسبة المسئولين عن التسرب. وإلى جانب المسائل الخاصة بتحديد المسئولية وتكاليف التنظيف، أثار التسرب قضايا أوسع بشأن كيفية التعامل مع «أسرار الدولة». النفط المتسرب تدفق من أنبوب مملوك لشركة إسرائيل الأكثر سرية، وهى شركة خطوط أنابيت «إيلات عسقلان» التى أنشئت عام 1968 كمشروع مشترك مناصفة مع إيران، ومنذ التأسيس، صدر مرسوم شامل من الدولة يضرب السرية على جميع تفاصيل المشروع. ويقول مسئولون إسرائيليون إن المرسوم أُصدر لأسباب تتصل بالأمن القومى. ليهى جولدنبرج، المحامى الذى يعمل مع جماعة «تيفا فادين» البيئية، والتى رفعت دعوى لمقاضاة المسئولين عن التسرب، طالب بأن يعرف المواطنون كل شىء يتعلق بشركة خطوط أنابيب إيلات عسقلان السرية، «لا نعرف حتى الاتجاه الذى يتدفق إليه النفط.. من حق الإسرائيليين معرفة ما الذى يتدفق عبر فنائهم الخلفى». الحكومة الإسرائيلية من جهتها، استعانت بمرسوم السرية للمطالبة بإصدار أمر يحظر نشر المعلومات بشأن قضية منفصلة رفعها محامون يسعون للحصول على تعويضات بالنيابة عن أصحاب ممتلكات محلية وغيرهم ممن تأثروا بالتسرب، ومن المقرر مناقشة القضية فى البرلمان فى شهر مارس الحالى. ومن بين المدعى عليهم فى هذه القضية، بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الذى عمل لفترة وجيزة وزيرا للمالية أثناء أزمة الائتلاف التى تزامنت مع التسرب، وتمارس الوزارة سلطات إشراف على شركة خطوط أنابيب إيلات عسقلان. وقالت وزارة المالية إنها كانت تعمل على رفع السرية المفروضة على المشروع، ولكن بشأن الأمور البيئية فحسب، ورفضت طلب إجراء مقابلة من صحيفة الفاينانشيال تايمز. جدير بالذكر، أن إسرائيل سيطرت على أصول شركة خطوط أنابيب إيلات عسقلان بعد الثورة الإسلامية عام 1979، لكن شركة النفط الوطنية الإيرانية تسعى منذ أكثر من 20 سنة للحصول على تعويض بمليارات الدولارات من خلال التحكيم الدولى. إحدى النظريات تقول إن الحكومة مترددة فى كشف النقاب عن التعاملات التجارية الماضية، فى ظل التحكيم الحالى مع عدوها الإقليمى الأكبر إيران. وتقول تامار زاندبرج عضو البرلمان عن حزب ميرتس: «أظن أن السرية بشأن التسرب نتيجة للسرية بشأن الشركة. والسرية بشأن الشركة نتيجة لدخول إيران فى الموضوع». ورفضت شركة خطوط أنابيب إيلات عسقلان طلب إجراء مقابلة معها، لكنها قالت فى ردود مكتوبة إنها «تعتذر بشدة عن الضرر الذى وقع»، وأنها تعمل مع وزارة البيئة وغيرها من السلطات لإصلاح محمية إفرونا. ويقول يهوشوا شكيد، كبير العلماء فى هيئة الطبيعة والمتنزهات الإسرائيلية إن التسرب ربما سببه «الإهمال، أو الخطأ». فقد حدث خلال قيام عمال الشركة بنقل خط الأنابيب لأسباب تتعلق بإنشاء مطار رامون الجديد. وكان شكيد أحد أفراد الفريق الذى استجاب بسرعة للتسرب. وأوضح أن حكومة تل أبيب عقدت اجتماعا خاصا فى القدس، وأنشأت غرفة قيادة برئاسة وزير البيئة فى قرية قريبة من موقع الحادث، وأُحضرت آلياتها إلى محمية إفرونا لتجريف برك صغيرة تحتوى النفط، وأحضرت شاحنات صرف صحى لشفط النفط الخام فى صباح اليوم التالى للكارثة. «الحكومة الإسرائيلية ومسئولو حماية الطبيعة خشوا من تدفق النفط إلى البحر وتلويث المنتجعات الساحلية فى إيلات والعقبة وطابا المصرية المعروفة بمياهها الزرقاء الصافية وشعابها المرجانية.. كان هناك سعى لمنع دخول النفط المملكة الأردنية الهاشمية وخليج إيلات لمنع كارثة أخرى فى البحر قد تؤدى إلى كارثة سياسية»، أضاف شاكيد.