• صرخ فى المصورين أثناء متابعة الجلسة عبر الشاشة: «يا جماعة فى حاجة اسمها بلوى» • أحصى الحضور وعدد المصوتين بنفسه.. ودخن سجائر طوال أكثر من ست ساعات • رد على سؤال «الشروق» حول إسقاطه من برلمان «30 يونيو» التى دعا إليها ب«نظرة غاضبة».. وقال عن موقف ناخبيه: «هما اللى يتحركوا يا فندم» • سمع عبدالعال يدعو لإعادة منادة من لم يصوتوا فقال بارتباك: «هو مصمم على إسقاط عضويتى» • كرر «لا تعليق» أكثر من مرة ردا على أسئلة الصحفيين.. وغادر فى سيارة تحمل لوحتها حروف «بطل» من الباب الخلفى رقم 4 بمجلس النواب، وسط القاهرة، غادر توفيق عكاشة (49 عاما)مقر البرلمان، مودعا مقعد دائرته الانتخابية الواقعة بطلخا ونبروه فى الدقهلية، فى تمام السادسة إلا عشر دقائق من مساء أمس الأول (الأربعاء)، بعد إحصائه بلوغ عدد النواب المصوتين بالموافقة على إسقاط عضويته، نصاب الثلثين، بمجموع يتجاوز 398 نائبا، ارتفع عددهم إلى 465 نائبا، فى ختام الجلسة التى أدانته ب«تناول أمور تخص الأمن القومى للبلاد». أكثر من ست ساعات قضاها عكاشة، بفناء البهو الفرعونى داخل البرلمان، منذ حضوره مبكرا فى نحو الحادية عشرة صباحا، وحتى المغادرة، بدا خلالها شخصا آخر غير الذى عرفه الرأى العام طيلة الفترة الماضية، فى أقسى أزمة واجهته، بعد واحد وخمسين يوما من حلف اليمين الدستورى تحت القبة. الرجل، المولود فى قرية ميت الكرماء بالدقهلية، وجد نفسه وحيدا، يمر على زملائه النواب، واحدا تلو الآخر فى البهو الفرعونى، متوددا، معتذرا، واضعا باطن كفه اليمنى على صدره حينا، ثم يضعها، حينا آخر، جوار يسراه، بأصابع مضمومة للأعلى، أمام وجه من يحدثهم، فى يأس، محاولا إدراك «فرصة أخيرة»، دون جدوى. مع بدء المجلس مناقشة أزمته فى الواحدة ظهرا، ومنعه من الدخول، لم يجد عكاشة ملجئا سوى «البهو»، وهناك جلس إلى بعض النواب، يحدثهم بصوت خفيض، وعيون منكسرة، ثم يستمع إليهم بذهن شارد، وجسد مائل نحو من يحدثه باهتمام من يقاوم فقدان الأمل. فى الواحدة وثمانى عشرة دقيقة، قام مذهولا بعد مناداة رئيس المجلس على عبدالعال، اسمه، وتوجه سريعا لدخول القاعة، إلا أنه عاد سريعا بعد منعه لصدور عقوبة سابقة بحقه تمنعه من حضور عشر جلسات ل«إهانة رئيس المجلس». وقف أمام أحد أبواب القاعة ينظر، عبره، نحو النواب، لأقل من دقيقة واحدة، قبل أن يصحبه ضابط شرطة برتبة عميد من قوة تأمين المجلس، إلى البهو مرة أخرى، وتحدث الضابط بصوت مسموع لحظتها للصحفيين قائلا عن النائب إنه «شخص ملتزم ويسمع التعليمات». عكاشة، الذى أحب اكتساب لقب «سيادة النائب»، فور استخراج بطاقة عضويته فى العاشر من ديسمبر الماضى، وتحمس مبكرا لتفعيل دوره، بالاعتراض على إقالة الأمين العام السابق للمجلس خالد الصدر وقتها، وقف أمام شاشة تلفزيونية للبث الداخلى، بالبهو الفرعونى، فى الثانية تماما، يتابع تصويت زملائه على إسقاط عضويته، وهو يدخن سيجارة، بملامح من يراقب حلما تبخر دون سابق إنذار، وظل النائب السابق، يدخن طيلة متابعته الجلسة. بعد الثانية بسبع دقائق، اصطحب النائب، عن مركز ملوى بالمنيا، رياض عبدالستار، عكاشة، محاولا إدخاله ل«الاعتذار»، إلا أن المحاولة لم تفلح، فعاد الأخير مرة أخرى لمتابعة الجلسة عبر الشاشة الصغيرة، بعدما أعاده عناصر الأمن الذين اعتاد منهم المبادرة بفتح الأبواب أمامه بوجوه باسمة، طيلة الفترة الماضية. وانفض عدد من النواب عن عكاشة حين كان يتحدث إليهم داخل البهو، يرافقه النائب مرتضى منصور، وانضم الاثنان إلى النائب عماد جاد، وتحدثوا معا لدقائق، قال خلالها منصور: «عكاشة غلطان وكل حاجة بس مش معنى كدة يسقطوا عضويته»، مضيفا أن هناك «ثمانية أو تسعة أنفار بيمشوا المجلس من ائتلاف دعم مصر». رغم استجدائه الدخول أكثر من مرة «للاعتذار وبوس رءوس النواب»، بحسب تعبيره، استقر به الحال، جالسا على مقعدٍ بسيط، أمام طاولة صغيرة لا تتسع لأكثر من شخصين أو ثلاثة، مجاورا العديد من الصحفيين والعمال وبعض صغار الموظفين، بوجه علاه الضيق، بعد أسابيع قليلة من وقوفه تحت القبة معلنا ترشيح نفسه للجلوس على المقاعد الوثيرة المخصصة لشخص من يصل لمقعد رئيس المجلس. مرت الساعات بطيئة على عكاشة وهو يحصى، فى أوراق بيضاء، أعداد الحضور من النواب المشاركين فى الجلسة، ثم أعداد المصوتين بالموافقة أو الرفض على إسقاط عضويته. أشعل المزيد من السجائر، ونفث الدخان فى خط مستقيم، دون أن يتحدث إلى أحد ممن حوله، متجاهلا النظر إلى عدسات الكاميرات العديدة التى صوبها المصورون نحوه، إلا أنه صرخ فيهم فجأة: «اقعدوا على جنب يا جماعة.. فى حاجة اسمها بلوى.. شعور.. مشاعر يعنى»، قال عبارته بصوت متهدج، فى غضب مصاب ببلاءٍ عظيم، ثم عاود النظر إلى شاشة بث الجلسة، متابعا العد والإحصاء، ومراقبة وجوه رفاقه السابقين تحت القبة أثناء حديثهم بشأنه بين مؤيد ورافض، لإسقاطه وإعلان مقعده خاليا. اقترب منادى الجلسة من الانتهاء من مناداة جميع الأعضاء حتى العضو رقم 596 (إجمالى عدد الأعضاء)، دون بلوغ النصاب اللازم لإسقاط عكاشة، فأعاد النائب السابق، أكثر من مرة، جمع ما أحصاه بيده من موافقين ورافضين، وهو يقول لمن يجاوره «لسه موصلوش للنصاب»، إلا أنه فوجئ برئيس المجلس، يدعو لإعادة مناداة من لم يكن حاضرا من النواب أثناء ندائهم أول مرة، فارتبك عكاشة، وفتح عينيه مذهولا، وقال لمحررى البرلمان من حوله، متحدثا عن عبدالعال: «هو مصمم على إسقاط عضويتى بالمناداة على النواب من جديد». فى الخامسة وست وأربعين دقيقة، قرر عكاشة مغادرة المجلس، بعد تأكده من تجاوز عدد المصوتين بالموافقة على إسقاط عضويته 398 نائبا، أحصاهم بنفسه، فاتجه للخروج من الباب الخلفى رقم 4 المواجه لوزارة الصحة، يرافقه العديد من المحررين والمصورين، وضابط الشرطة ذاته الذى رافقه أثناء جميع تحركاته فى أروقة المجلس أثناء الجلسة. سار عكاشة خطواته الأولى نحو مستقبل ما بعد إسقاط عضويته، لعشرات الأمتار، دون أن ينطق بشىء، متجاهلا أسئلة الصحفيين الذين ألحوا عليه فى الإدلاء بأية تصريحات، وتمسك بتكرار كلمة «لا تعليق»، مرارا، ثم قال الكلمة نفسها، بنظرة غاضبة ل«الشروق» ردا على سؤال بشأن «إسقاطه من برلمان الثلاثين من يونيو، التى دعا إلى المشاركة فيها بشكل أساسى وواضح»، ثم اكتفى بالقول بصوت يعلوه الوهن والضيق: «هما اللى يتكلموا يا فندم»، ردا على سؤال آخر ل«الشروق»، حول تصوره لموقف ناخبيه فى دائرة طلخا ونبروه، من قرار المجلس بإسقاطه. قبل خطوات من تجاوز عتبة مجلس النواب، إلى الخارج، نبه عكاشة أحد مساعديه بصوت خفيض: «هات البطاقة بتاعتك»، التى سبق وتركها لدى الأمن أثناء الدخول، وتحاشى النائب السابق النظر فى وجوه عناصر الأمن، الذين تعلقت أبصارهم بمتابعة تحركاته، ومرافقيه، شاردا ببصره إلى الأمام، برأس حرص على التمسك بها فى وضع مستقيم، رغم انطفاء بريق عينيه الذى لمع طويلا أمام بوابات المجلس، فى دخول أو خروج، وكذلك أمام عدسات الكاميرات، خلال الأيام القليلة الماضية. أمام المجلس، كانت تنتظره سيارة «هاتشباك»، سوداء اللون، حرص عميد الشرطة، الذى كان يرافقه، على التأكد من استقلاله لها، والمضى بعيدا، مع تحدثه هاتفيا بصوت مسموع، لشخص على الطرف الآخر يتابع سير الأمور، خطوة بخطوة. أبقى عكاشة فمه مغلقا حتى أغلق، لنفسه، الباب الخلفى للسيارة، قبل انطلاقها مغادرة المكان، تاركة لوحتها الخلفية تطل على مبنى البرلمان مكونة من ثلاثة أرقام وثلاثة حروف مرتبة (ب ط ل 189)، يعلوها اسم مصر.