استعدادات مكثفة بالجيزة لانطلاق انتخابات مجلس النواب غدًا    موفدو الأوقاف بالخارج يبادرون لأداء واجبهم الوطني في انتخابات مجلس النواب    حزب السادات: مشهد المصريين بالخارج في الانتخابات ملحمة وطنية تؤكد وحدة الصف    رسميًا.. بدء إجراء المقابلات الشخصية للمتقدمين للعمل بمساجد النذور ل«أوقاف الإسكندرية»    وزير التموين يتابع توافر السلع بالأسواق استعداداً لشهر رمضان    شريف عامر: لا بد من التطور والتكيف ولكن بطريقه احترافية    رئيس الوزراء يتابع مستجدات الموقف التنفيذي لمشروع مدينة «رأس الحكمة»    تفاصيل المشهد المعقد.. فؤاد السنيورة رئيس وزراء لبنان الأسبق يكشف أسرارا جديدة في "الجلسة سرية"    افتتاح قمة الاتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية وسط قلق بسبب التحركات العسكرية الأمريكية    وزير الصناعة والنقل يترأس الدورة (74) لاجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء النقل العرب    الزمالك يجري 3 تبديلات دفعة واحدة بين شوطي المباراة    ننشر أسماء ضحايا حادث تصادم القناطر.. سيارة تشتعل وأخرى تسقط بالمصرف| صور    غريق مجهول الهوية بمسطرد.. تفاصيل حادث صادم بجوار معدية البترول| صور    استعدادات أمنية مكثفة لتأمين انتخابات مجلس النواب 2025    تصريحات دينا الشربيني عن «مفيش واحدة بتسرق راجل» تعود للمشهد بعد شائعات ارتباطها ب كريم محمود عبدالعزيز    دينا فؤاد تصل عزاء والد محمد رمضان بمسجد الشرطة    رئيس قطاع الأخبار بالمتحدة: مهمتنا تلبية احتياجات الجمهور وتقديم أفضل محتوى    بيحبوا يثيروا الجدل.. 4 أبراج جريئة بطبعها    «عبدالغفار» يبحث مع ممثلي منظمة الصحة العالمية تعزيز جهود مواجهة الكوارث    
نائب وزير الصحة يتفقد مستشفى شبرا العام ويوجه بسرعة إصلاح الأجهزة المعطلة    أخبار السعودية اليوم.. إعدام مواطنين لانضمامهما إلى جماعة إرهابية    هل أصدر الرئيس الروسي تعليمات بالتحضير لتجارب نووية؟.. الكرملين يجيب    الشروط الجديدة لحذف غير المستحقين من بطاقات التموين 2025 وتحديث البيانات    توقيع مذكرة تفاهم لدمج مستشفى «شفاء الأورمان» بالأقصر ضمن منظومة المستشفيات الجامعية    محافظ مطروح يتفقد مركز التدريب المدني.. ويؤكد الإعلان عن دورات تدريبية قريبا    ماذا قال ياسر جلال بعد كلمته بمهرجان وهران في الجزائر؟    الشيخ خالد الجندي: ربنا بيوريك نتيجة استخارتك في تيسير الطريق أو توقفه    الخزانة الأمريكية ترفع العقوبات عن الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب    ضبط صانعة محتوى في الجيزة لنشر فيديوهات خادشة للحياء على مواقع التواصل    قومي المرأة يدعو سيدات مصر للمشاركة بقوة في انتخابات النواب    سمير عمر رئيس قطاع الأخبار بالشركة المتحدة يشارك في ندوات منتدى مصر للإعلام    من يحضر تنفيذ العقوبة؟.. بعد حكم إعدام قاتلة زوجها وأبنائه ال6.. إنفوجراف    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    علاج مجانى ل1382 مواطنا من أبناء مدينة أبو سمبل السياحية    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    استلام 790 شجرة تمهيداً لزراعتها بمختلف مراكز ومدن الشرقية    التنسيقية: إقبال كثيف في دول الخليج العربي على التصويت في النواب    «زي كولر».. شوبير يعلق على أسلوب توروب مع الأهلي قبل قمة الزمالك    «صرف الإسكندرية»: فرق طوارئ ومتابعة ميدانية استعدادًا لانتخابات مجلس النواب    وجبات خفيفة صحية، تمنح الشبع بدون زيادة الوزن    الأوقاف توضح ديانة المصريين القدماء: فيهم أنبياء ومؤمنون وليسوا عبدة أوثان    الأهلي والزمالك.. تعرف على جوائز كأس السوبر المصري    طولان: محمد عبد الله في قائمة منتخب مصر الأولية لكأس العرب    تشييع جنازة مصطفى نصر عصر اليوم من مسجد السلطان بالإسكندرية    «لعبت 3 مباريات».. شوبير يوجه رسالة لناصر ماهر بعد استبعاده من منتخب مصر    مئات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى والاحتلال يواصل الاعتقالات في الضفة الغربية    أمين الفتوى: الصلاة بملابس البيت صحيحة بشرط ستر الجسد وعدم الشفافية    على خطى النبي.. رحلة روحانية تمتد من مكة إلى المدينة لإحياء معاني الهجرة    قافلة «زاد العزة» ال 68 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    مواعيد مباريات الأحد 9 نوفمبر - نهائي السوبر المصري.. ومانشستر سيتي ضد ليفربول    هل يفاجئ توروب الزمالك؟.. تشكيل الأهلي المتوقع في نهائي السوبر المصري    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نكذب على أمريكا.. أم على أنفسنا؟
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 08 - 2009

كان هنرى لويس مينكين أحد أهم المفكرين الاجتماعيين فى النصف الأول من القرن العشرين. وكان له قول شهير: «إن الأشخاص الذين يعجب بهم الشعب الأمريكى إلى أقصى الحدود هم الأكثر جرأة فى الكذب، والأشخاص الذين ينفر منهم بأقصى درجات العنف هم أولئك الذين يحاولون أن يقولوا له الحقيقة».
ويبدو أن أحد المستشارين المصريين قرأ هذه العبارة لمينكين وضمنها إحدى مذكراته منذ أن كانت رحلة الرئيس مبارك إلى واشنطن فى مرحلة الإعداد.
فقد انطلقت من أجهزة الدولة وصحافتها وفضائياتها كذبة كبيرة أرادوا لها أن ترافق الرئيس إلى العاصمة الأمريكية وأن تحدث أكبر أثر ممكن فى أمريكا على إدارة الرئيس باراك أوباما.
تقول هذه الكذبة الكبيرة إن الإدارة المصرية كانت على خلاف حاد وشامل مع الإدارة الأمريكية فى عهد الرئيس السابق جورج بوش.
وحسنا فعل الرئيس مبارك أن نسف نصف هذه الكذبة على الأقل عندما صرح لجريدة «الأهرام» (الرسمية) فى واشنطن، حين قال إن الخلافات مع إدارة بوش كانت حول السلام والعراق ولا تتصل بالوضع الداخلى. هكذا طار نصف الكذبة الكبيرة عن الخلافات بين النظام المصرى والنظام الأمريكى فى عهد بوش، بل إن النصف الذى طار كان النصف الأخطر فى هذه الكذبة.
واقع الأمر أنه طوال عهد بوش الابن لم يظهر على السطح أى خلاف بين إدارته والإدارة المصرية. كانت العلاقات المصرية الأمريكية تصور طوال الأعوام الثمانية لإدارة بوش على أنها تتألف من سمن وعسل. وكان امتنان الإدارة المصرية من سياسات وقرارات وسلوكيات إدارة بوش كعادته فى ذروته، سواء فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية والمصرية، أما فيما يتعلق بالسياسة الداخلية فان من المعروف أن القاعدة المرعية بل الواجبة دائما هى أن من حق الإدارة الأمريكية أن تختلف مع وأن تعترض على بعض جوانب السياسة الداخلية المصرية.. وهذا حق لا تملكه الإدارة المصرية فيما يتعلق بالسياسة الداخلية الأمريكية.
من يستطيع أن يذكرنا بآخر مرة أو أول مرة أصدرت فيها الإدارة المصرية بلسان مسئوليها أو المتحدثين باسمها بيانا أو تصريحا ينتقد السياسة الداخلية الأمريكية بشأن أى موضوع: اقتصادى، اجتماعى، ثقافى.. أو سياسى؟ الأمر الذى تعرفه المتابعة الدءوبة للعلاقات المصرية الأمريكية هو أن الإدارة المصرية على مدى 28 عاما التزمت التأييد، بل الإعجاب بمسارات السياسة الأمريكية خارجية وداخلية.. حتى حينما كانت تصريحات المتحدثين الرسميين الأمريكيين تعبر عن الاعتراض أو النقد أو التنصل من سياسات الإدارة المصرية خارجية أحيانا وداخلية أحيانا أخرى.
ليس خافيا على أحد أن التحولات الجذرية التى طرأت على السياسة الإقليمية المصرية تجاه إسرائيل وتجاه إيران جرت كلها فى عهد الرئيس السابق بوش الابن. وتكاد القاعدة المتبعة دوما من جانب القاهرة تقول: «هذا الرجل أمريكى فهو إذن على حق».. أو «الأمريكى على حق لمجرد كونه أمريكيا». ولعل من المناسب أن نتساءل فى هذا السياق نفسه: كيف ينظر مسئول مصرى مثلا إلى يسارى أمريكى، وكيف ينظر المسئول نفسه إلى يسارى مصرى. الأول جدير بالاحترام والتقدير لأنه أمريكى وإن كان يساريا.. والثانى جدير بالشك والحذر على الأقل، بالتحديد لكونه يساريا.
أمريكا بوش فى نظر الإدارة المصرية نالت كل الاحترام والتقدير والتأييد من جانب السلطة المصرية على الرغم من بالأحرى بسبب سياستها العدوانية اليمينية المتطرفة التى أصبحت تلخصها عبارة «المحافظين الجدد» الأقرب إلى معاداة الإسلام والمسلمين وفتح جبهات الحرب العالمية على الإرهاب عليهم.
وأمريكا أوباما فى نظر الإدارة المصرية وكما اتضح فى تصريحات حملة زيارة الرئيس مبارك لواشنطن نالت كل الاحترام والتقدير والتأييد من جانب السلطة المصرية على الرغم من بالأحرى بسبب سياساتها الأقرب إلى الاعتدال، الأقرب إلى التقدمية، الأقرب إلى احترام العالم الإسلامى وقضاياه وحضارته.
لم تظهر هذه الكذبة الكبيرة عن الخلافات مع إدارة بوش فى تصريحات أو بيانات الإدارة المصرية فى وقت حملة أوباما الانتخابية، وإلا لقلنا إن الإدارة المصرية «تضع ثقلها» وراء مرشح الرئاسة الأمريكى الذى يعد بتغيير مواقف وسياسات الولايات المتحدة تجاه مصر والعالم الإسلامى. لو ظهرت هذه الكذبة فى وقت حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية لكان من الممكن أن نتصور أن الإدارة المصرية تنفست الصعداء لقرب ذهاب المحافظين الجدد وبوش.. ولكان من المؤكد أن نتصور أن الإدارة المصرية أدركت أن الشعب الأمريكى راغب فى التغيير الذى يدعو إليه أوباما وأن أوباما فى طريقه فعلا إلى البيت الأبيض.
لكن الواقع أنه طوال وقت الحملة الانتخابية كانت الإدارة المصرية وإدارات الحكومات العربية التى تقف تحت مظلة الاعتدال، تظهر صراحة ميلها القوى إلى المرشح الجمهورى جون ماكين، امتداد المحافظين الجدد والذى كان مرشحا لأن يرأس «فترة ثالثة» لبوش.
فلماذا إذن انبثقت فجأة هذه الكذبة عن خلافات كانت تمزق نسيج العلاقات الأمريكية المصرية فى عهد بوش بعد أن اعتلى أوباما عرش البيت الأبيض؟
الإجابة الصريحة تقول إن الإدارة المصرية تتصور:
1 أن بإمكانها التعمية على مدارك إدارة أوباما بشأن علاقتها مع إدارة بوش.
2 أن إدارة أوباما يمكن أن تقيم وزنا كبيرا لموقف مصر الرسمى من أمريكا فى عهد إدارة بوش لدرجة تجعلها تنفر من علاقات إيجابية مع القاهرة.
3 أن إدارة أوباما ربما تعجز عن إدراك النتائج التى تترتب على استمرار حكم الإدارة المصرية منذ عهد إدارة الرئيس ريجان إلى الآن واختلافها عن النتائج التى ترتبت وتترتب على التناوب على الرئاسة الأمريكية منذ 1981 إلى اليوم.
4 أن الإدارة المصرية تتصور ربما أنها تدخل فى منافسة مع إسرائيل (إدارة بنيامين نتنياهو) بشأن كسب ود أوباما وإدارته، إذا هى ظهرت بصورة من خالف إدارة بوش السابقة.
للأسف فإن هذه التصورات جميعا خاطئة.. ولا تستطيع الكذبة الكبرى عن خلافات القاهرة مع واشنطن فى عهد الإدارة السابقة أن تجعلها تصورات صحيحة. الفهم الصحيح لطريقة التفكير الأمريكية فى ظل بوش كما فى ظل أوباما لا تعطى بالا لهذا النوع من التصورات، وتحاول باستمرار أن تبنى سياساتها على ما تتوصل إلى أنه نتائج عملية من منطلقات نظرية مشروحة بلغة واضحة وبالأرقام.
فهل قصد بهذه الكذبة تصويبها نحو الرأى العام الأمريكى؟ ليس من عادة الرأى العام الأمريكى أن يتابع شأنا من هذا القبيل انقضى عهده بانقضاء إدارته السابقة. قد تهتم جوانب من الرأى العام الأمريكى بمعرفة ما دار بين الرئيس المصرى وقادة اليهود الأمريكيين، من زاوية معرفة هذا الجانب بالمدى الذى ذهبت إليه القاهرة فى الالتقاء مع وجهات النظر الإسرائيلية.
وبعد.. أسمع من يتساءل: كيف يمكن القول إن خلافات الإدارة المصرية مع إدارة بوش ليست أكثر من أكذوبة، والكل يعرف أن الرئيس مبارك لم تطأ قدماه الأرض الأمريكية طوال السنوات الخمس الأخيرة من ذلك العهد؟ والإجابة بسيطة، وهى أن القول بأن الإدارة المصرية اختلفت مع الإدارة الأمريكية شىء، وأن إدارة بوش لم تكن راضية عن أداء الإدارة المصرية شىء آخر تماما. الأول غير صحيح والثانى صحيح ولأسباب داخلية (مصرية) بحتة.
وأغلب الظن أننا نكذب على الرأى العام المصرى.. كما هى العادة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.